أفيش.. فاتن حمامة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفيش.. فاتن حمامة

نشر فى : الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 - 9:25 ص

من بين آلاف الصور التى التقطت لنجمتنا الأثيرة، على مدى سبعة عقود، اختار المصمم واحدة، ذات سحر خاص، تعبر تماما عن أعماق تلك الشخصية المتفردة التى تستحق عن جدارة أن تغدو عنوانا لمهرجان دولى، والتى تجمع بين القوة والرقة والجمال.

القوة، تكمن فى عينيها اللتين تنظران بثبات، نظرة جانبية، نحو اليسار، تتابع، ما يجرى حولها، كأنها تريد استكمال الإدراك والمعرفة.. العينان اليقظتان، متألقتان بالحيوية، تتضمنان دراما كاملة، تنبئان بفتاة تتهيأ لاتخاذ قرار، مرجعيته عقلية، ستنفذه فورا، من دون تردد. بعزيمة تتجلى فى شفتيها المضمومتين إلى بعضهما. مكمن الجمال الهادئ يكمن فى شفافية البشرة المضيئة، التى ودعت صخب جاذبية الشباب، ولم تستسلم لخطوط الزمن.

الملامح المتسقة يزداد حضورها بالاستغناء عن الشعر الطويل، واستبداله بتسريحة كالتاج، على موضة «ألاجرسون»، التى انتشرت فى الستينيات، إبان نهوض البنت المصرية، بعد أن نالت قدرا كبيرا من التعليم، وبدأت تدخل حقل العمل.. إنها هنا، تعبر عن الثقة فى الذات، والاستعداد للفعل والمواجهة.

هذه الصورة، على الأرجح، مأخوذة لفاتن حمامة، فى مرحلتها الوسيطة، بعد تحررها من أدوار الفتاة المظلومة، الضعيفة، المغلوبة على أمرها، الباكية، التى تطلب الرحمة من جلاديها.. هكذا كانت فى «اليتيمتين»، «ظلمونى الناس»، «أنا بنت ناس»، «أشكى لمين»، وكلها لمخرجنا المؤثر، حسن الإمام، الذى لم يكن وحده الذى قدم فاتن على هذا النحو، ذلك أن صورتها، كفتاة تعيسة، تجدها، حتى عند صلاح أبوسيف، فى «لك يوم يا ظالم».. وبركات فى «ارحم دموعى»، وهما المخرجان اللذان سيساهمان، بفاعلية فى تغيير صورة فاتن حمامة.

ثلاثة عوامل ساهمت فى رسم شخصية فاتن حمامة الجديدة، فى مقدمتها طبيعتها المختلفة، إن لم تكن المناقضة تماما لما جبلت عليه فى أفلام الأربعينيات والخمسينيات.. فاتن، حادة الذكاء، تعلمت اللغات، قرأت كثيرا، سافرت، عملت بجدية، تجيد الدفاع عن نفسها، صلبة، فعالة، وبالتالى، تبدو الفتاة المستسلمة بعيدة تماما عن طبيعتها.

واقعيا، تغير وضع البنت المصرية، مع الستينيات، فمع افتتاح مئات المدارس، تحررت المصريات من أغلال الجهل، ثم مع فتح سوق العمل أمام المتعلمات، تحررت البنت المصرية من تبعتها الاقتصادية للرجل.. أصبحت كائنا مستقلا، وليس مجرد تابع.

صلاح أبوسيف، وهنرى بركات، وغيرهما، استجابوا للتطورات الحادثة.. وبجرأة، أقدم أبوسيف على نسف الصورة التقليدية المكررة لفاتن حمامة، فى «لا أنام» ١٩٥٧، حيث أثبتت فاتن حمامة، أنها على الشاشة، من الممكن أن تكون مؤثرة فى المواقف والأحداث، بل تصبح شريرة إن شئت وشاءت.. فى العام التالى، يقدمها صلاح أبوسيف، فى «الطريق المسدود»، وقد تخلت عن نزعة الشر، واتجهت، بكل قواها، نحو الاستقلال البناء، فاستكملت تعليمها، وأنقذت نفسها من الانزلاق فى طريق الظلام السهل، واختارت، بحريتها، أن تعمل مدرسة، وتواجه، بجلد، فساد المتنفذين فى البلدات الريفية.

الفيلمان، مأخوذان، عن روايتين لإحسان عبدالقدوس، المتفهم، والمعبر، عن تطورات البنت المصرية، الراصد، لأمانيها وأشواقها.

عن رواية «الباب المفتوح» للطيفة الزيات، حققت فاتن حمامة بطولة الفيلم الذى أخرجه بركات ١٩٦٣، وفيه بدت القديرة فى أفضل أحوالها، تعبر، بلفتاتها، ونظراتها، وحركة جسمها، عن رفضها الواعى لسطوة الرجل ورغبته فى الهيمنة، سواء فى صورة الأب، أو الخطيب، حتى لو كان أستاذا جامعيا.. هنا، أنشودة عذبة، لمشوار البنت المصرية.

صورة فاتن حمامة، بألقها المحبب، الدافئ، الصادق، على الأفيش، تعبر عن تلك المرحلة الثرية، فى حياتنا السينمائية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات