الترامبيزمو - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الترامبيزمو

نشر فى : السبت 10 ديسمبر 2016 - 10:55 م | آخر تحديث : السبت 10 ديسمبر 2016 - 10:55 م
الترامبيزمو ــ نسبة إلى ترامب ــ هى الكلمة الجديدة التى صاغها الإيطاليون للتعبير عن الاتجاه اليمينى الشعبوى العنصرى الذى أخذ يجتاح أوروبا والعالم فى الآونة الأخيرة.. (فى آسيا يطلقون على دويترتى رئيس الفلبين الجديد ــ ترامب الشرق).
ومن دلائل ترسخ هذا التيار فى إيطاليا ما ظهر فى أجواء الاستفتاء الدستورى الذى أجرى يوم الأحد 4 ديسمبر الحالى الذى يرى المراقبون أنه فتح المجال لقيام الثورة الشعبوية الثالثة بعد البريكست فى بريطانيا (الخروج من الاتحاد الأوروبى) وبعد انتخاب دونالد ترامب فى أمريكا وهو الاستفتاء الذى دعا إليه رينزى رئيس وزراء إيطاليا وعلق مستقبله السياسى على نتائجه، فقد أعلن أنه سيستقيل لو رفض الشعب التعديلات الدستورية التى يقترحها.

وتقضى هذه التعديلات بإحداث تغييرات جذرية فى النظام الحالى من بينها تقليص سلطة مجلس الشيوخ (السناتو) وتحويله إلى مجلس استشارى غير منتخب، أى بالتعيين، وتوسيع سلطات رئيس الحكومة، وتعديل النظام الانتخابى بحيث يسمح لأى حزب يحصل على أكثرية ولو بسيطة بتولى الحكم من خلال إضافة 50% من المقاعد إليه حيث يرى رينزى ــ وهو محق ــ أن عدم الاستقرار السياسى فى إيطاليا يعود إلى حد كبير إلى النظام الانتخابى الذى يجعل من الصعب على أى حزب الحصول على أغلبية مطلقة.

كما أن وجود مجلسين ذَوَىْ سلطات متقاربة يقود إلى بطء العملية التشريعية بل إلى توقفها فى حالة تعارض الرأى بين المجلسين.. ولقد شهدت إيطاليا أكثر من ستين حكومة منذ نهاية الحرب العالمية بسبب النظام السياسى والدستورى القائم فى البلاد والذى يسعى الاستفتاء إلى تغييره.

***

عندما تقدم رينزى باقتراح إجراء هذا الاستفتاء المصيرى، كان يمتطى موجة جارفة من التأييد الشعبى جعلته يطمئن إلى النتيجة ويعلق مستقبله السياسى على نتيجة هذا الاستفتاء.

إلا أنه سرعان ما تغير اتجاه الريح وسرعان ما بدأت الموجة المضادة تأخذ زخما حتى أتى الآن «الكوميديان» السابق الذى تحول إلى السياسة بيبى جريللو Beppe Grillo والذى يرأس حركة باسم النجوم الخمسة ــ وسرعان ما أصبح زعيما للمعارضة بعد تحالفه مع زعيم التيار اليمينى المتطرف ماتيو سالفينى رئيس حزب رابطة الشمال وأصبحت خطاباته تلهب مشاعر الجماهير التى تردد وراءه هتافه الشهير مخاطبا الطبقة الحاكمة a casa أى إلى منازلكم..

وشعار آخر أطلقه مستوحى من حملة ترامب ومن حملات البريكست وهو «السلطة للشعب».. وتدعو حركة النجوم الخمسة إلى استفتاء بشأن الخروج من منطقة اليورو.

لذلك فإن أوروبا أخذت تمسك أنفاسها وهى ترقب هذا الاستفتاء الذى خرج عن المسار الأصلى له وأصلح استفتاء على مصير إيطاليا ومصير الاتحاد الأوروبى.

لا يخفى هذا التيار إعجابه بدونالد ترامب ولا يكفون عن مقارنة حركتهم بحركة ترامب وعندما فاز ترامب صرخ سالفينى «لقد جاء دورنا»، «إنها ضربة قاصمة للعولمة والانتقام الشعبى الكبير من المصرفيين والمضاربين والصحفيين»!.
وزعماء هذا التيار الذى يمثل قوة توازى قوة الحزب الديموقراطى الذى يتزعمه رئيس الوزراء رينزى، أقول: زعماء هذا التيار الشعبوى أصبحوا يحاكون ترامب فى كل شىء، فحملتهم الانتخابية شديدة الشبه بحملة ترامب حتى إنهم أصبحوا يرتدون الكاسكيتة الترامبية الشهيرة.

وقد وجدت الحركة الشعبوية المعارضة أرضية خصبة فى المناخ الاقتصادى المتردى فى إيطاليا، فالبطالة 11% و40% بين الشباب الذى شرع يهاجر بالآلاف إلى خارج البلاد (107 آلاف فى العام الماضى) فضلا عن أن الانصهار الاقتصادى الذى حدث عام 2008 وتلته الأزمة المالية منذ ثلاث سنوات قد قضى على ربع الصناعة الإيطالية، وانخفض مستوى الدخل عما كان عليه عام 2007، وتوجه الغضب الإيطالى نحو الاتحاد الأوروبى حيث يرون أنه خذلهم ولم يساعدهم بالقدر المأمول.

***

هذا الغضب الذى تولد تجاه الاتحاد الأوروبى وبسبب الحالة الاقتصادية الداخلية بالإضافة إلى الخشية من فقدان التوازن بين السلطات بالإضافة إلى انتعاش تيار اليمين المتطرف بعد فوز ترامب فى الولايات المتحدة وبعد البريكست فى بريطانيا، كل هذه العناصر أدت إلى الهزيمة الساحقة التى منى بها ماتيو رينزى فى استفتاء يوم الأحد الماضى حيث رفض 60% من الناخبين تعديلاته الدستورية مما أدى إلى إعلانه الاستقالة والانسحاب من الحياة «الحكومية».
وقد تولى رينزى الحكم عام 2014 وهو فى سن الـ39 سنة مما يجعله أصغر رئيس وزراء إيطالى فى التاريخ الحديث وبخروجه الدرامى من المشهد دخلت إيطاليا فى حقبة جديدة من عدم الوضوح ولم يعد بالإمكان التأكد من اتجاه المسار الذى ستأخذه حيث ستتولى إدارة البلاد حكومة تصريف أعمال لحين إجراء الانتخابات النيابية.
سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات