فى انتظار مصر.. عن «داعش» ومشروع «دولته»! - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى انتظار مصر.. عن «داعش» ومشروع «دولته»!

نشر فى : الأربعاء 10 يونيو 2015 - 10:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 10 يونيو 2015 - 10:30 ص

فى أقل من عام، تحول داعش الذى نبت أو استنبت فجأة، عبر الحدود التركية، فى شمالى العراق، وصولا إلى الموصل التى احتلها بلا قتال، وكان قد احتل قبلها الرقة فى شرقى سوريا.. إلى قوة إقليمية كبرى.

لم يكن ذلك بفضل كفاءة قيادته وحديدية تنظيمه فحسب، بل أساسا بسبب فرقة القوى التى تواجهه وتناقض مصالحها وغياب الخطة والقيادة المشتركة، سواء فى الأراضى العراقية التى يحتلها أو فى الأراضى السورية التى يسعى للتقدم فيها مسيطرا على مزيد من المواقع الحساسة، إما لخطورتها الاستراتيجية أو لأهميتها فى سجل الحضارة الإنسانية.

لقد أمكن لهذا التنظيم الذى نشأ فى العتم أن يباغت العالم كله بقوته وقدرته على الحشد وتحركه ضمن خطة مدروسة أخذت فى اعتبارها حالة الفوضى العارمة التى يعيشها العراق المنهك بانقسامات قواه السياسية المتهمة فى صدق وطنيتها كما فى نظافة كفها.. كما سبق له أن أفاد من ضعف الدولة المركزية فى سوريا الغارقة فى دماء أبنائها ليستولى على بعض أطرافها المحاذية للحدود العراقية.. وهكذا أمكنه أن يتمدد بغير مقاومة تذكر فى الصحراء الواسعة الفاصلة والرابطة بين سوريا والعراق.

وبالتأكيد فإن الأطراف المعنية بالمواجهة، عربية وأجنبية، قد فوجئت بالحركة السريعة لهذا التنظيم وفق خطة عسكرية ساعد فى إنجازها العديد من الضباط الكبار الذى أقالتهم حكومات ما بعد صدام حسين، والذين كانوا بكثرتهم الغالبة من أهل السنة، ويضمرون حقدا عظيما على «العهد الجديد» فى العراق الذى ماثل نظام صدام من موقع النقيض: كل ما حدث أن طائفة حلت محل الطائفة المهيمنة من دون أن يكون لها مشروع وطنى جامع، وأنها تقدمت إلى موقع القرار برغبة الثأر والانتقام. هيمنة مذهبية فوضوية ومتخلفة محل هيمنة مذهبية كانت تحرص على مظهر الدولة وشرعية، ولو شكلية، لقراراتها.

***

لم تنجح السلطة الجديدة التى ركبت على عجل حاملة فى داخلها تناقضات التكوين وافتقاد الخطة والضعف أمام إغراءات السلطة والمال العام المتاحة سرقته للأقوى. وكان «الالتزام» العنوان الأبرز فى إنجاز تلفيقات «حكومة الوحدة الوطنية»، ومراعاة أحجام «المكونات» فى صياغة إدارة الدولة ومؤسساتها.. خصوصا وقد رفع الأكراد صوتهم مطالبين بحصتهم «كقومية» وبالتالى ككيان سياسى مستقل عمليا وإن راعى حقيقة أن «الاستقلال» الفعلى يحرمه إمكان القدرة على الحياة. وهكذا أخذ الأكراد حصتهم كإقليم، ثم مدوا أيديهم إلى الدولة المركزية ليحتلوا مواقع قيادية فيها (رئيس الدولة، ولو بصلاحيات محدودة، ثم وزارة الخارجية حيث ملئت الشواغر، وما أكثرها، بموظفين أكراد احتلوا مواقع السفراء فى العديد من العواصم المؤثرة، فضلا عن وزارات خدمات ومواقع قيادية فى الجيش والإدارة الخ..).

ذهبت حكومات وجاءت حكومات والفساد يستشرى والانقسام يتعمق، مذهبيا بين الشيعة والسنة، وعرقيا بين العرب والكرد.. وكان الجيش أعظم الضحايا فقد شملت «حملة التطهير» كفاءات عسكرية مميزة أو هى همشتها، وضاعت معايير الاستحقاق والجدارة فى سعير الحمى المذهبية.
على أن الفساد وانحلال مؤسسات الدولة قد بلغ ذروته خلال فترة حكم نورى المالكى، العائد فقيرا من المنفى ( فى سوريا)، والمستقوى بتنظيمه المذهبى العريق ( حزب الدعوة) الذى عاش أركانه حالة مطاردة بالقتل والاعتقال دفعت الكثير منهم نحو اللجوء إلى إيران أو إلى سوريا ( فى زمن الخصام مع صدام حسين).

ولكى يتم إسقاط حكومة نورى المالكى، الذى يفترض أن تجمعه الحزبى المركب قد فاز فى الانتخابات النيابية، أعيدت صياغة المواقع فاختير واحد من ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية الجديد، فؤاد معصوم، وهو كردى كسلفه «مام جلال»، أى جلال الطالبانى، وجىء «برفيقه» فى حزب الدعوة حيدر العبادى رئيسا للحكومة الجديدة.

***

واستمر تقدم داعش فى الأرض العربية، بعد الموصل، فسيطرت قواته على تكريت وقد تطلب إخراجه منها الكثير من الدم والخراب وارتفاع منسوب الأحقاد المذهبية، خصوصا وقد حرصت إيران على إظهار دورها المباشر فى إيفاد الجنرال قاسم سليمانى ليقود المعركة.. ثم التفت قوات داعش على الرمادى التى انسحب منها الجيش بلا قتال تقريبا، لتتقدم ميليشيا الحشد الشعبى، التى يفترض أنها «مؤسسة رسمية» وإن كانت كتلتها العظمى من الشيعة، معززة بإسناد الجيش ودعمه لاستعادة المحافظة الاسيرة. لكن النتائج كانت كارثية، فقد استفز شعار هذا الحشد «لبيك يا حسين» العشائر السنية، التى وجدت من يعزز اعتراضها فى دول الجوار ليتعاظم خطر الفتنة.. وهو أقصى ما يطمح إليه داعش، فقد وجد من يعزز ادعاءه بأن «الشيعة» خارجون على الدين وهو من ينصر السنة المقهورين بالهيمنة الشيعية على القرار.

تدريجيا بات لداعش «حاضنة شعبية» فى أوساط «ضحايا الهيمنة الشيعية» من أهل السنة الذين وجدوا حاضنة عربية – تركيةــ أممية ( اذا ما استذكرنا التنظيم الدولى للإخوان المسلمين فضلا عن تفرعات القاعدة).. وكان طبيعيا أن تلامس هذه الموجة أهل السنة فى سوريا ولبنان، ثم أن تكتسب زخما مع الحملة السعودية على «الحوثيين» فى اليمن، وهم – فى الأصل ــ عائلة من الأشراف لها مكانتها بين «الزيود اليمنيين»، وهم يحتسبون أنفسهم من «الشيعة» وان كانوا الأقرب فى ممارسة طقوسهم إلى السنة.

***

بسحر ساحر، أو بترسبات عصور ما قبل النهضة وتبلور فكرة العروبة، ومع الحصيلة المرة لممارسات الأنظمة التى رفعت الشعار القومى وعجزت بشكل فاضح عن مواجهة العدو الإسرائيلى وكذلك عن صد محاولات الهيمنة الأمريكية على المنطقة، مقابل نجاح إيران – الخمينى فى احتلال مكانة «الدولة الإقليمية الكبرى» إلى جانب تركيا – الإخوان المسلمين، تمكنت «داعش» من احتلال ثلث مساحة العراق بمدنها ونصف مساحة سوريا تقريبا.. وصولا إلى نجمة الصحراء، تدمر، بكل تراثها الحضارى العريق الذى يجمع إلى إبداعات السوريين القدامى بعض تجليات الفن عند الرومان الذى قاتلتهم ملكتها زنوبيا حتى آخر نفس.

صار «داعش» مشروع دولة إقليمية كبرى، خصوصا إذا ما استمرت التسهيلات التركية لزحفه فى الشمال السورى نحو الساحل ليكون لها منفذ على البحر الأبيض المتوسط، ربما أرادته أن يكون فى محيط اللاذقية، فإذا ما تعذر ذلك اندفعت جحافله ــ إذا لم يجد من يصده ــ فى اتجاه الساحل اللبنانى (طرابلس)، أو فى نقطة ما بينهما.. ولعل هذا التوقع يفسر «الحرب» الدائرة فى جبال القلمون وعموم السلسلة الشرقية التى تشكل الحدود اللبنانية السورية، والتى تقع بلدة عرسال فى بطنها، فى حين لا تبعد عنها حمص بسهولها الممتدة حتى الساحل السورى أكثر من مئة كيلومتر.

«داعش» اليوم مشروع دولة، لها «جيش» تعززت قدراته بما استولى عليه من سلاح ثقيل من ثكنات الجيش العراقى (أساسا فى الموصل ثم فى تكريت والرمادى والفلوجة.. إلخ).

وكذلك من بعض ثكنات الجيش السورى (فى الشرق والشمال).. وكذلك بما استولى عليه من نفط تشتريه منه تركيا لتبيعه إلى إسرائيل.. علما بأن زحفه المظفر قد عبر الحدود التركية – العراقية والتركية – السورية فلم ينتبه إليه حرس الحدود فى تركيا التى تجاهر بحربها على سوريا، وتحاول نسج «تحالف» مع أكراد العراق وتشجعهم على إعلان دولتهم فى أربيل، بينما تنكر عليهم – حتى اليوم ــ حقوقهم السياسية فيها.

فى هذه الأثناء تدور رحى حرب سياسية وإعلامية قاسية، وبكل أنواع الأسلحة، بين من يحتكر حق تمثيل السنة العرب، ممثلا فى السعودية ومن معها، وبين حركات الإسلام السياسى الشيعى المتهم بالولاء لإيران كما جماعة الحوثيين أو الزيود فى اليمن.. (أو الأنظمة المسحوبة عليها كالنظام القائم فى العراق أو ذلك القائم فى سوريا)، وصولا إلى «حماس» فى غزة والى «حزب الله» فى لبنان.

.. ولا يبقى من «مرجعية» إلا الإدارة الأمريكية التى تتضمن، حكما، إسرائيل.

***

السؤال الساذج الذى يدور فى أذهان المواطنين العرب، هو:
لو كانت مصر فى وضع صحى يؤهلها للعب دورها الذى لا بديل منه، هل كنا شهدنا هذا التردى الفكرى والسياسى، وهذا الصراع العبثى الذى يدمر الأمة ولا يخرج منه طرف منتصر.. إلا إسرائيل، ومن دعم قيامها ومازال يدعم تفوقها على مجموع الأمة؟

وفى انتظار مصر ستظل الأمة تتهاوى وتتمزق وتضيع طريقها إلى مستقبلها.. بل وتفقد معنى وجودها!

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات