النقد الذاتى بعد الهزيمة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النقد الذاتى بعد الهزيمة

نشر فى : السبت 10 ديسمبر 2016 - 10:55 م | آخر تحديث : السبت 10 ديسمبر 2016 - 10:55 م

نشرت صحيفة الحياة مقالا للكاتب ــ وائل سواح ــ يقول فيه أن معركة حلب ستنتهى بعد حين. لا أحد يعرف متى، ولا أحد يستطيع أن يكون متأكدا لمصلحة من؟ معظم الدلائل تشير إلى تقدّم نظام الأسد وحليفيه الروسى جوا والإيرانى أرضا. فى الداخل المحاصر، ثمة بضع مئات من المقاتلين يقاتلون، بعضهم لأسباب وطنية وآخرون لأسباب دينية وطائفية بغيضة. بيد أن ذلك لا ينفى إمكان حدوث تطوّر دولى أو إقليمى يغير فى المعادلة الراهنة وسيمنع سقوط المدينة بيد النظام.
لكن جوهر القضية ليس هنا. جوهر القضية أنه، بغض الطرف عمن يمكن أن ينتصر، ستؤسس معركة حلب لحقبة جديدة. فإذا انتصر النظام، سيكون قد نجح فى تحقيق هدفه بحشر كل خصومه من معارضين وطنيين ومن متطرفين وإسلاميين وإرهابيين فى بقعة صغيرة هى إدلب. وكان قد نجح للتو فى إلحاق مقاتلى مدينة التل بسابقيهم من مدينتى داريا والمعضمية، الذين تمّ ترحيلهم جميعا إلى إدلب.
يضيف سواح أنه فى حال سقوط حلب، تكون اللعبة قد انتهت، فلا جيش الإسلام وفيلق الرحمن فى الغوطة سيشكلان تحديا حقيقيا للنظام. ولا ما تبقى من جبهة جنوبية تخلّى عنها الأمريكيون سيقف عائقا فى وجه هيمنة الأسد على كامل ما يسميه البعض «سورية المفيدة». ولن يكون لدى النظام أى مانع من أخلاق أو دعم سياسى فى أن يوجه ضربة ماحقة لإدلب أو أن يتركها هدية للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، كما فعل فى الرقة.
أما إذا خسر النظام رهانه، فإن الرابح فى هذه الحالة لن يكون المعارضة السياسية ولا الهيئة العليا للمفاوضات، بل ستكون التنظيمات المتطرفة التى ستحكم قبضتها على المدينة، وتلهم القوى الشبيهة له بإحكام قبضتها على مناطق نفوذها.
هما خياران، أحلاهما مرّ. فخسارة المدينة ستعنى سيطرة شبه مطلقة للنظام، وخسارة كبيرة للمعارضة. ولن يُعتَدّ عندها برأى السيد جورج صبرا، كبير مفاوضى المعارضة السورية، فى مقابلة مع بى بى سى الشهر الفائت، من أن خسارة حلب «لن تكون نهاية للثورة». فللرجل أن يقول ذلك. وله أن يضيف أن حلب «ليست آخر مكان (...) لدينا الآن العديد من المناطق تحت سيطرة الجيش السورى الحر».
الجيش الحر! قبل أيام، تحدث العقيد عبدالجبار العكيدى، القائد فى الجيش السورى الحر، فى ندوة افتراضية مغلقة مع مجموعة من المهتمين، فحكى هموما تمسّ شغاف الحق والحقيقة. ومما قاله، أن إجرام النظام السورى وأسلمة الثورة لعبا دورا كبيرا فى تشويه صورتها، وأن الجيش السورى الحر ليس جيشا وإنما مجموعة من الفصائل لا يجمع بينها جامع. وأضاف أن هيئة الأركان الخاصة بهذا الجيش لم تكن لها يوما الكلمة الفصل فى قيادته، لأن أحدا من الداعمين لم يتعامل معها على أساس أنها هيئة أركان وإنما ساعى بريد لإيصال المساعدات العسكرية للفرق المحسوبة على هذا الطرف أو ذاك. قد لا يعجب هذا الكلام كثرا من السوريين، لكنه أمر واقع لا بد من أن نواجهه، ربما اليوم أفضل من بعد زمن.
***
يشير سواح أيضا أن اليوم، بدأ بعض المثقفين السوريين يتحدث عن الهزيمة وضرورة الاعتراف بها. وراحوا ينادون بعملية نقد ذاتى للثورة. النقد الذاتى أمر جيد وضرورى. السؤال، كيف يكون نقدا وكيف يكون ذاتيا. فالنقد ليس حطّا من قيمة كل ما فعلته الانتفاضة السورية وليس سخرية من الذين قدّموا للثورة وقتهم وجهدهم وحريتهم وحياتهم. لا يمكن القول: «أخطأت الثورة هنا وهناك»، الثورة ليست شخصية اعتبارية لتخطئ أو تصيب. وسيتعين على النقد الذاتى للثورة أن يشير إلى المخطئين ويحملهم المسئولية. كما يتعين على النقد الذاتى أن يشير إلى الذات ــ الأنا ــ فيشمل بذلك القادة والمفكرين والسياسيين وكتاب الرأى فى العملية النقدية، ويشمل كل «أنا» سواء كانت فردا أو جماعة.
بيد أن أهم من ذلك، أن النقد الذاتى لا يجب أن يستحيل وسيلة للقفز من المركب الغارق. يجب أن يتذكر الجميع أنهم على سطح مركب واحد متداع ومتهالك. سبب تهالكه هو عنف النظام وفجوره أولا، ثم الطريقة التى قاربنا فيها المسألة باستسهال واستهتار أحيانا.
ويختتم بأن، ما بين السيد صبرا وإعلانه أن «ما من أحد يفكر فى الحلول السلمية فى ظل هذه الظروف الحالية»، وبين من يسعى إلى القفز من المركب المتهالك، لا بدّ أن يكون ثمة مكان لقادة حقيقيين يقومون بعملية نقد ذاتية حقيقية وعميقة، يشملون فيها أنفسهم ويبحثون عن حل عملى وأخلاقى ومبدئى للمأساة السورية.

الحياة ــ لندن
وائل السواح

التعليقات