من أطفيح إلى إمبابة.. القانون هو الحل - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أطفيح إلى إمبابة.. القانون هو الحل

نشر فى : الثلاثاء 10 مايو 2011 - 8:26 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 مايو 2011 - 8:26 ص

 أكتب هذا المقال وتفاصيل أحداث إمبابة لم تتحدد بعد. عدد القتلى تجاوز العشرة والجرحى المائتين والخمسين، وعدد المقبوض عليهم المائة والتسعين. ولكن المسئولين الحقيقيين عما حدث غير معروفين وقد لا نعرفهم أبدا كما هو الحال فى معظم الأحداث الطائفية. ما نراه على شاشة التلفزيون ونقرؤه يعبر عن أن الوطن يتعرض لمأساة وجريمة جماعية.

الجريمة ليست فقط ما جرى فى إمبابة ولا فى أطفيح من قبلها، وإنما الجريمة هى التحريض المستمر، والسكوت على التجاوزات، والاستهتار بعلامات التوتر المتزايدة، والتحجج بمؤامرات خارجية، والتغاضى عن تطبيق العدالة، والتستر على الحقائق، والتلاعب بمشاعر الناس فيما لا يحتمل المزيد من التأجيج، والاكتفاء بالتصريحات الإعلامية عن الوحدة الوطنية التى لا تحقق شيئا سوى تأجيل النظر فى الموضوع. هناك حقائق يجب التعامل معها بواقعية وأمانة إذا كانت مصلحة الوطن واستقراره وأمان مواطنيه هى المصالح التى نبتغى تحقيقها.

الحقيقة الأولى هى أن حماية الكنائس فى مصر على المدى الأطول لن تتحقق باستمرار وقوف الجيش أو حتى الشرطة أمام كل كنيسة، فهذا غير ممكن. الحماية الوحيدة لكنائس مصر هى حماية الجماهير لها، ليس عن طريق الوقوف أمامها وتكوين لجان شعبية، وإنما الحماية التى تأتى من الاقتناع الحقيقى بالوحدة الوطنية والمواطنة والمساواة وحرية العقيدة.

قوات الشرطة التى كانت واقفة أمام كنيسة القديسين فى الإسكندرية ليلة رأس السنة لم تحم الكنيسة من اعتداء لا يزال الغموض يكتنفه. ولكن على الجانب المقابل، وخلال الأسابيع الأولى للثورة لم تشهد مصر كلها حادثا طائفيا واحدا رغم أن الكنائس لم يكن على بابها لا خفير ولا شرطى ولا حتى صبى مسلح بعصاية. لماذا؟ لأن ما حمى الكنائس والمساجد كان وقوف الشعب صفا واحدا من أجل تحقيق الحرية السياسية، وكان طبيعيا فى هذه الظروف أن يسود شعور بالتوحد ونبذ الفرقة وألا تمس كنيسة واحدة. هذا ليس للتقليل من شأن أهمية إعادة بناء الثقة مع الشرطة وتوفير ظروف عودتها للسيطرة على الأمن، ولا من دور القوات المسلحة فى التدخل لوقف الأحداث الطائفية، ولكن الحماية الوحيدة على المدى الطويل هى عودة الوعى للجماهير بقيمة الوحدة الوطنية.

الحقيقة الثانية أن الثورة حينما قامت ومعها كل فئات وطوائف الشعب فإنها لم تفرق بين مسلم ومسيحى. وكانت المشاركة المسيحية منذ اللحظات الأولى من الثورة ظاهرة ومؤثرة. ووقف شباب الإخوان يحرسون ويديرون الدخول والخروج للتحرير ولسائر ميادين الثورة، وهم يرحبون بالأقباط المشاركين ترحيب الإخوة الذين اجتمع شملهم بعد سنوات من التفرق. وحرصت كل القوى الوطنية على إبراز مشاركة عنصرى الأمة فى كل مناسبة وعلى كل منصة. ولكن ما إن حققت الثورة مكاسبها السياسية الأولى والكبرى حتى تفرقت القوى الوطنية وانفضت من حول قضية الوحدة الوطنية التى كانت تجمعها. أحداث اطفيح كانت فى تقديرى الرسالة الأولى التى تلقاها الأقباط بأن القوى الوطنية التى كانوا جزءا منها فى الميدان لم تعد مكترثة بقضية الوحدة الوطنية.

رد الفعل كان بطيئا وكان واهيا، وجمعة الوحدة الوطنية كانت بالمقارنة بالمليونيات الأخرى الأكثر فتورا والأقل تنظيما. ولم يرفع رموز الثورة أصواتهم بالقوة المطلوبة لمساندة الوحدة الوطنية ولإرساء موقف مبدئى من هذا الموضوع إلا بعد أن وقف متظاهرو الأقباط أياما بمفردهم أمام ماسبيرو. كان يجب منذ اللحظة الأولى أن يقف رموز الثورة وقيادات الشباب ورؤساء الأحزاب وغيرهم وقفة واحدة وحاسمة لرفض أى شكل من التفرقة ومن الاعتداء على الأقباط أو تهديد لأمنهم. الدبلوماسية الشعبية التى كانت مؤثرة فى إحداث تغيير فى مواقف دول بأكملها وفى قضايا شديدة الخطورة استمدت قوتها من أنها ضمت رموز الثورة الذين وثق فيهم الناس ووقفوا وراءهم فى لحظة المواجهة. وقضية الوحدة الوطنية لا تقل أهمية عن سد أثيوبيا وكانت تتطلب هذا النوع من الموقف الواحد والقاطع من جميع القوى السياسية. أما التخاذل فى مسألة الوحدة الوطنية ورفع الصليب مع الهلال فى الاحتفالات الإعلامية فقط وفى أعقاب كل مأساة مثل تلك التى تتكرر فى إمبابة فليس كافيا.

الحقيقة الثالثة أننا لسنا بحاجة إلى المزيد من التجاهل لوجود مشكلة حقيقية فى المجتمع. فلا يكفى أن نؤكد أن مصر بخير ولكن سبب الفتنة هذه المرة علاقة بين اثنين، أو اختفاء فتاة، أو ثأر قديم، أو خلاف على أرض، أو غير ذلك. هذه ليست أسباب الفتنة وإنما مظاهرها والفتيل الذى يشعل النار ليس هو السبب وإنما الأداة النهائية. الفتنة تشتعل كل مرة لأن هناك شرخا عميقا فى المجتمع نرفض الاعتراف به والتعامل معه فنبحث عن الفتاة والعلاقة غير المشروعة والخلاف على الأرض وكأنها أسباب الفتنة لا مظاهرها. لنبدأ هذه المرة ليس بالإصرار على عدم وجود فتنة بل بالاعتراف بها وبالتعامل معها عن طريق طرح القضايا الرئيسية التى تسببها فى حوار صادق وأمين بين جميع الأطراف. لنتحدث بصراحة عن حق المواطنة وهل هو مطلق أم مقيد، وعن بناء دور العبادة، وعن التفرقة فى العمل، وعن شغل المناصب العامة، وعن قوانين الأسرة، ولتكن المصارحة حول هذه القضايا بداية الحل لأن الإصرار على عدم وجود مشكلة هو أصل الأزمة وسبب استمرارها.

أما الحقيقة الرابعة فهى أن هناك ارتباطا وثيقا بين قضية الوحدة الوطنية والشعور العام فى المجتمع بالعدالة وحكم القانون. المناخ العام الذى ظل يذكى الاستهتار بالقانون والمتصاعد لأسابيع كان لابد أن يؤدى إلى ما يحدث فى إمبابة. حينما ينهار الأمن، ويعتدى البلطجية على الشوارع، ثم على المحال، ثم على السجون، ثم على أقسام الشرطة، وصولا إلى تدمير قاعة محكمة الجنايات والاعتداء على القضاة المحتمين فى قاعة المداولة فإن الوضع يكون مؤهلا لما هو أسوأ، وتكون النتيجة المنطقية هى الاستهتار بكل ما يرمز للدولة والعدالة والقانون. لا أستبعد أية نتائج قد تسفر عنها التحقيقات بشأن تدخل أطراف منظمة لإذكاء الفتنة، ولكن يظل المناخ العام الذى لا يقيم وزنا لفكرة القانون مشجعا لكل صور التجاوز والبلطجة ولتصديق الشائعات المغرضة ولحمل السلاح واستخدامه دون الاعتراف بمؤسسات الدولة القانونية.

نحن فى لحظة الحسم فى موضوع الوحدة الوطنية، والوقوف على الحياد أو اتخاذ المواقف المائعة لم يعد مقبولا. إما المساواة الكاملة والمواطنة غير المنقوصة والاحتكام إلى مرجعية القانون، وإما أن نكون مشاركين بالفعل أو بالسلب فى استفحال التعصب الطائفى. نحن بحاجة إلى فتح الحوار بلا حرج من أجل الوصول إلى اتفاق على حد أدنى من المبادئ والأسس والمواقف التى تجمع عليها الأحزاب والقوى السياسية الوطنية دون انتظار لدستور جديد قد لا يرى النور قبل عام ونصف. بغير ذلك فسوف نظل نجرى من حادث طائفى إلى الحادث التالى له، نشجب وندين ونتعانق، ولكن دون تحقيق تقدم فى قضية هى الأهم والأخطر. القانون هو الحل.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.