مدن التقنية.. تكنولوجيا ممارسة الحياة - وائل زكى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدن التقنية.. تكنولوجيا ممارسة الحياة

نشر فى : السبت 10 يونيو 2017 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 10 يونيو 2017 - 8:55 م

كانت المدينة الذكية هى حديث العالم حتى وقت قريب، فأصبحت تاريخا لما يسمى الآنا لمدينة التقنية Techniــcity وهى المدينة التى تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بهدف الارتفاع بمستوى جودة حياة سكانها، وعلى ذكر التكنولوجيا فى المدينة أطلق لخيالك العنان لتتصور ما تكون عليه مدينة المستقبل، بل تتضح المشكلة الأكبر وهى كيف يمكنك العيش فيها؟ هل يتطلب الأمر دراية بالتكنولوجيا لكى تمارس حياتك الطبيعية فى بيتك ومدينتك؟ هل هذا هو السبب المباشر الذى جعل اليابانيين يعتبرون من لا يعرف علوم الحاسب الآلى من الأميين؟ وفى نفس الوقت هل يعنى استخدام التكنولوجيا إحاطتنا بشبكة أجهزة استشعار للتواصل بين المواطنين وبعضهم وبينهم وبين الأجهزة المعنية بتقديم الخدمات، وهل هذا يعنى اقتحام خصوصيات المواطنين؟
ولنذهب لبعدٍ آخر، فاستخدام التكنولوجيا على نطاق واسع يعنى الاعتماد أكثر على شبكات الانترنت والانترانت، والأخيرة هى نسخة انترنت تعمل ببروتوكول خاص بمؤسسة ما أو جهة ما أيا كانت، منها تطوير للتواصل الاجتماعى أو الرسمى، بل سيأخذ استخدامك للأجهزة المنزلية الحديثة نمطا آخر، فستجد التليفزيون يدخلك إلى عالم الانترنت أو الانترانت كما هو الحال فى شبكات البث الخاصة كقنوات الرياضة المشفرة على سبيل المثال ويستقبلها جهازك ولا يستقبلها جهاز الجيران غير المشتركين، هل تتصور أنك تعمل وتتواصل مع موظفيك أو رؤسائك وزملائك عبر تليفونك الأرضى الموصول بشاشة عرض، وكل منهم أيضا فى منزله، قد تكون هناك نوعية جديدة للأمراض المصاحبة لقلة الحركة والانتقال، أم سيكون هناك متسع من الوقت لممارسة رياضات لعلاج أمراض قصور الحركة! ربما، فهناك مجال واسع للابتكارات من الآن فى هذا الصدد.
غير المقصود فى هذا المقال عصف ذهنى، بل تذكير وطرح لبعض الحقائق، ففى هذا الخضم التكنولوجى، هل يمكن للفقير بناء عالمه الافتراضى من الحياة السعيدة؟ ليس عليه أن يتحمل مشقة السفر للسياحة فى بلدان العالم، ولكنه قد لا يستطيع تذوق السوشى فى زيارته الافتراضية لليابان، قد تجد أحدهم يقف وسط غرفته مرتديا نظارته للعالم الافتراضى منفصلا عما حوله إذ يتفاعل مع ما يراه ويستشعره، وقد يتمثل أمام الجميع من جهاز الإسقاط شخصية نيوتن شارحا نظرياته، أو هتلر مدافعا عن نفسه، فهل الأزهر مستعد مثلا للاعتراض عن تمثل أشخاص بعينها فى بعض المنتديات؟ أو تهم الشرطة بالقبض على زعيم المافيا متلبسا بشرح أحدث تقنيات الجريمة المنظمة، أو تسعى شرطة الآداب لضبط إحداهن متواجدةً افتراضيا فى أكثر من مكان فى آن واحد.
قد توجه الحكومات استعداداتها لحماية مواطنيها من تلك الصرعة القادمة، هناك أحد سبيلين، إما مقاومة التكنولوجيا، أو بناء المواطن المناسب للتعامل مع تلك التكنولوجيات بشكل إيجابى، فأيهما أسهل؟، فكر قليلا فى مقولات الأجواء المفتوحة والقرية الواحدة وما شابه، وقيود المواثيق والاتفاقات الدولية وتأثيرات العولمة، ستجد حينها أن مقاومة التكنولوجيا هدف دونكيشوتّيا أصيل، بل سيصل الأمر إلى أن يصبح معنى نظام الحكم كل فى دولته أقرب إلى الحكم المحلى فى نظام تحكمه أعراف الاقتصاد المعرفي!، هناك ما يسمى مدن المعرفة، وبداية الطريق إلى تأسيسها هو قاعدة واسعة من الحوكمة الإلكترونية، سبقتنا إليها دول عديدة فى إقليمنا العربى.
***
لم يعد امتلاك الموارد الطبيعية ــ كالبترول ــ يعنى بالضرورة امتلاك الاقتصاد القوى، أو لن يعنى امتلاك الموارد الطبيعية امتلاكا للقرار الحر المعبر عن الإرادة المحلية، فامتلاك المعرفة هو ناصية الأمر، هناك فارق كبير بين امتلاك العلم وامتلاك التكنولوجيا أو التقنية لتطبيق هذا العلم، هناك فارق كبير بين أن يحفظ طلاب ثانوى معادلة انتاج القنبلة الذرية وأن يكون لدى أمتهم مجتمعة القدرة على انتاج واحدة منها وتوجيهها نحو أهدافها بشكل صحيح، نحن مقبلون على عصر لا يكفى فيه أن تعلم، بل لابد أن تعرف كيف تعمل بما علمت.
هل سمعت عن السايبرنتيك «Cybernetic»، لو أدخلتها على باحث جوجل بالإنجليزية، ستجد العالم يتحدث عنها، ولو أدخلتها بالعربية، ستجدها بذات الأحرف العربية ولكن اللغة فارسية، فلم يتحدث عنها العرب بعد، إنها دراسات علمية جارية منذ منتصف القرن الماضى حول نقل النظم العصبية وسبل التواصل فى الحيوانات إلى الآلات، وهناك تقدمات مذهلة فى هذا المجال لتطبيقات مثيلة للتواصل بين الإنسان والآلة، فلا تستخف بأفكار أفلام الخيال العلمى، إننى أطلق عليها أفلام التوقع العلمى، فكل ما يمكن أن يخطر على عقل أو قلب بشر يمكن تحقيقه، الجنة فقط بها ما لا يخطر على قلب بشر، نحن هنا، على الأرض فلتستعد لمجابهة ما تتخيله.
إن شعوبا بيننا أصبح هاجس حكوماتها هو «تأصيل فن ممارسة الحياة»، وأخرى أصبح سعيها لترسيخ «تكنولوجيا ممارسة الحياة»، لم تعد المدينة فى رؤى المخططين العمرانيين هى تلك العمارات بوحداتها السكنية، هل ضاقت أم رحبت، تطل على شوارع اتسعت أم تحلت بالأشجار أم زخرت بأنواع التجارات والخدمات، إن العمران منظومة إنسانية تنسج تلك العلاقة بين البشر والبيئة والزمن، تخطيط المدينة صار صياغة لسيناريو مجتمعى، وتصميم عمرانها هو فن تحقيق هذا السيناريو فى أطواره المختلفة، تفاصيل تفاعلاته هو ذلك الحوار القائم بين البشر وبعضهم وبين البشر وبيئتهم.
***
التكنولوجيا العمرانية القادمة، لن تكون أسلوب حياة قابع فى مدينته فقط، ولكنها بمدها التكنولوجى ستكون موجة متخطية للحدود تجتاح أساليب الحياة مستهدفة سلوكيات المواطنين، فإن لم تجد عمرانا مؤهلا لاستيعابها وأنظمة مهيأة للتعامل معها، سيكون تأثيرها سلبيا على المدينة التى لا تحظى بأنماط متجانسة اجتماعيا ونسيج متآلف عمرانيا، وأدعى أن المستقبل فى ظل النظم التكنولوجية الواعدة ليس فيه حضرى وريفى بقدر ما يميل إلى توحيد أساليب الحياة، حتى وإن ظلت التجمعات العمرانية على نسيجها الدال على مدنيتها أو قرويتها السابقة، فالتخطيط العمرانى بذلك لن يكون علما هندسيا على خلفية من علوم إنسانية، ولكنه منهج تفكير جامع لعدد من المعارف الإنسانية والعلوم الهندسية تصاغ منها مخططاته فى شتى مناحى الحياة.

وائل زكى استشاري التخطيط العمراني وعضو مقيم عقاري بلجان طعون الضرائب العقارية، ويعمل كأستاذ للتخطيط العمراني وتاريخ ونظريات تخطيط المدن ومدرب معتمد إدارة المشروعات
التعليقات