مهرجان «أبوظبى».. خمس ملاحظات - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مهرجان «أبوظبى».. خمس ملاحظات

نشر فى : الإثنين 10 نوفمبر 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 10 نوفمبر 2014 - 8:50 ص

أن يفتتح المهرجان بفيلم إماراتى فإن هذا يحمل أكثر من معنى، خاصة حين تتحاشى الليلة الأولى صخب الأضواء والألوان، وتبتعد عن الإبهار الطنان لنجوم يتبخترون على خشبة المسرح، وكأن الاحتفال بهم وليس بعالم الأطياف.. هنا، والآن، مع عرض «من ألف إلى باء»، يغدو للمهرجان هوية وطنية واضحة، محددة، ويثبت أن استراتيجية دعم وإطلاق الطاقات الإبداعية لأبناء الإمارات، خلال السنوات الماضية، حققت الهدف منها، حتى إن المهرجان، خصص قسما منه، لأفلام الإمارات.

المقصود بالعنوان، اختزال كلمتى «أبوظبى» و«بيروت» إلى حرفى «ألف» و«باء»، وهى الرحلة التى يقوم بها ثلاثة أصدقاء، من جيل بداية الشباب: مصرى، سعودى، سورى.. الاختيار موفق وجيد، يتحرر من المحلية الضيقة ليشارف الآفاق العربية، الثلاثة، يعيشون فى «أبوظبى».. تكتسب رحلتهم معنى حياتيا إلى جانب معناها الجغرافى. كل منهم، بطريقته، يريد الانعتاق من هيمنة المجتمع الأبوى، سواء على مستوى الأسرة أو الحدود الحاسمة لدول لا يتوافر بينها ذلك التآخى الذى تتسم به علاقة الأصدقاء، وهى فكرة انتقادية لامعة، تتجلى فى صرامة تعامل نقطة التفتيش السعودية التى ترفض عبور الشباب.. يصل الأصدقاء للأردن، وفيما يبدو أن مخرجنا الشاب، مع طاقم التصوير الأجنبى، انبهر بروعة التكوينات المعمارية لمنطقة البتراء، فانغمس فى تصويرها، على نحو سياحى، يؤثر بالسلب على تدفق الفيلم الذى ينهض من جديد، حين يصل الموكب إلى سوريا.. ولأن «من ألف إلى باء»، الحذر لأسباب مفهومة من الصعب المزايدة عليه، لا يريد توريط نفسه بالوقوف إلى جانب ضد الآخر، لجأ إلى إدانة القمع الوحشى الذى يمارسه رجال النظام، باتهام الشباب بالانضمام إلى المنشقين، وحين يقع الشباب فى قبضة المنشقين، ذوى اللحى، يتعرضون لمزيد من القسوة.. هكذا، إذا كان الطريق إلى بيروت صعبا، فإن الطريق إلى المستقبل محفوف بالمخاطر.

«من ألف إلى باء»، يليق به أن يكون فى افتتاحية المهرجان.

الكتالوج.. فقط

دليل المهرجان، أو الكتالوج، هو الأفضل، بلا منازع، بين معظم الكتالوجات، فى مهرجاناتنا العربية، فإلى جانب البيانات التفصيلية للعاملين فى كل فيلم، بما فى ذلك المصورون والمونتيرون ومؤلفو الموسيقى والممثلون الثانويون، ثمة تلك الفقرات البديعة، المكثفة، المكتوبة عن كل فيلم. لا تسرد الحكاية، ولا تحلل الشخصيات، ولا تقيم العمل، ولكن، بخبرة ودراية، تبرز روحه، قضيته، بعبارات دقيقة، موحية، تكاد تحول الفيلم إلى عمل ملموس، محسوس، على الورق، الأمر الذى لا يتوافر حتى فى كتالوجات المهرجانات الأجنبية.. هذا التفوق يرجع إلى تكليف كبار نقادنا بكتابة تلك السطور، أمثال محمد رضا، هوفيك حبشيان، مصطفى السناوى، يوسف شريف رزق الله، زياد الخزاعى.. وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.

الكتالوج، هو المطبوعة الوحيدة فى المهرجان، فهل يكفى؟

الإجابة تأتيك من قلب الأنشطة المتعددة، طوال أيام المهرجان.. لا، فالبرامج الخاصة، المتنوعة، تحتاج، على الأقل، لكراسات مواكبة.. المخرج الفرنسى، الذائع الصيت، فرانسوا تروفو 1932 ــ 1984، احتفى به المهرجان، عرض له سبعة أفلام، من دون دراسة بين دفتى كتاب، مترجم أو مؤلف.. والأهم، برنامج «السينما العربية فى المهجر»، الذى أشرف عليه انتشال التميمى، متضمنا تسعة أفلام روائية طويلة، وثلاثة قصيرة، وهى، مع العشرات غيرها من أفلام المهجر، تثير قضايا تاريخية وفكرية وفنية، وتطرح أسئلة جوهرية، بدءا من تسميتها: أفلام المنفى، أو أفلام المهجر، وكيف يرى المغترب قضايا وطنه الأم، وهل تتسم تلك الأعمال بحساسية فنية جديدة، كما كان الحال بالنسبة لشعراء المهجر فى أوائل القرن التاسع عشر.. أظن، وأتمنى، قراءة الإجابات فى كتاب لم يكتب بعد.

حمولة.. أكبر من الطاقة

فيما يشبه الانفجار السينمائى، عرضت مئات الأفلام، خلال عشرة أيام، ما بين روائية وتسجيلية، طويلة وقصيرة، وكلها، يستحق ويستحيل مشاهدتها.. فهى، إما حاصلة على جوائز دولية، أو تتنافس عليها، تتسم بالقوة والحيوية، فضلا عن إبداع فنى مرموق، لكن، لأن طاقة استيعاب أى ناقد لا تتجاوز أربعة أفلام يوميا، فإن النتيجة ستصبح مشاهدة ربع أو خمس الأعمال المعروضة.

المسابقات، داخل المهرجان، متعددة، متنوعة: مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، مسابقة آفاق جديدة، ثم الوثائقية الطويلة، ومسابقة أفلام الإمارات، بالإضافة لمسابقة الأفلام القصيرة. أى خمس مسابقات، فى وقت واحد.. الأمر الذى لن يستطيع المتابع ملاحقته، لذا، ربما من الأجدى، تقسيم المسابقات على مهرجانين بدلا من مهرجان واحد.

إنتاج مشترك

فيما يبدو أن صناع السينما ومبدعوها، أدركوا فوائد الإنتاج المشترك، الدليل على هذا ذلك العدد الكبير من أفلام جاء تمويلها من عدة دول: «الوادى» لغسان سلهب، ساهم فى إنتاجه لبنان، فرنسا، ألمانيا، الإمارات العربية، قطر.. «ذكريات منقوشة على حجر»، لشوكت أمين كوركى، إنتاج العراق، ألمانيا، قطر.. «حمى» لهشام عيوش، إنتاج المغرب، فرنسا، الإمارات العربية، قطر.

الإنتاج المشترك، يزيد من ميزانية الفيلم، ويتيح له فرصة العرض والرواج فى عدة دول، فى آن.. والأهم، أنه يحقق تبادل الخبرات، خاصة فيما يتعلق بالتصوير، والمونتاج، والمؤثرات الصوتية.. ما أحوجنا، فى مصر، للإنتاج المشترك.

احتجاج.. من أجل العدل

خيط ذهبى، بالغ النقاء، يربط بين مجموعة ثمينة من أفلام، تدافع بقوة، عن حق الإنسان العادى، فى حياة كريمة، لا توفرها مجتمعات قائمة على الظلم والافتراء.. إنها أصوات احتجاج، بالصورة، آتية من أمريكا، إيران، موريتانيا، وغيرها.

«99 منزلا»، يفضح لعبة التمويل العقارى، حيث تفرض البنوك شروطا بالغة التعسف على من يشترى منزلا، فمع أول تعثر فى الدفع، يستولى البنك على العقار، بمساعدة شرطة فاسدة، وها هو بطلنا، بعد طرده فى بيته، يتحول إلى مخلب فى كف رجل الأعمال الوغد. المخرج، رامين بحرانى، استوحى حكاية «فاوست»، فالبطل، الشديد الاحتياج، يبيع نفسه للشيطان، الرأسمالى الذى يلغ فى دماء من لا حول لهم.

المخرجة الإيرانية الموهوبة، دخشان بن اعتماد، فى فيلمها «قصص» تجسد، بعين نافذة، وضمير يقظ، بانوراما واسعة لعناء الإيرانيين، وكأنها تتحدث، وترصد، ما يدور فى مصر. أناس يتحايلون على لقمة الخبز، يعملون، يكدون، بمقابل شحيح.

عبدالرحمن سيساكو، ينقلنا إلى «مالى»، التى وقعت فى قبضة تكفيريين أشد ضراوة من المستعمرين، يذيقون العاديين من الناس، أصنافا وألوانا من القمع، يضطهدون المرأة، يكرهون الموسيقى، يمنعون لعبة كرة القدم.. انهم البطش البدائى باسم الدين.. إنها أفلام بناءة، شجاعة، ولدت لتحيا، ولتثبت أن فى عالم الأطياف. ما يستحق المحبة والاحترام.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات