عودة لمشكلة الإخراج - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عودة لمشكلة الإخراج

نشر فى : الجمعة 10 مارس 2017 - 11:25 م | آخر تحديث : الجمعة 10 مارس 2017 - 11:25 م
الغلط يورطنا فى مزيد من الغلط. فقد اختير ضابط الشرطة السابق الذى وصف بأنه خبير فى التعذيب رئيسا للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب. وهو أمر افتقد إلى الملاءمة وحسن الإخراج. وبدلا من أن نستر المسألة وندارى على الخبر، فإن الرجل بصفته تلك ألقى كلمة مصر فى اجتماع لمكافحة الإرهاب والجريمة عقدته الأمم المتحدة فى فيينا. وكان ظهوره فى محفل دولى هو الغلط المضاعف. إذ لم تكن هناك مشكلة فى الخطبة العصماء التى ألقاها (التى تمنيت أن يراجعها أحد الدبلوماسيين لكى تكون أكثر رصانة واحتشاما) لأن وجوده هو ما كان ملفتا للأنظار ومثيرا للدهشة.
ذلك أن الذين أوفدوه تصوروا أن المشاركين فى المؤتمر لا يعرفون شيئا عن الذى يجرى فى مصر، ونسوا أن دولهم لها سفارات فى القاهرة تتابع كل صغيرة وكبيرة بأعين مفتوحة وآذان شديدة الحساسية وسريعة الالتقاط لما يثار فيها من لغط. بالتالى فإن سجل الرجل على الفيسبوك والوقائع التى حفل بها خاصة ممارساته فى قسم شرطة الهرم سواء تعلقت بالتعذيب أو بأشياء أخرى أو ممارساته حين كان مرشحا عن الحزب الوطنى. ذلك كله فى متناول الجميع. لذلك لم أستغرب ما قاله أحد الدبلوماسيين الغربيين عن أن أكثر ما أثار الانتباه فى اجتماع فيينا وجود الرجل وليس كلامه. وكانت رمزية ذلك الوجود هى موضوع الهمس واللغط بين المشاركين.

ويبدو أنه تقليد فى خطاب السلطة المصرية، تفترض بمقتضاه أن المتلقى الأجنبى لا يعرف شيئا عن مصر، ناسية أن السفارات فى عاصمة مهمة كالقاهرة ترصد وتتابع بدقة ما يجرى فيها وتنقل كل ذلك إلى دولها، بل إنها كثيرا ما لا تخفى شيئا عن الصحفيين من مواطنيها الذين يجيئون لمتابعة ما يجرى فى «أم الدنيا». وأزعم أننى لست وحدى الذى يستقبل بعض أولئك الصحفيين ويكتشف أثناء اللقاء أن لديهم كما كبيرا من المعلومات التى استقوها من سفاراتهم بمجرد وصولهم. وليست تلك ملاحظتى الوحيدة، لأن لدى ملاحظة أخرى على الطريقة التى يخاطب بها بعض المسئولين الرأى العام فى الخارج. ذلك أننى وجدت أن بعض التصريحات التى تنقل إلى الخارج يراد بها فى حقيقة الأمر مخاطبة الداخل. ومن أولئك المسئولين من يبالغ فى الحديث عن التطلعات والإنجازات الحاصلة فى مصر. لا لكى يقنع الرأى العام هناك ولكن لكى تحتل تلك المبالغات مكانها فى عناوين الصحف المحلية، لطمأنة أولى الأمر فى القاهرة إلى أنهم عند حسن الظن ولم يقصروا فى القيام بالواجب فى الدفاع عن النظام وقياداته.

خذ مثلا رد وزارة الخارجية فى مصر على تقرير الخارجية الأمريكية الأخير الذى أخذ على النظام المصرى إفراطه فى استخدام القوة وقصور الإجراءات القانونية مع استمرار قمع الحريات العامة. فى ذلك الرد انتقد المتحدث باسم الخارجية المصرية التقرير الأمريكى وذكر أن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر ترتبط بالتزامات دستورية واضحة، وتتم مراقبتها من جانب المؤسسات الوطنية المستقلة مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان فضلا عن مجلس النواب الذى يراقب أداء السلطة التنفيذية فى مختلف المجالات. إلى غير ذلك من الكلام الذى يصلح لعناوين الصحف المحلية، لكنه لا ينطلى على أحد من المشتغلين بحقوق الإنسان فى داخل مصر وخارجها، ليس فقط لأن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة فى مصر ترسم صورة مناقضة تماما لما ادعاه المتحدث باسم الخارجية، ولكن أيضا لأن كل من يهمه الأمر يعرف جيدا أن أهم المنظمات الحقوقية المستقلة المصرية محالة للتحقيق ومسئولوها ممنوعون من السفر وأموالهم مصادرة ومقراتهم تعرضت للمداهمة والإغلاق.

لقد نشرت صحف الأسبوع الماضى التصريحات الرسمية الأمريكية التى تحدثت عن أن مصر تعاقدت مع شركتين للعلاقات العامة فى واشنطن لتحسين صورتها مقابل مليون و٨٠٠ ألف دولار. وذلك عمل مشروع هناك، لكن الذين أقدموا على تلك الخطوة لم ينتبهوا إلى أن جدية الإصلاح الداخلى هى أفضل ما يحسن الصورة فى الخارج.

 

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.