ظلال الأرز فى وادى النيل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ظلال الأرز فى وادى النيل

نشر فى : الجمعة 10 يونيو 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 10 يونيو 2016 - 10:00 م
هذا العنوان الجميل، المثير للخيال، أطلقه الأديب، فارس يواكيم، على كتابه الذى يرصد فيه إبداعات بعض اللبنانين فى مصر. لم أقرأه، لكن وجدته من المراجع التى اعتمد عليها المفكر، الأديب، السياسى، كريم مروة، فى كتابه الثمين، الصادر منذ أسابيع قليلة، فى القاهرة، بعنوان «الرواد اللبنانيون فى مصر: فى الصحافة والفكر والأدب والفن».

الكتاب ضخم، حجما وقيمة، يقع فى «٣٦٠» صفحة من القطع الكبير، مكون من خمسة أقسام، تتلمس، بدقة ومحبة، دور جيراننا اللبنانيين، فى الصحافة، كتابة، وإنشاء مؤسسات الأهرام، الهلال، دار المعارف، روزاليوسف.. إلى جانب السينما والمسرح، الموسيقى والغناء، ثمة الكتابات، ذات الطابع النضالى، الاشتراكى، غرام كريم مروة الأثير، فى الماضى، والحاضر، وعلى الأرجح، فى المستقبل أيضا.

صفحات الكتاب، تتهادى بأسلوب مشرق، عقلى، عاطفى، كأن المؤلف، بخبرة ودراية، فضلا عن مزاج رائق، يصحبك فى جولة انتشاء، بين إجراء بستان الإبداع المصرى، مبينا، برهافة، تلك الجذور اللبنانية، النامية، المزدهرة، فى وادى النيل، بتربته الخصبة، الذى مهد له، رفاعة الطهطاوى، محمد عبده، على مبارك، قاسم أمين.. بعبارة أخرى، وجد الرواد اللبنانيون، فى مصر، «بيئة حاضنة»، حسب مصطلح الصحافة السياسية، الآن.

يقدم مروة، أكثر من سبعين شخصية مؤثرة، معنويا وماديا فى رؤاها، أفكارها، أساليبها، مواقفها، فضلا عن مؤسسات، لاتزال تنبض بالحياة، بعد مرر قرن من الزمان.

فى تجواله بين الرواد، يتعرض مروة لمسيرة أبطاله، منذ الميلاد، حتى الرحيل، متوقفا، عند أهم المحطات، الإنجازات، مبينا بجلاء، أهمية من يتحدث عنه، متعمدا أن يجعل قارئه، مشاركا له، فى تذوق سحر الأساليب المتباينة، فكرا وفنا.. فمثلا، حين يتعرض لصاحب المواهب المتعددة، فرح أنطوان، يورد مقطعا من مقال «فى ظل شلالات نياجرا»، الأقرب للمناجاة الحميمة، جاء فيه «أتذكر أيها الشلال يوم كان شاطئاك مرتعا لأولئك الهنود والمساكين قبل أن يصل إليك البعض ويغتصبوا أرضهم ظلما عدوانا.. غيروا أرضك أيها الشيخ وهم يظنون أنهم حسنوها وحسنوك وجملوها وجملوك، وما جمالهم إلا كجمال المرأة الدميمة، زخرف خارجى وطلاء سطحى. حك هذا الطلاء فتجد تحته جيفة منتنة.

المعاير التنويرية، ذات النزعة النضالية، لا تغيب عن صفحات الكتاب، وبالتالى، يشيد بأدوار شبلى الشميل، نجيب الحداد، زينب فواز، التى لم أكن أعرف عنها شيئا، ولا عن دفاعها المجيد عن حقوق المرأة، خاصة فى التعليم، حتى لو كانت متحجبة، و«هل العلوم لا تدخل من وراء الحجاب؟».. وهى، تخاطب الرجال بقولها: «كيف يجد المرء منكم لذة الحياة، وامرأة بيته وأم أبنائه، مقيدة وجاهلة».

بنظرته الفاحصة، يبين كريم مروة، الخيط الأبيض والخيط الأسود، يتتبع، بيقظة، تطور أو تدهور آراء أبطاله، فها هو محمد رشيد رضا، فى الشطر الأول من حياته، يؤمن ويروج، لفكر ثورى، متأثرا بجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده.. ثم، يغدو سلفيا، تخفت عنده الأفكار التنويرية، ليحل مكانها نزعات شديدة الإعتام والظلمة.

ذكرنى الكتاب بما نسيته تماما، بالجيران الذين أصبحوا جزءا منا، بل عناوين لا، تفخر بها الثقافة المصرية: جورج أبيض، المولود فى فندق صغير ببيروت «١٨٨٠»، عزيز عيد المنتمى لعائلة لبنانية من بلدة بكفيا فى الجبل، روزاليوسف المولودة فى مدينة طرابلس، وبالإضافة لعلوية جميل، ثمة أقوى شعراء العامية، بعد بيرم التونسى، فؤاد حداد، ابن سليم أمين حداد، المولود فى بلدة عبية الجبلية.. الأغرب، أن تكون مارى منيب، بكل طباعها، من مواليد بيروت ١٩٠٥.

الكتاب ممتع فى مادته، سيئ فى إخراجه، عدد كبير من صور الشخصيات غير موجودة، والبقية ليست أبيض وأسود، لكن أسود وباهتا ورماديا.. أما الغلاف، فمرسوم عليه، بطريقة السلويت، تسعة أشباح، الأمر الذى يتناقض تماما مع روح الرواد».
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات