خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - و: فنون مطلوبة - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - و: فنون مطلوبة

نشر فى : الجمعة 10 أبريل 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 أبريل 2015 - 9:30 ص

ــ1ــ
حينما قامت ثورة يوليو 1952 وجدت الأرض المصرية كلها ممهدة للتفاعل معها كيفما أرادت، فقد استطاعت الإطاحة بالنظام الملكى، وكذلك ألغت الأحزاب السياسية، وحرمت ساحة العمل الأهلى من مصادر قوته، واستدعت الغوغائية إلى صدارة المشهد من خلال تنظيمها السياسى الواحد (هيئة التحرير ــ الاتحاد القومي ــ الاتحاد الاشتراكى)، وقد بلغت سطوة السلطة أنها إذا لم تجد من تعاديه وتصارعه استخرجت بعض رجال مجلسها وجعلته عدوا، وفرضت عليه الصمت والنسيان أو الهجرة خارج الحدود، فإذا حاول غير ذلك، فالهجرة الأبدية خارج الدنيا وما فيها.

ورغم إصابات الحكم الملكى للأزهر فى أكثر من مقتل، فإن الأزهر بقى قادرا على رؤية الحق ثم على إعلانه والتمسك به. وتجلت هذه القدرة فى رفض الأزهر للطريقة التى صدر بها قانون الإصلاح الزراعى رفضا انتهى بإقالة شيخ الأزهر ــعبدالمجيد سليمــ وخلو المنصب حتى استطاع ضباط الثورة ــ بطرق ملتوية ــ إقناع الشيخ محمد الخضر حسين بتولى المشيخة، وذلك بعد صدور قانون الإصلاح الزراعى بصورته المشوهة. ثم تجلى ثبات الأزهر ثانية فى استقالة الشيخ الخضر حسين اعتراضا مباشرا منه على إلغاء القضاء الشرعى فى مصر ــدون أدنى مبررــ وعندئذ أدركت السلطة أن سقف طموحاتها فى السيطرة على البلاد أصبح محدودا بقدرة الأزهر على إحسان الفهم وإحسان البلاغ والتمسك به، فبدأ الترتيب لإخراج الأزهر من ساحة التأثير، ورأت السلطة أنها لا تستطيع تحجيم الأزهر ولا الضغط عليه بأكثر مما كان.

ــ2ــ

فاستمر التفكير قرابة خمس سنوات حتى انتهى دهاة الاشتراكيين إلى استمالة من سموهم بالمستنيرين، فاستطاعت السلطة أن تلبس عباءة الوطنية وأن تلبس الأزهر عباءة العلم مزركشة بمظاهر التطور والتوسع، كما تجلى ذلك فى القانون103 لسنة 1961 ذلك القانون الذى أضاف كليات الطب والهندسة والتجارة والصيادلة والزراعة إلخ. تلك الكليات التى يتعدد أمام خريجيها فرص العمل الحكومى/ الداخلى/ الخارجى، وكان طبيعيا أن يكون الالتحاق بتلك الكليات لذوى المجاميع العالية، وذلك يعنى أنهم تركوا الأضعف إلى الكليات الدعوية (الشريعةأصول الدين/ اللغة العربية إلخ) إلا من رحم ربك –وقليل ما همــ واختار لنفسه التخصصات الدعوية، التى سقطت من حسابات الحكومة تسعيرا وترقية ومساواة. والأزهر كمؤسسة دعوية مكلفة بحمل أعباء الدعوة فى مصر والعالم كله لم تكن بأدنى حاجة إلى كليات الطب والصيدلة إلخ، وهل أدت تلك الكليات أدنى فائدة وطنية أو عالمية فى مجال الدعوة؟!

ــ3ــ

لقد كان الأزهر وما زال بحاجة ماسة إلى تخصصات أخرى عديدة علمية وفنية. فمؤسسة الدعوة فى مسيس الحاجة إلى أكاديمية لدراسة فنون الإعلام، والإنتاج، والتصوير، والصوت، والضوء، والإعداد، والإخراج للسينما أو التليفزيون أو الفضائيات، فكل تلك الفنون تضيف إلى الدعاة قدرات ومهارات تمكنهم من إحسان وإتقان الخطاب الدينى.

فما زال الأزهر ــ لشديد الأسف ــ لا علاقة لطلابه ولا لشيوخه المسئولين عن حمل الدعوة بفنون الإعلام والسينما والمسرح والتليفزيون والفضائيات، بل ما زال دعاة الأزهر وعلماؤه يرغمون على الالتزام بتعليمات المخرجين، والمنتجين والمذيعين، بل تمكن هؤلاء الإعلاميون من تصنيع دعاة جدد وفرضهم على الساحة، والأزهر لا حول له ولا طول.

ما زالت الفنون الجميلة من رسم وخط ونحت وجرافيك وعمارة وديكور لا تجد مكانها فى مقررات ومؤهلات دعاة الأزهر، رغم ضرورة تلك الفنون وأهميتها للإعلام والبلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

وما زالت الفنون التعبيرية (التمثيل السينمائى/ المسرحى/ التليفزيونى/ والإخراج ) وأدواتها من تصوير/إضاءة/صوت لا مساحة لها فى مهارات الدعاة. ورغم أن الجامعة الأزهرية استحدثت كلية أو معهدا للفنون، فإن مقرراتها لم تضف إلى مناهج الدعاة.

وختاما، فها هى البشرية قد وصلت إلى زمن السماوات المفتوحة والحدود الجغرافية المتواصلة، حتى أصبح العالم كله كقرية صغيرة يتواصل جميع سكانها طوال النهار والليل. وقد استثمر الإعلام كل ذلك، فدخل جميع البيوت دخولاً كريماً مرحباً به ومنتظراً على لهفة وشوق فيما عدا الخطاب الدينى، فهو لا يزال ــ كما يرى الجميع ــ يفتقد مقومات الحيوية ومهارات التأثير وآداب توجيه النظر دون ضغط أو إكراه ودون تضليل أو تلبيس ودون قصور أو عجز.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات