لماذا ينبغى أن نقلق؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا ينبغى أن نقلق؟

نشر فى : الخميس 10 مايو 2018 - 12:10 ص | آخر تحديث : الخميس 10 مايو 2018 - 12:10 ص
قد تقع المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية وقد تتأجل. لكننا نبقى فى منطقة الخطر، والخطر الشديد.

فالموقفان الإسرائيلى والإيرانى يصعب أن يتوافقا لأسباب لا علاقة لها بفلسطين وغير ذلك مما يردده الإيرانيون وأتباعهم. السبب الفعلى أن تل أبيب لن ترضى بتكريس الوجود العسكرى الإيرانى وقواعده فى سوريا. هذا ما تعتبره مسألة أمن قومى. لهذا تكاد تتطابق مواقف المستوى السياسى والمستويين العسكرى والاستخباراتى منها. طهران، فى المقابل، لن ترضى بأن تتخلى عن كل ما استثمرته منذ 2011، هى وأتباعها، فى سورية. لقد استثمروا بالبشر والمال والهيبة. أغلب الظن أن خسارة معلنة كهذه، لا سيما فى ظل أزمة اقتصادية حادة، كفيلة بخلخلة النظام الإيرانى الذى سبق أن طالبته «الثورة الخضراء» فى 2009 بالانسحاب من المشرق العربى.

وحتى لو نجحت موسكو أو سواها فى تأجيل الانفجار، فإن النجاح لن يدوم طويلا. فطبيعة النظامين أقوى وأشد تأثيرا من وساطات ديبلوماسية تبقى، بالتعريف، محدودة الأثر والتأثير.

فنحن، مع إيران الخمينية وإسرائيل الليكودية، لا نواجه نظامين سيئين فحسب، بل نواجه مشروعى هندسة اجتماعية وديموغرافية. وهذا، بطبيعة الحال، يتعدى الخلاف السياسى معهما، أو الاعتراض السياسى عليهما. فالنظامان المعنيان شوفينيان فى حدهما الأدنى، عنصريان فى حدهما الأقصى. فإذا ميز بينهما أن أحدهما ديموقراطى برلمانى والآخر شبه توتاليتارى، جمع بينهما أنهما نظامان قوميان مستفحلان، يتداخل فى تكوينهما الدين بالقومية، ولو بجرعات متفاوتة. وهما نظامان يمتلكان وعيا حدوديا قويا. فالحدود هى مسألة المسائل عند إسرائيل، وهذا الاعتبار أول ما يحكم علاقتها بالفلسطينيين ومحاصرتها لحقوقهم، بل إن ضربتها المحتملة لإيران تندرج فى الوعى الحدودى، لأنها لا تحتمل الوجود العسكرى لإيران فى شمالها الشرقى. وبدورها فالأخيرة، ومن خلال ما بات يُعرف بـ «ممر قاسم سليمانى»، تنوى أن توسع حدود نفوذها بحيث يشمل المشرق العربى.

ولئن وفر الفلسطينيون حقل التمرين الأولى على الهندسة الاجتماعية والديموغرافية الإسرائيلية، فالسوريون هم الذين وفروا ويوفرون حقل التمرين الأولى على هندسة أوسع وأقسى تمارسها إيران. وهى أيضا هندسة أخطر، نظرا لاتصالها بالانقسام السنى – الشيعى العابر للحدود والمشبع بالتاريخ. أما منطقتنا الواقعة بين إيران وإسرائيل فليست، فى نظرهما، غير مكان بلا بشر، مكانٍ تسدد إحدى القوتين عبره ضرباتها للأخرى. فهى، بالتالى، منطقة تشجع على الصدام بدل أن تردع عنه.

يضاعف الاحتمالَ هذا أن المشرق العربى لا يملك القدرة على المبادرة أو الفعل أو التأثير. والأفدح أن التناقضات المتفجرة فى سوريا، والضامرة نسبيا فى العراق، شديدة القابلية للإلحاق بالتناقض الإيرانى – الإسرائيلى نفسه بحيث تمحو نفسها بنفسها.
لهذا يرجح أن يفضى الصدام إلى فتح جروح وتقرحات لا تندمل فى جسم المشرق، خصوصا إن لم تتدخل قوى العالم المؤثرة لوضع حد لتمادى الصدام وتمادى طرفيه. والإشارات إلى ضعف شهية التدخل ليست قليلة.

فما يقلق ويخيف بالتالى ليس المواجهة ذاتها، بل توافر العناصر التى تُديمها وتجعلها طريقة حياة مفروضة على عشرات الملايين ومئات آلاف الكيلومترات المربعة. وهكذا قد نمضى إلى أن يقضى الله أمرا.

حازم صاغية
الحياة ــ لندن

 

التعليقات