اتفاق إيران والدول الست فرصة العرب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اتفاق إيران والدول الست فرصة العرب

نشر فى : الجمعة 10 أبريل 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 أبريل 2015 - 9:25 ص

تتهم دوائر متعددة داخل واشنطن الدول العربية بعدم النضج السياسى نتيجة رد فعلها المضطرب، وبسبب احجام القادة العرب عن البحث عن أى فرصة يمكن اغتنامها من الاتفاق النووى مع إيران. ومع توقع تحول الاتفاق المبدئى لاتفاق نهائى خلال ثلاثة أشهر، ينبغى على قادة العرب البحث بأنفسهم عن طريقة يمكن من خلالها الاستفادة من واقع جديد بدل من صب غضبهم على واشنطن وغيرها. كيف يمكن الاستفادة من عودة إيران للجماعة الدولية وخروجها من قفص الحصار، خاصة بعدما أثبتت خبرة الأعوام الماضية فشل منهج العقوبات.

•••

صدرت بيانات رسمية من الرياض والقاهرة وعدد من العواصم الخليجية ترحب بحذر بالاتفاق. ويخفى الترحيب الرسمى الحذر حقيقة وجود قلق متزايد معلن يتخطى مخاطر حصول إيران على سلاح نووى. وتعد تطورات الأوضاع الجيو ــ استراتيجية فى الشرق العربى ردة للدول العربية ولمصالحها الحيوية. ويؤمن العرب أن إيران هى اللاعب الأهم والقوة المهيمنة لكل ما جرى ويجرى فى سوريا واليمن، ويؤمنون أيضا أن إيران تدير المشهد السياسى فى العراق عن طريق تعاون مشبوه يجمعها بواشنطن، ولا يختلف الحال كثيرا فيما يتعلق بلبنان عن طريق الرعاية الإيرانية لحزب الله. وتعتقد القيادة السعودية أن الاتفاق النووى سيؤدى لزيادة القوة الإيرانية بما يهددها، وتستشهد على ذلك بدعم إيران للحوثيين فى اليمن رغم إدراكها الكامل أن هذا يمثل تهديدا مباشرا للدولة السعودية. كذلك تتخوف عواصم عربية من احتمال مطالبة مواطنيها الشيعة بالمزيد من الحقوق السياسية عقب توقيع الاتفاق النووى.

•••

تتناسى الدول العربية أن فرض العقوبات على دولة ما هو الاستثناء وليس القاعدة فى علاقات الدول. وبعد نجاح الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 ناصبها العرب وواشنطن العداء. ثم تحولت إيران لنمط مزعج مع سعيها لنشر الثورة خارج حدودها، ثم تورطت طهران فى حرب سنوات طويلة مع العراق راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وخسرها الطرفان. ومع تعقد مشهد العلاقات الايرانية الغربية ووصولها لفرض عقوبات غير مسبوقة فى التاريخ، وهو ما نال مباركة رسمية عربية، لجأت إيران للعب دور المخرب Spoiler فى قضايا المنطقة، وبررت ذلك بأنه رد مناسب على محاولات الغرب والعرب خنق النظام الإيرانى. ويرى البعض أن هذا السلوك يمكن تفهمه مع انعدام توافر بدائل أخرى حيث لم يكن لدى طهران ما يمكن أن تكسبه فى أى قضية Iran had no stake. من هنا تدرك واشنطن وعواصم أخرى ضرورة منح إيران وضعا طبيعيا كى تتوقف عن لعب هذا الدور المشبوه وأن يصبح لها مصالح مشروعة كغيرها من الدول، وعليه تصبح جزء من الحل فى قضايا المنطقة بدلا من لعبها دورا هداما فى العديد منها.

ومن جانبه يعتقد الرئيس أوباما أن انفتاح بلاده على إيران هو جزء من جهد أوسع لإرساء الاستقرار فى المنطقة، ويرى فى التراجع الإيرانى عن امتلاك سلاحا نوويا ما يعد مكسبا لحلفاء واشنطن من العرب.

•••

مخاوف بعض قادة العرب من إمكانية إقدام واشنطن على بيع مصالحها الإقليمية فى الخليج من أجل «صفقة كبرى» مع إيران هى مخاوف لا مبرر لها. تقوم سياسة واشنطن فى الخليج أساسا على منع أى قوة أخرى غيرها من الهيمنة، وهو ما يلقى قبولا من الحكام العرب، ولا تبدو واشنطن مستعدة لفتح المجال أمام نفوذ إضافى لإيران. كما يضع الموقف الإسرائيلى المعادى للاتفاق حدودا على مستوى ونوع التطبيع الأمريكى المتوقع مع إيران. من هنا ليس بمفاجأة ما ذكره الرئيس الأمريكى فى حواره مع الراديو القومى الأمريكى عقب توقيع الاتفاق من التزام بلاده بالعمل مع شركائها فى الشرق الأوسط للتصدى لأنشطة إيران «المزعزعة للاستقرار فى المنطقة». من هنا يمكن تفهم دعوة أوباما لقادة دول الخليج الست إلى الاجتماع به فى منتج كامب ديفيد خلال أسابيع قادمة. ويمنح ذلك كله العرب فرصة للتفكير الايجابى فى الاتفاق الايرانى.

•••

يتم وبخطى متسارعة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ويبدو أن العرب مفعوا به تماما كما كانوا فى الحالة الأولى عندما قامت قوى أوروبية بتقسيم المنطقة طبقا لمناطق نفوذها قبل مائة عام. واليوم تقوم القوى الخارجية بدور مدمر مستغلة حالة السيولة التى تشهدها المنطقة العربية. وتساهم الشعوب العربية فى تشكيل خريطة المستقبل فقط بدماء الآلاف من أبنائها. وسيؤدى استخدام البعض لنعرات طائفية ودينية ومذهبية ضيقة تعود بنا للقرون الوسطى لتبديد أى آمال فى لعب العرب دورا فى تشكيل مستقبلهم.

خريطة الشرق الأوسط الجديد التى يتم رسمها الآن تعتمد على وجود شروخ هيكلية فى علاقات الدول الإقليمية الكبرى مثل السعودية وتركيا وإيران ومصر. وعلى قادة العرب الاستفادة من نموذج زيارة الرئيس التركى رجب أردوجان لطهران منذ أيام، وهو الذى تجمعه بطهران خلافات هيكلية سياسية. وجاءت الزيارة بعد توبيخ علنى من الرئيس التركى لما وصفه بسعى «إيران للهيمنة على اليمن، وأن إيران تبذل جهودا للهيمنة على المنطقة، وتحركاتها فى المنطقة تتجاوز حدود الصبر». إلا أن جلوس قادة الدولتين يمثل تغليب لاتجاه خدمة المصالح المشتركة كأس لعلاقات الدولتين.

•••

سيؤدى الاتفاق النووى مع إيران إلى ارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربى رغم التراجع الحاد لأسعار النفط. إلا أن تعقيدات وخطورة خرائط الصراع فى المنطقة تستدعى أكثر من شراء المزيد من الأسلحة، فهى تتطلب تفكيرا مبتكرا من «خارج صندوق البيروقراطيات السياسية والطائفية». تستدعى تفكيرا يلزمنا نحن العرب مع جيراننا من الاتراك والإيرانيين والأكراد بالجلوس على مائدة تفاوض تتسع الجميع للبحث فى مستقبل أوطان لن تختفى شعوبها، وذلك عوضا عن تكليف الآخرين برسم خرائط المستقبل كما رسموا خرائط الماضى بدماء أبناء شعوب المنطقة.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات