الدستور والأزهر «3» - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدستور والأزهر «3»

نشر فى : الجمعة 11 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 يناير 2013 - 8:00 ص

(1)


إذا قرأت مشيخة الأزهر وهيئة كبارها ومجمع بحوثها المادة (219) من الدستور لأدركت أن الأقدار قد ألقت على كاهلها أعباء جساما، فهل تنهض المشيخة وتوابعها وتستعيد عافيتها، وتعوض ما فاتها فيصدر عنها «مرجع علمى جامع مانع» يضم رؤية الأزهر واختياراته الفقهية التى يلتزم بها كل من «السلطة التشريعية» فيما يصدر عنها من قوانين، و«السلطة التنفيذية» فيما يصدر عنها من قرارات، و«السلطة القضائية» فيما يصدر عنها من أحكام، و«السلطة الدستورية» فيما تصحح به المعروض عليها من نصوص مطعون فى دستوريتها، وأهم من ذلك،هو احتضان المجتمع ورضاه عن القواعد والنظريات التى يستمد الجميع منها مشاعره، وثقافته ويبنى عليها علاقاته، ويعرف ما له وما عليه، كما يعرف الجميع نص القانون الذى سيطبقه القاضى عند اللجوء إليه فى نزاع.

 

(2)


 لقد ولت إلى غير رجعة «فكرة القاضى المشرع» الذى يستخرج أحكامه من بين تصورات الفقهاء والعلماء، ثم يفرض هذا الحكم على طرفى النزاع فيرتضونه، حيث إن القاضى المشرع كان ابن بيئته، ومصدره هو الفقه المتداول حوله الذى تعارف عليه المجتمع، فكان القاضى يختار مما شاع واشتهر وتراضى عنه الجميع.

 

وقد أراح الله العالم جميعه وأمتنا الإسلامية من «القاضى المشرع» نظرا لخطورته، إذ إن اجتماع «التشريع والقضاء» فى يد واحدة لا يصلح ولا يقبل إلا من نبى أو رسول لارتباطهما بالوحى، والوحى لا يضر، أما غير الأنبياء فلا حق لهم فى الانفراد «بالتشريع والقضاء» كما يجب ألا ننسى أن «ضرورة القاضى المشرع» وجدت فرصتها حيث كان الفقه عملا مجتمعيا لا علاقة للسلطة به.. أما إذا اقترن التشريع بالسلطة فلابد من أمرين أحدهما أشد لزوما من الآخر، أما أول الأمرين فهو: اقتدار «أهل التشريع» على التعبير عن تلاقى ثوابت الشريعة مع متغيرات الفقه الناشئة عن متغيرات المجتمع، وثانى الأمرين هو «استقلال القضاء» عن السلطة التنفيذية وابتعاده عن مسئولية التشريع، وباختصار شديد فإن كل نظام يحاول «الجمع بين التنفيذ والتشريع» فهو «شروع فى فرعونية جديدة» وكل نظام يحاول «الجمع بين التشريع والقضاء» فهو مدع للنبوة ولا مكان لهما فى قلوب الناس ولا فى بلادهم.

 

(3)


ومع أن أدلة ومصادر جميع مذاهب أهل السنة والجماعة متوافقة مع الشريعة التى «مصدرها الوحيد» هو «الوحى الإلهى وبيانه النبوى»، إلا ان هذا الاتساع الضخم للثروة الفقهية الموروثة عن جميع روافد أهل السنة والجماعة لا يتصور بقاءه مفتوح الطرفين من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار إلا فى معرض التأريخ لتطور التفكير والفقه، أما إعمار الحياة فالإنسان الفرد حر ــ فى كل زمان ومكان ــ يختار لنفسه ما يشاء ويعتبره مذهبه، أما حينما يكون الاختيار لمجتمع وأمة تعيش عالما فسيحا لا سقف له إلا السماء ولا حواجز طبيعية أو صناعية بينه وبين سائر البشر، فإن المجتمع الذى أوكل بعض حقوقه للدولة ومنها حق التشريع لا يقبل من دولته مرجعا تشريعيا غير منضبط بسبب تعدد المناهج وتنافس المذهبيات، فالتشريع الذى يستقر به المجتمع يجب أن يكون معروف السقف والأبعاد كما هو معروف المصدر والجذور، أما أن يظن أعضاء هيئة التشريع حقهم فى اختيار أى نص من تراث التجارب السابقة فيجعله تشريعا، أو يظن أحد المواطنين حقه فى الاستناد لنص تراثى كحجة لتصرفه مع الغير، أو يظن محام إمكانية مقارعة حجة النيابة العامة بما يحبه هو من قول منسوب لصحابى أو تابعى أو فقيه، فذلك ما لا يصلح «كتشريع مجتمعى»، فالمجتمعات لا تبقى ولا تنتج ولا تشارك فى الشهود الحضارى العالمى بغير تشريع ثابت مشهور للجميع كما لو كان بندا فى بنود العقد السياسى.

 

(4)


 إن اتساع فكر أهل السنة والجماعة اتساع حميد يستوعب جميع النماذج البشرية المعتدلة، لكنه مازال بحاجة شديدة إلى جهد واجتهاد تتيح لأبناء العصر فى مصر إذا اختاروا رأيا أن يصادف اختيارهم «وسطية الإسلام» التى لا تألف «انغلاق القبيلة والبادية» كما لا تألف «عشوائية غير معقولة»، وإن استند كل منهما للفقه واتصل نسبه بتجارب تاريخية، وادعى ان ما يراه هو الإسلام.. فإن القدر المشترك بين أبناء الأمة الواحدة يفرض «جهاد المجتهدين» لاستخراج فقه أصله ثابت الجذور فى الشريعة، وساقه فارعة مستقيمة، وفروعه وأوراقه زاهية عالية فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها، وذلك كله أحد المهام المنتظرة من مشيخة الأزهر وتوابعها.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات