فتح المجال العام.. وأهمية الحوار - جورج إسحق - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فتح المجال العام.. وأهمية الحوار

نشر فى : الجمعة 9 ديسمبر 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 9 ديسمبر 2016 - 10:20 م
يجب أن نعترف جميعا كمصريين أن من يخطئ منا يجب أن يواجه بخطئه وليس من الفروسية فى شىء أن ندافع عن أشخاص بأعينهم فى الحق والباطل وأن نفرض سياسة التطبيل فى كل الأحوال على حد سواء.

وأخطر ما يجب أن نتوقف عنده فى تلك المرحلة هو عودة سطوة الجهات الأمنية بفجاجة شديدة على المجال العام فى مصر وتجاهل النظام الحالى أسباب قيام ثورة يناير والتى تمركزت حول تجاوزات وقمع السلطات الأمنية آنذاك.

لذلك لابد أن يكون واضحا للجميع أن غلق المجال العام والقيود على حريات الرأى والتعبير والأحداث التى شهدتها البلاد فى السنوات الأخيرة لن ولم تؤدى مطلقا إلى نتائج ايجابية بل على العكس تماما وهذا ما نحاول أن نحذر منه قبل فوات الأوان.

فعلى سبيل المثال لا الحصر ما حدث أخيرا فى إصدار قانون الجمعيات الأهلية إنما يعد بمثابة خلل مجتمعى فادح. فحيث أن الجميع يتحدث ويناقش قانون الجمعيات الصادر من وزارة التضامن المتمثلة فى السلطة التنفيذية، وتقام هنا وهناك الحوارات حول هذا القانون وتقوم الجمعيات والشخصيات الحقوقية بإعداد الملاحظات والتعديلات اللازمة حول القانون بعينه، فإذ فجأة نجد أن القانون الذى يناقش ويصوت عليه فى مجلس الشعب «السلطة التشريعية» هو قانون مختلف كليا.
ذلك أنه قانون معد من قبل نائب يدعى «القصبى» فسمى إعلاميا بـ«قانون القصبى» وذلك تقريبا لأنه الوحيد الذى يعرف ماهية هذا القانون السافر. للدرجة التى لم يكن لدى النواب أنفسهم صورة من هذا القانون الذى خلق شيطانيا بل كان بعضهم يظن أنهم يناقشون قانون الحكومة. وفى هذا الإطار فمن يدعى أنه حدث حول هذا القانون حوار مجتمعى، فهذا غير صحيح مطلقا لأن الاجتماع الذى دعا إليه البرلمان لم يكن لدى أحد من الحاضرين فيه نسخة من هذا القانون !! فأين هو هذا الحوار المجتمعى الذى تدعون !!

***

إن هذا القانون هو قانون معد فقط من أجل غلق العمل الأهلى فى مصر. ويؤصل بشكل قانون فج فرض سطوة الأجهزة الأمنية المصرية على العمل الأهلى. واستبدال ما طلبنا به وهو وجود فقط رقابة على أنشطة المنظمات الأهلية التى تقام بتعاون مع منظمات أجنبية. وقد اقترح المجلس القومى لحقوق الإنسان فى هذا الصدد أن تكون هناك لجنة للرقابة مكونة من وزارة الخارجية ووزارة التعاون الدولى ووزارة التضامن وأحد ممثلى الجمعيات الأهلية.

وهذا ما اضطر عدد من المنظمات الأهلية أن يلجأوا إلى حل لا أظن أنه ديمقراطى بأى حال من الأحوال ولكنه يرسخ لحكم الشخص والصوت الواحد وذلك لانسداد كل الطرق الديمقراطية المتاحة لديهم. فقد لجأوا وبكل أسف بعد ثورتين شهدتهما البلاد إلى مناشدة رئيس الجمهورية لعدم التصديق على قانون تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية المرفوع إليه من البرلمان لما يتضمنه من مخالفات لجوهر الدستور المصرى. والتزامات مصر الدولية بموجب تصديقها على اتفاقيات حقوق الإنسان وتعهداتها أمام آلية الاستعراض الدورى الشامل.

والذى زاد الطين بلة أخيرا هو ظهور قانون جديد للمجلس القومى لحقوق الإنسان بالتعديلات الجديدة التى تتنافى تماما مع المعايير الدولية.. فهل تريدون نفينا تماما عن المجتمع الدولى! ونحن فى الأساس طرفا أصيلا فى هذا المجتمع ووقعنا دوليا على معاهدات حقوق الإنسان.

***

لم تقف الانتهاكات عند هذا الحد فهناك تعمد لنزع السياسة عن الحياة المصرية وهذا ينذر بخطر شديد. فتعمد إصدار تصريحات وبيانات غير مسئولة ممن نظنهم مسئولين عن قضايا تمس لقمة عيش المواطن العادى يؤدى إلى إلحاق ضرر بالغ على المواطن المصرى مباشرة. وهنا يجب أن نفكر فى دور المجتمع المصرى بأن تدعم الدولة الأحزاب السياسية الحقيقة، لا أن تتعمد وتتورط فى تهميش دورها، بل وعلى الدولة أيضا الاستماع إلى كل رأى مخالف لأن مصر الآن فى أزمة حوار بالغة ويجب ألا يكتفى الحوار مع فئة عمرية معينة ــ مع تقديرنا الكامل للجيل الأصغر، فلابد من الانفتاح على كل القوى.
وفى نفس الوقت نحن لا نعرف من الذى يعمل عن عمد فى زيادة الاحتقان فى الشارع المصرى.. هل هى الأجهزة الأمنية أم من هم حول الرئيس؟ لأن هذا المناخ أصاب معظم المصريين بالإحباط الشديد وحالة اكتئاب غير مسبوقة.

أخيرا يجب أن نسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وإصدار قانون العدالة الانتقالية وترسيخ مبدأ التسامح وغلق باب البذاءات فى قنوات الضلال المعروفة «بالإعلامية» والالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى والتركيز من خلال مؤسسات الدولة والإعلام والمجتمع المدنى على مواطن الوحدة والأرضية المشتركة فى صناعة مستقبل أفضل. كما يجب وضع سياسة واضحة ومحددة لمحاربة الفساد وتقصى الحقائق، وقانون التحرى على ثروات المسئولين ومصادرة المخالف منها. يجب إيقاف العنف بأى وسيلة والنظر بعين الإنصاف والموضوعية للزيادة الحادة فى معدلات الفقر وإعادة تعريف وإصلاح مفهوم العدالة الاجتماعية نظريا وعمليا. وأن ندرك حقيقة أن لا اقتصاد بدون سياسة ولا سياسة بدون اقتصاد.

 

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات