الإصلاح الدينى أو الكنيسة التى أحبها - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإصلاح الدينى أو الكنيسة التى أحبها

نشر فى : الخميس 10 يونيو 2010 - 9:44 ص | آخر تحديث : الخميس 10 يونيو 2010 - 9:44 ص

 طلب منى كثيرون من الأصدقاء، هذا فضلا عن القراء الأعزاء، أن أكتب عن الإصلاح الدينى الذى وقع فى أوروبا فى القرون الوسطى وذلك بسبب الاحتفال بمرور خمسمائة عام على هذا الإصلاح، وكنت قد أشرت إليه من قبل أكثر من مرة فى كتاباتى لجريدة «الشروق» ولقد جاء الوقت لكى نجيب عن بعض الأسئلة من أهمها هل من ضرورة للإصلاح الدينى؟

وماذا فعل الإصلاح الدينى بأوروبا؟ وهل وقع الإصلاح فجأة أم كان له مقدمات؟ وهل أثر هذا الإصلاح على المجتمع ككل أم اقتصر على الدين والمؤسسة الدينية فقط؟! وهل يمكن أن تكون مبادئ الإصلاح نبراسا لنا فى مصر لكى نخرج من دائرة التخلف الاجتماعى المتمسح بالدين ومن تحكم المؤسسات الدينية فى رقاب العباد؟

لقد بدأت المسيحية من أورشليم (القدس) وانتشرت فى كل أنحاء العالم بسبب سيادة الإمبراطورية الرومانية على العالم ككل وكانت المسيحية فى بدايتها مضطهدة من اليهود والوثنيين إلى أن اعترف الإمبراطور قسطنطين بها فى القرن الرابع وأعلنها دينا رسميا للإمبراطورية، وهنا هرع كثيرون للدخول فى المسيحية دون فهم حقيقى لما تحتويه المسيحية من تعاليم روحية وإنسانية، وكان لتدخل الإمبراطور قسطنطين فى المجامع الكنسية بداية لتدخل السياسة فى الدين والخلط الشديد الذى وقع بعد ذلك فى أمور العقيدة، وبمجرد أن تحالف السياسى مع الدينى قويت شوكة المؤسسة الدينية وأصبح هناك ما يسمى بالمقايضات والمساومات والصفقات بين ما هو دينى وما هو سياسى،

فالإمبراطور يحتاج إلى الشعبية والتعضيد من المؤسسة الدينية والمؤسسة تحتاج إلى النفوذ السياسى للتحكم فى الشعب وتغتنى، وهكذا تحولت المسيحية التى أسسها السيد المسيح على رفضه التام للمؤسسة الدينية اليهودية والتى كانت متحالفة وقتئذ مع السلطة الرومانية،

والجدير بالذكر أن السلطتين معا هما اللتان قامتا بمحاكمة المسيح وإدانته، ذلك لأنه أدان المؤسسة الدينية عندما رأى كهنة الهيكل يبيعون ويشترون داخل الهيكل ويغيرون العملات ويتحكمون فى البشر فقال قولته الشهيرة (بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص) وقال أيضا موجها حديثة للكهنة اليهود (تحملون الناس أحمالا عثرة ولا تحركونها بإصبعكم) ولقد كان صدامه مع رجال الدين أكثر كثيرا من صدامه مع رجل الشارع العادى بل إنه لم يصطدم إطلاقا مع البسطاء

ولقد رفض السيد المسيح وجود مؤسسة دينية تستغل رجل الشارع العادى وتخنقه بممارساتها ونواميسها وطقوسها، ولم يكن فى ذهن السيد المسيح وهو يتحدث عن الكنيسة أن تتحول الكنيسة إلى صورة طبق الأصل من المؤسسة الدينية اليهودية التى قامت بمحاكمته لكن ما حدث هو عكس ما تخيله السيد المسيح إذ تحالفت الكنيسة مع السلطة السياسية وصار لها النفوذ الصارم على الشعوب،

وشيئا فشيئا صار البابا يتحكم فى تعيين الملوك وخلعهم ودخلت أوروبا النفق المظلم مما أدى إلى الحروب الصليبية ضد الشرق، وقد كانت الحروب الصليبية نوعا من إلهاء الناس عن مظالم الكنيسة والكساد الاقتصادى ولكى يلهى الأمراء والكهنة شعوبهم عن الفساد الضارب فى المجتمع جيشوا جيوشهم لتخليص بيت المقدس من المسلمين لكن الحقيقة أنها لم تكن أبدا حربا دينية،

بل كانت سياسية من الدرجة الأولى، ولقد خرج كثيرون من المصلحين ينادون بالإصلاح الدينى لكنهم حوكموا وأدينوا وأحرقوا بالنار هم والعلماء حيث ساوت الكنيسة بين العلماء والسحرة، وفى عام 1517 كتب الراهب الكاثوليكى مارتن لوثر 95 احتجاجا على ممارسات الكنيسة وعلقهم على كاتدرائية وتنبرج بألمانيا تشمل هذه الاحتجاجات رفضه لممارسات الكهنة والباباوات وتحكمهم فى البشر ورفضهم لأن يكون الإنجيل متاحا لكل الناس، ومن أهم البنود التى ذكرها،

أن يكون تفسير الكتاب المقدس للشعب وليس للكهنة، وأن الله يقبل الإنسان ويغفر خطاياه (الخلاص) بالإيمان وليس بصكوك الغفران واستغلال الكهنة للشعب وأن علاقة الإنسان تكون مع الله مباشرة وليس بواسطة الكنيسة وقد استخدم تعبير (كهنوت جميع المؤمنين) أى أن كل إنسان قادر على بناء علاقة مباشرة مع الله بمفرده، ولقد حرم البابا مارتن لوثر والحرمان يساوى التكفير لكن كانت ألمانيا فى ذلك الوقت مقاطعات يحكمها أمراء،

وقد اقتنع احد الأمراء بإصلاح لوثر فأخذه فى مقاطعته وقام بحمايته ولولا ذلك لكان مصير لوثر مثل مصير المصلحين السابقين له، ثم ظهر جون كالفن فى سويسرا والذى قام بتنظير الإصلاح بطريقة لاهوتية (فلسفية) أسس فيها فكر الإصلاح على أن النزعة الإنسانية لا تتعارض إطلاقا مع النزعة الروحية فالتكوين الفلسفى والقانونى والتفكير العلمى كل هذا لا يتعارض مع الحياة الروحية للإنسان، وأن الصور والتماثيل تحف فنية لها قيم جمالية ولا علاقة لها بالصور الحقيقية للقديسين لأنه لا يعلم أحد صورة المسيح أو العذراء أو التلاميذ وأن شفاعة القديسين ونزولهم للأرض لا يطابق الكتاب المقدس،

ثم يقول إن المصلحين تركوا الكنيسة التقليدية لأنها تركت التفسير الصحيح للكتاب المقدس، وأن المصلحين أعادوا الصيغة الأصلية للكنيسة الأولى حيث لم يكن فيها لمدة مائة عام لا كهنوت ولا رئاسة كهنوت ولا مذابح ولا طقوس وكلمة أسقف المذكورة فى العهد الجديد تترجم قسا أو شيخا لا فرق بل كان المسيحيون يجتمعون فى البيوت أو مبانٍ عادية يسبحون الله ويصلون ويعظون ويمارسون الشركة معا (كسر الخبز) وهذه هى كنيسة الرسل ويوحنا فم الذهب وباسليوس وكبريانوس وأغسطينوس.

وأخيرا قال إن أسس علم اللاهوت (الفقه) فرضان بسيطان؛ معرفة الله ومعرفة الذات، فلا يمكن معرفة الله دون معرفة الذات والعكس، إن عدم معرفتنا لذواتنا وهويتنا تجعلنا غرباء عن أنفسنا وعن الله، ولا يمكن أن ندرك الله إذا كنا غرباء عن أنفسنا ومجتمعنا، إن الإيمان يقوم على المعرفة ولا يوجد إيمان بدون معرفة حقيقية، واستبعاد المعرفة والفهم من الإيمان نوع من الخرافة والغيبية المرفوضة. فالإيمان مستحيل أن يقوم على جهل، فالعقل لابد وأن يسأل بماذا أؤمن؟

وبمن أؤمن؟ فالإيمان عندما يصل لقلوبنا يضم تفسيرا للعقل، ويقول أيضا إننا نخطئ كثيرا إذا سلمنا عقولنا لرجال الدين ورجال الكهنوت، ولقد تحدث مارتن لوثر وجون كالفن عن تأثرهما بفلسفة ابن رشد خاصة فى علم التأويل (التفسير) وأن النص الذى لا يقبله العقل لابد وأن يئول حتى يناسب المنطق والمكان والزمان، وأن التجمد عند العصر الذى أتى فيه النص فيه إنقاص للنص وإجحاف للعصر الذى نعيش فيه، وأن النص يقبل التفسير بتغير الزمان والمكان والإنسان، وأن التمسك بحرفية النص هو الذى يضع قيودا على التفكير فيجمد حركة المجتمع إلى الأمام؛ هذا ليس من مقاصد الله العليا.

ثم إن أحد أهم أسس التفسير هو أن النص جاء لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل النص، ولقد كسر السيد المسيح وصية السبت بالمفهوم اليهودى لأجل أن يشفى المرضى، وكسر الصوم وسمح للتلاميذ بالأكل من حقل غيرهم لأنهم جياع فى يوم سبت وقال إنما جعل السبت (الوصية والشريعة) لأجل الإنسان وليس العكس فالإنسان عند الله أهم من الوصية ويقول الله (أريد رحمة لا ذبيحة)، أى أن الله لا يريد أن يقدم الناس له ذبائح (عبادة وطقوس) ثم تمتلئ قلوبهم بالقسوة على إخوتهم وأتباعهم من البشر فيكون الطقس والوصية سيفا مصلتا على الناس.

أما عن دور الكنيسة أو المؤسسة الدينية بشكل عام حسب فكر الإصلاح مقارنة بالفكر التقليدى فهو كالتالى: فى الفكر التقليدى تكون الكنيسة مكانا فى بيئة مغايرة تبرر وجودها بإحضار الناس إليها ورعايتهم كالأم للأطفال. أما فى الفكر المصلح فالكنيسة نقطة فى حياة الإنسان تشير إلى ما هو أبعد عنها، إنها إشارة نحو التفكير الأبعد فى العلاقة مع الله فى الفكر التقليدى. الكنيسة وعاء مقدس لا خلاص (علاقة مع الله أو توبة) خارج دائرتها المرئية. فى الإصلاح انعكاسات الكنيسة خارج ذاتها؛ فى الفكر التقليدى الكنيسة مكان مغلق على نفسه مبنى، مؤسسة)؛ فى الإصلاح مكان مفتوح بلا عوائق أو عوازل؛ فى الفكر التقليدى الانضمام للكنيسة يعنى الاحتواء containing. فى الإصلاح الانضمام يعنى الاتصال communication؛ فى الفكر التقليدى دور الكنيسة إلحاق وضم؛ فى الإصلاح توضيح وشرح، والكنيسة فى مصر مازالت متمسكة بالتعريف القديم باعتبارها ملاذا أو ملجأ،

هدفها الأول الذى تسعى إليه هو أن تأتى بأناس من الخارج (العالم) إلى داخلها ليتقوقعوا. ودور الكنيسة الأول هو الحفاظ على حياة أعضائها من خطر الاختلاط والتعامل مع العالم، لهذا فهى دائما ــ وأعضاؤها ــ منعزلة عن واقع المجتمع الذى تعيش فيه غير قادرة على الاتصال به، ومن وقت لآخر تخرج بقرارات ينظر لها المجتمع باندهاش شديد سواء كانت القرارات سياسية وكأن أعضاءها جميعا اختصروا فى فرد واحد أو اجتماعيا وكأن الكنيسة مجتمع واحد ليس فيه تباينات لذلك.

يكتب خوان كارلوس وهو أحد المفكرين البرازيليين تحت عنوان (الكنيسة التى أحبها) قائلا: تلك التى تثق بأن الله هو الميناء وليست هى وبأنها ليست إلا المنارة التى تشير إليه وتقيم البرهان على ذلك، تلك التى تقبل مسرورة أن يزرع الله فى حقول (غير) حقولها ويحصد هناك ما قد يفوق الحصاد عندها، تلك التى جل همها أن تسعى إلى أن تكون للجميع لا أن تكون جامدة منعزلة.

وهكذا ترى عزيزى القارئ أنه كان فى العالم ثلاث كنائس رئيسية واحدة فى أوروبا الغربية والأخرى فى أوروبا الشرقية والثالثة فى الشرق وبسبب تبنى أوروبا الغربية لفكر الإصلاح الكنسى انتقلت إلى العصور الحديثة وقادت العالم من خلال الولايات المتحدة والتى هاجر إليها المصلحون من أوروبا بسبب الاضطهاد وقد أسسوا دستورها على فكر الإصلاح.

أما أوروبا الشرقية والتى لم تتبن فكر الإصلاح فقد اجتاحتها الماركسية وفكر الإلحاد. أما كنيسة الشرق فهى تواجه السؤال: أين نحن من كل هذا ؟! وهل نحن كمجتمع إسلامى مسيحى نحتاج إلى فكر إصلاحى لنلحق بالعصر أم ليس فى الإمكان أبدع مما كان؟.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات