الواجبات هى الطريق إلى الحقوق - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الواجبات هى الطريق إلى الحقوق

نشر فى : الأربعاء 9 ديسمبر 2009 - 10:58 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 ديسمبر 2009 - 10:58 ص

 ظلت قضية حقوق الإنسان من الأمور التى تشغل المفكرين منذ القرون الوسطى التى شاع فيها القهر والاستبداد بل والاستعباد، إلى أن أثبتت الحربان العالميتان اللتان اقتربتا من إفناء البشرية ضرورة تقنين الضوابط التى تصون كرامة الإنسان وترفع عنه القهر والطغيان اللذين يعصفان بوجوده ويحرمانه من العيش فى أمن وسلام ومن تلبية طموحاته فى تحقيق الرفاهية فى عالم يسوده العدل والإنصاف.

وكان من أول الأمور التى عنيت بها هيئة الأمم المتحدة عند إنشائها فى 1945، إعداد قانون لحقوق الإنسان، وهى مهمة أشرفت عليها إليانور روزفلت (السيدة الأولى سابقا). واكتفت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الثالثة بإصدار «الإعلان العالمى لحقوق الإنسان» بقرارها (217 ألفا)، 10/12/1948. واستغرق الأمر عقدين لتقنين هذا الإعلان، فعقد فى 16/12/1966 عهدان دوليان، الأول يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.

دخلت حيز النفاذ فى 23/3/1976، والثانى يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ودخلت حيز النفاذ فى 3/1/1976. ويرجع التمييز بين الاتفاقيتين إلى أن الأولى تعتبر ذات طابع سلبى، أى أنها تقرر الأمور التى يجب الامتناع عن التعرض بها لحريات الإنسان، بينما الثانية ذات طابع إيجابى بمعنى أنها تتطلب أفعالا قد تقتضى تخصيص موارد لتحقيقها، ومن ثم فهى عرضة للتفاوت حسب المكان والزمان.

ويؤكد العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على حق جميع الشعوب فى تقرير مصيرها، وفى التصرف الحر فى ثرواتها ومواردها الطبيعية. كما ينص على تعهد الدول الأطراف فيه بكفالة تساوى الرجال والنساء فى التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها فيه، وتشمل: الحق فى الحياة (بما فيه تجنب عقوبة الإعدام) والحق فى حرية الفكر والوجدان والدين، واعتناق الآراء دون مضايقة، وحرية التعبير، وحرية الإنسان فى إظهار دينه أو معتقده فى حدود القيود التى يفرضها القانون لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

كما ينص على الحق فى التجمع السلمى، وحرية الفرد فى تكوين جمعيات مع آخرين، بما فى ذلك حق إنشاء النقابات، والمشاركة فى إدارة الشئون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارهم بحرية. وتعتبر الأسرة هى الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية فى المجتمع، ويترتب عليها حقوق للأولاد. ويشمل عهد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: الحق فى العمل والحق فى تشكيل النقابات والانضمام إليها والحق فى الإضراب فى نطاق قوانين الدولة المعنية، والحق فى الضمان الاجتماعى، وحق الأسرة وأفرادها فى أكبر قدر من الحماية والمساعدة.

والحق فى مستوى معيشى كاف، بما فى ذلك المأكل والمسكن، والحق فى الصحة البدنية والعقلية، وحق كل فرد فى الثقافة مع وجوب جعل التعليم الابتدائى إلزاميا ومتاحا بالمجان للجميع وتيسير التعليم التربوى والمهنى والفنى والتعليم العالى والتدرج فى إتاحتها بالمجان، وحق المشاركة فى الحياة الثقافية، والانتفاع بالتقدم العلمى وتطبيقاته.

وباستثناء الإشارة العامة إلى حقوق الشعوب فى تقرير مصيرها وحرية التصرف فى ثرواتها ومواردها الطبيعية فإن الحقوق السابقة انصبت أساسا على حقوق الأفراد إزاء حكوماتهم ومجتمعاتهم، وهو ما أدى إلى وضع شاذ، تنتزع فيه الدول التى تزعم أنها تحمل لواء الديمقراطية حق الثواب والعقاب لنفسها مقابل دول تضعها تحت وصايتها، وتقيم الدنيا وتقعدها إذا أسيئت معاملة شخص يعبر عن آراء توافق أهواءها، بينما تضطهد أفرادا من مواطنيها إذا مارسوا ما يمثل حقوقا وحريات مشروعة وفقا للمواثيق السابقة.

وبالنسبة لدول شاءت الظروف أن تحسب فى عداد الدول الساعية للنمو، فإن توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تعتبر شرطا لازما لسلامة البيئة التى تصح فيها الأوضاع السياسية والمدنية، يتطلب توفير الإمكانات التى تتيح لها الحصول على حقها (المهضوم) فى التنمية وما يعنيه من حرية اختيار النظام الاقتصادى / الاجتماعى الذى يعينها على مهام التنمية وعلى مقومات الإسراع بمعدلات نموها. ومع ذلك لم يحظ الحق فى التنمية بالاهتمام إلا بعد أن تفاقمت مشاكل العالم الثالث خلال ثمانينيات القرن الماضى.

وأوقعته المديونية فريسة لتسلط الدول المقرضة والمؤسسات المالية الدولية. واكتُفى فى هذا الشأن بإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة «إعلان الحق فى التنمية» بقرارها رقم 128 فى ديسمبر 1986، باعتباره الحق الوحيد الذى يكفل التحقيق الحر والكامل لذات الإنسان، وبالتالى على كل الناس بذل الجهود لتشجيع وحماية نظام سياسى واجتماعى واقتصادى مناسب للتنمية.

ورغم أن الإعلان نص على أن تتعاون الدول معا فى ضمان التنمية وإزالة العقبات أمامها، فإن الأمر تحول إلى فرض برامج باسم الإصلاح الاقتصادى، ثبت أنها عمقت التبعية الاقتصادية والثقافية للرأسماليات الكبرى وألحقت أضرارا اجتماعية بدلا من توثيق عرى النسيج الاجتماعى ليوفر القاعدة التى تبنى عليها ديمقراطيات سليمة قادرة على تلبية جميع الحقوق الإنسانية.

ورغم الاهتمام المبكر بحقوق المرأة وإزالة كل أنواع التمييز ضدها وتحسين أوضاعها، فلم تجر محاولة جادة للتعرف على دورها فى التنمية إلا ابتداء من 1981. على أن النظرة السائدة ظلت هى معالجة قضية التنمية بمجملها، ثم البحث عن دور للمرأة فيها، خاصة فى ظل التعنت الذى واجهته فى كثير من المجتمعات فحرمها من الكثير من حقوقها للمشاركة فى الحياة العامة. وما جرى من تطورات اتخذ شكل ادعاء العمل على تحقيق «المساواة» مع الرجل، وهو ما يعنى ضمنا أن الأصل فى الحقوق مكفول للرجل، وما يجب القيام به هو التفضل على المرأة بجانب منها.

إن الجدل الدائر حول الحقوق يستهلك وقتا كان يجب استغلاله فى تحديد الواجبات، لكى تكتمل الصورة. فعندما نترجم حقوق الفرد إلى واجبات تلقى على المجتمع والدولة، يوضع الأخيران موضع الاتهام إذا ظهر قصور فى توفير الحقوق، الأمر الذى يجعل أطرافا تزعم لنفسها حق مراعاة الحقوق تدين أوجه الخلل فى سلوكيات من كان عليهم واجب تحقيقها. إن الحقوق والواجبات لا تظهر إلا فى إطار تجمع إنسانى، ومن ثم فإن النظرة يجب أن تشمل كلا من الفرد والمجتمع معا، باعتبارهما المقصودين بلفظ «إنسان».

فكما أن على المجتمع واجبات إزاء أفراده، فإن على الأفراد واجبات إزاء مجتمعهم، وعلى الاثنين معا أن يخضعا لمنظومة قيم رفيعة تتطلب النهوض بالمقومات الثقافية التى تعتبر البنية التحتية لكل أفعال البشر. فإذا كان للفرد حرية التعبير عن رأيه، فعليه واجب ألا يخدش هذا الرأى حياء المجتمع وألا يضر بمصالحه، لأن التعبير يعنى وجود قائل ومستمع.

وقد شهدت الأحداث الأخيرة، كيف أضر ادعاء بعض الأفراد حقهم فى حرية الرأى بحق المجتمع المصرى فى المحافظة على صورته الكريمة التى هو أهل لها. بالمثل فإن النظر إلى واجبات المرأة فى الإسهام فى تنمية مقدرات وطنها هو الذى يوجب تمكينها من أدائها، وعندئذ تصبح الحقوق فرضا لازما من أجل المجتمع بأسره.

وليس منحة يتفضل بها الذكور. وحينما تناقش الأمور على أنها حقوق متبادلة وواجبات متبادلة، تتضح أمامنا معالم خريطة اجتماعية سوية بدونها يتعذر تحقيق النهضة المفضية إلى حضارة جديرة بمقارعة حضارات مزعومة، تستبيح كيان الوحدة التى أقرت المواثيق بأنها أساس المجتمع، وهى الأسرة، لتجعلها تتكون من مثلين بدعوى حرية الإنسان.
وزير التخطيط الأسبق


محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات