الشعب يجيد فن التفاؤل الثورى - وائل جمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشعب يجيد فن التفاؤل الثورى

نشر فى : الأحد 10 يوليه 2011 - 8:42 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يوليه 2011 - 8:42 ص

 يجمع قاموس أوكسفورد الشهير بين تعريفين لكلمة تشاؤم Pessimism. الأول يقول إنه اتجاه لرؤية الجوانب الأسوأ فى الأشياء أو توقع حدوث أردأ الأمور. أما الثانى فهو ينقل هذا الاتجاه لمستوى الفلسفة. وتنبنى هذه الفلسفة على فكرة أن العالم هو على أسوأ ما يكون، أو أن الشر سينتصر فى نهاية الأمر على الخير.

وعلى مدى الأسابيع الماضية لابد وأنك سمعت أو قرأت واحدة على الأقل من الأفكار التالية: الثورة ترجع إلى الخلف، لم يحدث شيء ولم يتغير شىء، مبارك وابنه مازالا يحكمان البلاد، هذا الوضع غير المستقر سيجرنا إلى خراب.. إلى آخره. وتكاد تصل الحالة التى سيطرت بالأساس على سياسيين وكتاب وصحفيين وبعض النشطاء إلى الوقوع فى منطقة القناعة الفلسفية كما يعرفها قاموس أكسفورد وليس مجرد التَطَيُّر على طريقة عرب الجاهلية أو القلق الزائد. لكنها قناعة ترتكز على منطلقات ومصالح مختلفة.

نوعان من المتشائمين

النوع الأول لديه كل أسباب التشاؤم والسوداوية. فهو ينتمى إلى أولئك الذين لا يشعرون بالارتياح لما يحدث، بداية من يوم 25 يناير. هزت الثورة مصالح مستقرة لهذه الفئة الاجتماعية المستفيدة، وأنزلتها من على عرش الاستقرار المرفوع على رقاب باقى فئات وطبقات المجتمع، أو على الأقل تهددها بذلك. فجأة وجدت هذه الطبقة التى تمتعت بكل أو حتى بعض ثمار النمو الاقتصادى الذى دفعنا ثمنه جميعا معرضة لا فقط لمشاركتنا فيما حصلت عليه من ثروة غير مبررة قسرا أو بحكم الصدفة أو على الأقل مهددة بالعودة لوضعية المواطن العادى. وتحت هذه اللافتة العريضة تجد الكثيرين: قيادات النظام السابق، شريحة واسعة من رجال الأعمال وأصحاب المصالح، إعلاميون وصحفيون وكتاب، بعض ممن ينتمون للطبقة الوسطى العليا الذين يرتعدون أمام فقدان بعض مزايا الاستهلاك الترفى أو حتى بعض الخائفين من عالم جديد لا يعرفونه.

وإذا كانت معارضة الثورة بشكل علنى تستوجب دفع ثمن سياسى واجتماعى باهظ فى هذه المرحلة، فلا مناص إذن من استخدام سلاح التشاؤم الثورى. كان بعض هؤلاء يبشرنا بانتهاء عهد الثورات فى حياة البشر وبأنه على المتضررين من الفساد والقهر ألا يعتقدوا فى أنفسهم القدرة على تغيير أوضاعهم: لأن عهد التحولات الكبيرة ولى وعهد الثورات الاجتماعية انتهى ولم يبق لنا إلا التعويل على غيرنا فى بعض الإصلاح..حتى إن كان غيرنا هذا هو النظام السابق نفسه. والآن هم يعودون لنا من باب التشاؤم الثورى لإثبات نفس الفكرة: الجماهير لا تغير شيئا. حتى وإن حدثت ثورة فإنها غير قادرة على إنجاز ما تعدنا به من تغيير جذرى فى حياتنا. بل إنهم يمضون قدما لإثبات أن استمرار طريق الثورة قد يتسبب فى تدمير القليل الذى نمتلكه.

أما النوع الثانى من المتشائمين فهو من الثوريين. يرتكز هؤلاء على مقارنة الوضع القائم فى مصر بما ينبغى أن يكون فى أقصى صوره طموحا وجموحا. وهكذا لا تتسع أعينهم سوى لحقائق استمرار الفاسدين فى سدة الحكم، وأن نخبة الثروة مازالت تتحكم فى السلطة الاقتصادية، وأن الداخلية لم تتغير بعد، وأنه حتى مبارك يخضع لنوع ما من الحماية لا يتوفر بعد لبعض المواطنين الذين يتعرضون لتعذيب وإهانة وسجون ومحاكمات صارت عسكرية فى عهد كان ينبغى له أن ينهى كل إهدار لكرامة المواطن.

وبرغم اختلاف المنطلقات والمصالح والخطاب يقودنا المتشائمون، من المتشككين فى الثورة ومن يقف منهم على الجانب الآخر من المتاريس، إلى الانجراف من هذا التقدير السياسى بأن الثورة لم تنجح فى تحقيق الكثير إلى التشكيك فى قدرة الثورة نفسها على النجاح إذا كانت كل هذه البطولة وكل هذا الإصرار من الملايين وكل هؤلاء الشهداء لم يأتوا لنا بشىء.

هل أنجزت الثورة لنا شيئا؟

لا عيب أبدا فى رصد كل ظواهر الثورة المضادة ومحاربتها، بل إن شن الحرب الدعائية والسياسية لتغيير كل هذه الأوضاع واجب وضرورة عمل فى هذا الصراع المستمر على الأرض.

لكن المشكلة كل المشكلة هى فى السقوط فى بئر إنكار ما أنجزته لنا هذه الثورة العظيمة بالفعل وباستخدام ذلك السلاح الذى قيل لنا إنه لم يعد موجودا أو أنه صدىء لا يجدى نفعا: الفعل الجماهيرى الديمقراطى الحر. لكأن هؤلاء وهم يرتدون ثياب الثورية المفرطة القصوية يقتلون الثورة نفسها وينزعون نجاحها الأساسي: اكتشاف المصريين أنهم قادرون على الفعل وعلى التأثير وأنهم ليسوا مكتوفى الأيدى أمام مغتصبى حقوقهم.

فى أكتوبر 2010، قبل أقل من 10 أشهر من الآن، كيف كنا لنتخيل رد فعلنا لو قيل لنا إنه سيحدث شيء غدا يخلصنا فى ضربة واحدة من حسنى مبارك وابنه، الذين سيكونون رسميا فى السجن، ورئيس المخابرات ورئيسى مجلسى الشعب والشورى وينهى سيناريو التوريث ويقضى على حكومة نظيف ويحاكم العادلى وزير الداخلية، ويختفى فى أيام الحزب الوطنى الحاكم منذ عقود ويصبح سبة لمن كان فيه ويفرض على جدول الأعمال قضايا إعادة هيكلة الداخلية بعد اقتحام مباحث أمن الدولة وفرض حلها، وأن تأسيس النقابات المستقلة صار حقا قانونيا سمح بظهور المئات منها بطول وعرض الجمهورية فى أسابيع وأن لجنة الأحزاب اختفت وأن الإخوان أسسوا حزبهم بشكل قانونى وأن الشيوعيين فى الطريق.

كيف كنا سنتعامل مع من يقول لنا وقتها إن القضايا الدستورية التفصيلية فى شأن أى نظام سياسى تتبناه مصر سيكون شأنا للمواطن العادى يبحثه ويناقشه؟ أو أن إجراءات العدالة الاجتماعية وسبل تحقيقها لفقراء بلادنا ومنتجيها صارت شرطا للشرعية السياسية على الأرض؟ كل هذا وغيره حدث وسيغير حياتنا.

لكن أهم درس وأهم إنجاز لثورتنا هو أننا لم نعد مضطرين لقبول وصاية من أحد: لا من نظام يبيع لنا استقرارا زائفا ولا من زعيم سياسى ولا من نخبة العلم والمعارف ولا حتى ممن يتحدثون من منطلقات الحقائق الدينية المطلقة أو أساطير المؤسسات الوطنية التى تقدم نفسها على أنها فوق المصالح المختلفة فى المجتمع. لقد اكتشف الشعب العامل قدرته وحقه فى استخدامها، وبتجربته الخاصة المباشرة الذاتية فى الواقع وعلى الأرض، التى لا رادَّ لها الآن.

الثورة عملية

استغرقت الثورة الألمانية أكثر من 5 أعوام من 1919-1924 قبل أن تنتهى مهزومة. وظلت بلا قائد سوى حس الشعب إلى عام 1920 قبل أن تدخل مرحلة الصراع الحزبى. أما الثورة الروسية فاستغرقت من فبراير لأكتوبر، مرورا بحرب أهلية شعبية مع الثورة المضادة، قبل أن يتلقى النظام القديم ضربة شبه قاضية لكنها استمرت تحاربه فى صورة غزو أجنبى. الثورة ليست فعلا رومانسيا ينهى كل شيء فى ضربة واحدة ثم نستكين لحياة سعيدة. صحيح أن الثورات تمثل طفرة فى حياة المجتمعات لكن من قال إن هذه الطفرة تنجز كل شيء فى 18 يوما أو حتى 5 أشهر؟ الحرب تستمر طالما هناك من يحاربون.

ما حدث فى جمعة «الثورة أولا» أمس الأول يهدينا للطريق، ويضع الأساس العملى والسياسى الصلب لتفاؤل ثورى واقعى بمستقبل بلادنا. فهاهو الشعب يعود لاستخدام قوته فى المعركة الجديدة لحرب التغيير التى لن يقبل فيها إلا ثورة كاملة مكتملة. هاهو يفرض مرة أخرى أجندته على الجميع. وهاهم الذين سكنوا إلى ما تخيلوا أنه رب النظام الجديد يجدون أنفسهم وحدهم إن لم يشاركوا فيما قالوا إنه سابقا تدمير للثورة وللبلد: أولا فى التظاهر ثم فى الاعتصام. وهاهو الإعلام الحكومى وغير الحكومى، الذى كان قد عاد إلى مستنقع الدعاية المعادية للناس تحت رايات جديدة، يضطر مرة أخرى لوضع كاميراته على الميدان مصورا القوة الجديدة التى تشق طريقها لتحكم مصر بلا منازع. الشعب يقودنا جميعا للحرية والعدالة فلنتفاءل ونسلم له الزمام.

وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات