سياسة تجفيف منابع الثورة - وائل قنديل - بوابة الشروق
الجمعة 12 ديسمبر 2025 6:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

سياسة تجفيف منابع الثورة

نشر فى : الخميس 12 يناير 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 12 يناير 2012 - 8:00 ص

يبدو أن الأمور تسير على هذا الحو: الحبس أو الحبس.. إما أن يقبل شباب الثورة بأن يساقوا إلى القفص البرلمانى بالتعيين تنفيذا لرغبة المجلس العسكرى، ونزولا عند إرادته فى اعتقال الطيور الطليقة داخل أقفاص زجاجية ملونة.. أو يساقوا إلى النيابات والمحاكمات بسخيف الاتهامات وطريفها، وما يدعو إلى الأسى على العقلية التى تدير أمور البلاد.

 

إن الهدف من استدعاء أيمن نور ونوارة نجم ومظهر شاهين وطارق الخولى للتحقيق فى اتهامات فضفاضة ومطاطية ــ يعلم مخترعوها أنها عبثية وباطلة ــ هو إرباك خلايا الثورة الحية واستهدافها بجرعات مكثفة من القصف مع اقتراب 25 يناير، فى إطار ما يمكن تسميته بتجفيف منابع الثورة، وحرق أرضية الميدان تحت أقدام الرموز الفاعلة فيه، وإغراقها بالمياه كى لا يصبح جاهزا إلا لمهرجانات احتفالية بلا مطالب وبلا معنى.

ولا يمكن النظر إلى استدعاء خطيب الثورة ونوارة الميدان وعدد من النشطاء البارزين بعيدا عن تلك الخشونة التى تطل برأسها من تصريحات المسئولين فيما يخص التعامل مع 25 القادم، والرسالة هنا واضحة للثوار العاديين: أنتم بلا غطاء، وبلا أى سقف يحميكم، ومن تظنون أنهم سند لكم سنقتلعهم من الميدان.

ولعل الفرق الشاسع بين رؤية المجلس والحكومة ليوم 25 يناير، وبين رؤية الثوار لها، فالمعسكر الأول يتعامل معها باعتبارها الذكرى السنوية الأولى، والثانى يرى فيها العيد الأول، والموعد الحتمى لاستئناف المشوار الطويل الصعب نحو الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

 

الطرف الأول يريدها أشبه بالمولد، مراجيح وطبل أجوف وغناء مجفف، والطرف الثانى يريدها وقتا للحساب والمراجعة، وتدقيق النظر فيما تحقق من أهداف ومطالب، وما تمت سرقته واختطافه والتحايل والالتفاف عليه.

طرف يستحضر لحظات احتضار الشهداء فى الميدان ويسمع أنات أرواحهم وهى تصعد إلى بارئها، ويحفظ خرائط إصابات الجرحى عن ظهر قلب، وطرف آخر ينطق كلمة الشهداء بتأفف ويتمنى لو الأرض انشقت وابتلعت المصابين.

 

طرف يعرف قدسية الميدان والدماء التى سالت على أرضه، وطرف يتمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعت التحرير بما فيه.

 

طرف ينشد له ويغنى الأبنودى وسيد حجاب ونجم وعلى الحجار، ويعبر عن أحلامه الراحل الجميل إبراهيم أصلان وعلاء الأسوانى ومحمد المخزنجى وعشرات من المبدعين المصريين.. وطرف لا يطرب إلا لخوار مطرب العباسية، ويعتبره مرجعيته الفكرية والحضارية.

 

وبين الطرفين، ثالث رضى من الغنيمة بما حصد من مكاسب، يتعامل مع الثورة وميدانها بالقطعة، يغترف منها حتى يرتوى فينصرف عنها، حتى إذا ظمأ جاء مرة أخرى ليقضى حاجته ثم يروح.

وائل قنديل كاتب صحفي