الإنسان فى القرآن3 ــ تكريمه بسجود الملائكة - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان فى القرآن3 ــ تكريمه بسجود الملائكة

نشر فى : الجمعة 10 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 مايو 2013 - 8:00 ص

(1)

يقرأ الإنسان ويسمع قول الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء (70)، وقد ذكرنا من تجليات تكريم الله للإنسان أن الله أوكل للجنس البشرى أن يتولى شئون نفسه بنفسه، حيث اصطفى الله من البشر أنبياءه ورسله الذين يتولون حمل الهداية والصلاح للدنيا كلها، واليوم نتابع منحة أخرى من منح الله لتكريم الإنسان، وتلك المنحة التى تجلت فى أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، فما هى أبعاد ذلك السجود لهذا الإنسان المستخلف؟

 

(2)

 

قد عرفنا أنه قبل خلق آدم قد خلق الله السموات والأرض وما بينهما لخدمة آدم، ومن بين هذه المخلوقات الملائكة، وهؤلاء الملائكة نوع غيبى من المخلوقات جعلهم الله فرقا وطوائفا، وعهد لكل فرقة بأمر من الأمور الكونية، فمن الملائكة من تفرغ لحمل العرش مع التقديس لله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) غافر (7)، ومن الملائكة من يتفرغ يدعو الله لآدم وذريته بالصلاح والتوبة (....رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) غافر (7)، ومن الملائكة من يتفرغ لرعاية فئات خاصة من البشر (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ....) آل عمران (45)، ومن الملائكة من يتولى دعم المؤمنين (اِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا...) الأنفال (12)، ومن الملائكة من ينحصر عمله فى قبض الأنفس والأرواح عند انتهاء الأجل: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ...) النحل (32)، ومن الملائكة من يتخصص فى حمل الوحى (اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ...) الحج (75)، ومنهم من يستقبلون المؤمنين على أبواب الجنة (...وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) الأنبياء (103)، كذلك من الملائكة من يستقبلون مستحقى العذاب (...عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ...) التحريم (6)، ومهام كثيرة أخرى للملائكة ليس هنا مكانها.

 

ومع هذه المكانة التى يتمتع بها الملائكة، فهاهم يؤمرون بالسجود لآدم ويسجدون أجمعين إلإ إبليس، فماذا يعنى ذلك السجود لآدم؟

 

الملائكة جنس غيبى، ومعهم ــ دون غيرهم من الخلائق ــ مفاتيح غيوب كثيرة فى السماء والأرض، فماذا يعنى سجودهم لآدم؟

 

(3)

 

إن سجود الملائكة لآدم ــ فوق أنه طاعة لله ــ إلا انه إشعار بتكريم آدم وارتفاع مكانته أعلى من الملائكة، ولذلك فالملائكة يقومون بأعمال كثيرة يساعدون بها ذرية آدم فى الإعمار والإصلاح، ألا ترى حملة العرش مشغولين بدعم ذرية آدم بالدعاء والتطهير من السيئات، الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَكُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) غافر.

 

وإذا كان حملة العرش لا يتركون المؤمنين دون دعم، فماذا تفعل طوائف الملائكة الموكلة بشئون الغيب الأخرى؟

 

فهل تقوم طوائف من الملائكة بتثبيت المؤمنين فى خطواتههم ومشاريعهم الإعمارية؟، ربما يكون ذلك فالقرأن يقول (إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا...) (30) فصلت، فهل تقتنع معى أن طوائف كثيرة من الملائكة يتولون دعم ومساعدة المؤمنين فى سعيهم للإعمار والإصلاح.

 

(4)

 

فالملائكة فى سجودهم لآدم يقرون برفعته ويعلنون استعدادهم لمساعدة ذريته فى حركة الحياة، هكذا يخبرنا القرآن (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...) (96) آل عمران.

 

فها هى السنن الإلهية طوع أمر الإنسان تمده بالعون وتساعده على الإعمار والإصلاح،فهل يتأهل الانسان لاستدعاء السنن الإلهية والاستعانة بها فيتمكن من تغيير بؤسه وشقائه إلى نعيم مقيم؟ وهل يقدر الإنسان على نفسه ويتحدى هواه الشخصى ليصبح جديرا بمساعدة الملائكة ومساندة السنن الإلهية له.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات