الدولة التى نريدها ونرجوها - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 2:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدولة التى نريدها ونرجوها

نشر فى : السبت 9 نوفمبر 2013 - 7:35 ص | آخر تحديث : السبت 9 نوفمبر 2013 - 7:35 ص

بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التخبط والفوضى والصعود والهبوط، تقترب مصر الآن إلى محاولة لتشكيل دولة على أسس صحيحة ومرضية لمعظم شعبها، فلقد كان لثورة 25 يناير 2011 الفضل الأعظم فى كشف الغطاء عن مدى محدودية الفقهاء الدستوريين والدينيين والسياسيين والخبراء الاستراتيجيين، فبعد سقوط مبارك مباشرة كان التخبط الأعظم فى التاريخ المصرى، فقيه دستورى يميل إلى الإخوان يضع خريطة طريق تسير بمصر إلى الخلف وتسقط بها فى هاوية من التخلف، يخرج أناس علينا وكأنهم قدموا من عصور غابرة يتحدثون عن الجنة والنار فى أمور لا علاقة لها إطلاقا بهذه الأمور، فكيف يكون صاحب الـ«نعم» فى استفتاء رغم كل خطايا ذلك الإنسان وآثامه وانحرافاته من أهل الجنة وصاحب الـ«لا» فى النار رغم كل تقواه وصلاحه إنها مسرحية كوميدية وممارسة الهزل فى موقع الجد.

 

هذه البداية الهزلية للبعض كانت مرعبة للبعض الآخر، مرعبة للمصريين بكل أطيافهم الذين كانوا يتطلعون إلى مصر جديدة محررة من عوامل التخلف الدينى والعلمى والثقافى مثل النموذج الذى ظهرت بوادره فى مظاهرات الـ18 يوما الاولى فى 25 يناير 2011، وقد ظن المصريون أن هؤلاء المتظاهرين هم الأغلبية من الشعب المصرى، لكنهم اكتشفوا أن الذين قاموا بالثورة وألقوا الأهازيج والأناشيد، الرجل بجوار المرأة دون تمييز والمسلم بجوار المسيحى، والغنى بجوار الفقير، والمثقف بجوار الجاهل هم أقلية الأقلية، وقد استطاعت الأغلبية التى تسير ووجهها إلى الخلف أن تكتسحهم بخريطة طريق تبدو متوازنة ديمقراطية لكن وضح أنها تريد القضاء على أى فكر مستنير وتجهض أى دولة مدنية ديمقراطية حديثة تحاول أن تولد فى مصر.

 

ولقد كان العامل الآخر القاتل لثورة 25 يناير ليس فقط هشاشة فكر النخبة القانونية والثقافية صاحبة خريطة الطريق لكن أيضا هشاشة الفكر السياسى للمجلس العسكرى الذى تسلم مصر من بين يدى مبارك، فهم وثقوا فى فقهاء قانون يبدو أنهم غير منحازين لكن ثبت العكس ووضح ضعف خبرة المجلس السياسية من أياد مرتعشة فى اتخاذ القرارات وخضوعهم لابتزاز التيار الدينى سواء عند تعيين محافظ قبطى لمحافظة قنا. فتراجعوا عن قرارهم ثم فى استعانتهم بقادة السلفيين لحل مشكلات احتلال الكنائس، وموقفهم من أحداث ماسبيرو، وبسبب هذا التخبط الشديد وصل تنظيم الإخوان إلى الحكم وكنا نظن أنهم قادرون على حكم البلاد، وكانت معظم تصريحاتهم توضح أنهم أكثر القوى تنظيما على الأرض وأكثرها قبولا للآخر واستيعابا للجماهير، وقدموا أنفسهم للشعب المصرى والعالم الخارجى على أنهم أصحاب الإسلام الوسطى بين الإسلام الرسمى المرتبط بالدولة والإسلام السياسى المتطرف، ولقد صدقنا جميعا هذا التوصيف الذى قدم به الإخوان أنفسهم للأمريكيين وللمصريين وللعالم، وقلنا لقد حصلنا أخيرا على دولة مدنية ديمقراطية حديثة بمجلس شعب منتخب وبدأ الشعب بمسيحيه ومسلميه وغيرهما يتفاءل بالمستقبل.

لكن بين ليلة وضحاها اكتشفنا أن رئيس مصر لا يعتبر نفسه رئيسا لكل المصريين، واكتشفنا أنه يريد أن يصبغ مصر بهوية مبتورة هى الهوية العربية الإسلامية والتى عمرها 1500 عام بينما عمر مصر سبعة آلاف عام متجاهلا الهوية المصرية الأصيلة التى احتوت على الفراعنة والأقباط واليهود المصريين فضلا عن العهد اليونانى الرومانى، ليس هذا فقط بل شعر المصريون والعالم الخارجى أن مصر تحكم من تنظيم دولى وليس من رئيس وبرلمان منتخب من الشعب المصرى، كل هذه التداعيات أوصلتنا إلى 30 يونيو ثم 3 يوليو وخريطة طريق جديدة، وكأننا نعيد نفس الفيلم القديم بنفس السيناريو لكن بممثلين مختلفين ومخرج مختلف، هناك وعود بدستور مختلف وحكومة مختلفة ودولة مدنية حديثة، وهى نفس المفردات التى قيلت من قبل لكن ما نراه الآن أن لجنة الخمسين تحاول جاهدة فى صنع دستور مختلف لكنهم أسقطوا تعبير «دولة مدنية» واكتفوا بـ«دولة ديمقراطية» ويحاولون إعادة المادة 219 بتفسيرات مختلفة إرضاء لبعض التيارات المتأسلمة وكأنها هى هوية الدولة وإلا فلا.

 

إن كنا نريد حقا دولة مدنية حديثة فليكن دستورنا مدنيا حديثا يحتوى على مبادئ عامة مجردة، لا يحتوى على تناقضات، مثل المساواة بين الجميع ثم يتحدث عن ما ينظمه القانون عن هذه المساواة فتصدر القوانين سواء للمرأة أو غير المسلمين مجحفة تتناقض مع المساواة، وأيضا لا يحتوى الدستور على مواد مفسرة فالدستور لا يفسر نفسه لكن القوانين هى التى تقوم بتفسيره على ألا يكون التفسير متناقضا مع بنوده وإذا جاء الدستور يمسك العصا من المنتصف ليرضى التقدم والرجعية، الحداثة والتخلف، المستقبل والماضى فى أن، فسوف يصيب البلاد بالشلل التام لأن كل فريق سوف يتمسك بما يؤيده من مواد الدستور، وهذا سيؤدى إلى انقسام الشعب.

نحن نحتاج إلى دستور يحسم اختيار المصريين الذى أعلنوه من حداثة وتقدم ومدنية وديمقراطية حقة، ثم نتطلع إلى انتخابات حرة نزيهة لمجلس الشعب ولرئاسة الجمهورية، ولابد أن يكون السير فى خريطة الطريق جادا وحقيقيا وواضحا على الأرض، والذى يظن أن الشعب المصرى قد أنُهك وأنه سوف يرضى بفتات من المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان لكى يقنع نفسه بأن ثورتيه قد نجحتا فهو واهم، فالشعب يترقب نتيجة كل خطوة، وأولها وأهمها الدستور، وإذا لم يحقق الدستور طموح المصريين سيفاجأ الجميع بخروج المارد من جديد، وساعتها لن ينفع الندم.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات