(الرئيس أولاً) الإجابة الصحيحة عن الأسئلة المعكوسة - باكينام الشرقاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(الرئيس أولاً) الإجابة الصحيحة عن الأسئلة المعكوسة

نشر فى : السبت 11 فبراير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : السبت 11 فبراير 2012 - 9:10 ص

كنت قبل مجزرة بورسعيد ممن يوافقون على الالتزام بالجدول الزمنى المعلن من المجلس العسكرى بتسليم السلطة فى 30 يونيو، الا ان الفاجعة غيرت من قراءتى للمشهد واولويات الحركة وتقييمى لعامل الوقت. القناعة التى تولدت لدى ان كل يوم نكسبه بالتبكير بانتخابات الرئاسة هو مكسب للوطن: مواطنين ودولة، ثوار وجيش. بانتخاب رئيس للجمهورية تتسلم المؤسسات المدنية المنتخبة مقاليد ادارة البلاد، وتكون البداية الحقيقية لتحقيق مطالب الثورة سواء من حيث هدم النظام القديم والقصاص للشهداء او من حيث بناء مؤسسات الدولة الجديدة التى نطمح اليها. إنه الحل السياسى الجذرى لحالة التأزيم المتكرر التى اتسمت بها المرحلة الانتقالية، كما أنه المسار الاقل كلفة لمعالجة تداعيات مذبحة بورسعيد. ومن الضرورى التوحد حول هذه الخطوة وألا تتفتت الجهود بطرح خطط بديلة غير عملية وتثير الانقسامات والمشاكل اكثر مما تدفعنا للأمام مثل فكرة نقل السلطة لرئيس مجلس الشعب او انتخاب مجلس رئاسى مدنى.

 

●●●

 

ومن بين التداعيات السلبية لكارثة بورسعيد أنه بدلا من ان تتفق جميع القوى السياسية على ضرورة التبكير بالانتخابات الرئاسية، بدأ تكرار نفس الجدل العبثى وطرح الأسئلة المغلوطة التى تستنزف الطاقات والوقت مثل الرئيس أولا أم الدستور أولا، بالرغم من علم الجميع بأن الاعلان الدستورى رسم مسار الرئيس اولا بتحديده الشروط الواجب توافرها فى المرشح وآليات قبول ترشيحه، كما حدد سلطات الرئيس حتى كتابة الدستور الجديد. كما أنه بدلا من أن تدفع مأساة بورسعيد إلى ادراك فداحة ثمن استمرار المجلس العسكرى حاكما للبلاد، بدأ طرح اسئلة معكوسة تبرر اجاباتها الخاطئة الفشل السياسى فى إدارة المرحلة الانتقالية بل وتحذر من مغبة التسرع الآن فى نقل السلطة.

 

ومن بين هذه الاسئلة المعكوسة المنتشرة فى الآونة الاخيرة: لماذا لا نصبر ليونيو حتى تهدأ البلاد؟ بينما ان السؤال الأصح هو لماذا نصبر ليونيو حتى تشتعل البلاد؟ وبدلا من التساؤل عما يضير فى الانتظار؟ نسأل من باب أولى ماذا يضير فى التبكير ــ خاصة اذا كان محسوبا وممكنا من الناحية المؤسسية والدستورية ــ؟ كما يتساءل البعض ألا يؤدى غياب حكم العسكر إلى الفوضى؟ فى حين ان الواقع المتردى للأمن والاستقرار لابد ان يدفعنا لسؤال مغاير: وهل منع حكم العسكر الفوضى؟ ثم بدلا من البحث عمن هو الطرف الثالث المتسبب فى كوارث متتالية؟ لابد من طرح سؤال اجابته اسهل واوضح وهو من ترك الساحة للطرف الثالث كى ينشط ولم يستطع كشفه او منعه او القبض عليه؟

 

كشفت فاجعة بورسعيد عن الحاجة الملحة لانتخاب الرئيس فى اقرب فرصة ممكنة باعتباره الطريق الانسب لحماية الدولة المصرية من التفكك، وذلك ليس إعادة إنتاج لتشخيص السلطة او البحث عن المنقذ البطل وإنما إيذانا ببدء مرحلة جديدة تأتى بإدارة افضل للبلاد تعبر عن روح الثورة وطموحاتها وتعكس ارادة حقيقية لتطهير وإعادة بناء أجهزة الدولة واصلاحها بجدية وحسم.

 

●●●

 

لقد اتفق المصريون على فهم واعٍ لأسباب فاجعة بورسعيد، الا انهم اختلفوا حول اسلوب التعبير عن الغضب وكيفية الضغط من اجل المحاسبة وترتيب اولويات الحركة. ولا يجب ان تقف معالجة الموقف عند شحن المشاعر، انما يجب ان تمتد لتفعيل التشخيص السليم لاسباب الكارثة من اجل وضع ايدينا على الحلول الجذرية. ولا شك ان احداث بورسعيد حلقة مأسوية اخرى فى سلسة من الازمات المتتالية التى تتصاعد خطورتها سياسيا وتكلفتها بشريا من دماء شهدائنا الغالية، كما تتشابه جميعها من حيث توقيتات ارتباطها بتحولات كبرى منتظرة سواء انتخابات برلمانية او رئاسية، ومن حيث تزامنها مع تكرار وتزايد اعمال السطو والخطف وتهريب المساجين فى لحظة ما لتضخيم الشعور بالفوضى، ومن حيث الاسلوب الذى فيه البلطجى هو الاداة المستخدمة لنشر العنف ولإثارة مناخ البلبلة وضرب وحدة الصف الثورى. إلا أن كارثة بورسعيد تزيد على غيرها فى ثلاثة امور مهمة لابد من الانتباه اليها:

 

أولا: انها تأتى كاشفة عن تراخ واضح فى تطهير وإعادة هيكلة اجهزة الدولة وعلى رأسها وزارة الداخلية. فبالرغم من كثرة المناداة بإصلاح جهاز الشرطة وإعادة صياغة فلسفة عمله وتطوير أدائه، الا انه بات من الواضح أن المقاومة من داخل الشرطة كبيرة وان الارادة من فوقه غائبة، حيث إنه بعد عام طويل اضعناه ظل مفهوم التطوير وإعادة الهيكلة قاصرا على التوسع فى حركة تنقلات ضباط الشرطة ليس إلا، حتى أنه عقب هذه المجزرة التى هزت مصر والعالم والتى دلت على تقصير امنى رهيب يصل وفق تقرير لجنة تقصى الحقاق التابعة لمجلس الشعب لحد التواطؤ، فإن رد فعل وزير الداخلية كان نقل مدير الامن وليس حتى التحقيق معه وإيقافه. المشكلة الكبرى بحق هو استمرار عدد من قيادات الشرطة فى انكار الحاجة إلى الاصلاح والاخطر غياب الادراك ان الممارسات السابقة كانت خاطئة من أساسها.

 

ثانيا: إنها تأتى متزامنة مع موجة جديدة ــ ولكنها الاخطر على الاطلاق ــ من الانفلات الامنى، لماذا هى الاخطر؟ لانها لا تهدد الاستقرار فقط ــ على خطورة ذلك ــ بل تفرض ضغطا كبيرا على تماسك الدولة. فقد شهدت مصر فى الايام الاخيرة حالة من التصعيد المكثف لجرائم لم نكن نعرفها من قبل مثل تكرار احداث السطو على البنوك والبريد، واحتجاز الرهائن سواء من العمال الاجانب او من السائحين، واقتحام الاقسام وتهريب المساجين، وعمليات الخطف ثم الاعلان عن النجاح فى إرجاع المختطفين بعد تخفيض الفدية!! هذا بالاضافة إلى التراخى فى تطبيق دولة القانون لمواجهة ثقافة قطع الطريق الذى أزعم انها بدأت تنتشر باعتبارها وسيلة مسموعة لرفع المظالم، والتى تتواكب احيانا مع تحطيم السيارات ومحاصرة المنشآت العامة بدون تفعيل اى رادع قانونى. ناهيك عن طريقة التعامل مع ازمة الضبعة وإغلاق هويس إسنا التى كشفت عن يد مرتعشة فى تطبيق القانون لحماية مصالح الدولة وامنها القومى. إن المواجهات القانونية الحكيمة ولكن الحاسمة لهذه الاحداث ما كانت لتلقى اى اعتراض من الرأى العام المصرى، كما يتم الترويج كثيرا لتبرير التقاعس عن حماية الدولة.

 

ثالثا: انها تأتى كاشفة عن اشكالية العلاقة بين العسكرى والمدنى والتى تتجلى ليس فقط فى اختلاف القوى السياسية حول الموقف من المجلس العسكرى وإنما فى ادراك الوعى الجمعى لدور المؤسسة العسكرية فى منظومة أمن الدولة. فكثيرا ما نتحدث عن تسليم السلطة وكأن المؤسسة العسكرية ستهاجر وتترك البلد للضياع. إن تسليم السلطة يا سادة يعنى أن تعود الإدارة السياسية إلى سلطة مدنية ويعود الجيش من خلال وزارة الدفاع (باعتباره جزءا من السلطة التنفيذية) ليقوم بدوره فى تدعيم منظومة الأمن الداخلى متى استمرت الحاجة إلى ذلك، ولكن فى ظل منظومة ادارة سياسية مدنية تمتلك الرؤية الاشمل والإرادة الأقوى لحماية هيبة الدولة وإعادة بناء اجهزتها.

 

●●●

 

إن أهم إنجاز مرره المجلس العسكرى عندما أراد هو تأمين عملية انتخاب مجلس الشعب الذى أضحى المؤسسة الشرعية المالكة لصلاحيات مراجعة قانون انتخابات الرئاسة وتحديد مواعيدها. أؤيد الاتجاه الداعى لفتح باب الترشيح مباشرة عقب الانتهاء من انتخابات مجلس الشورى، على أن تكون الانتخابات فى النصف الاول من شهر ابريل. وأرجو الا نعود للسؤال المعكوس وما الفرق بين ابريل ويونيو؟ لا شك ان النواب يدركون المسئولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم لاخراج البلاد من ازمتها ولحماية الدولة من التآكل، ولعل أول القرارات الكبرى الذى يجب ان يخرج من تحت قبة برلمان الثورة هو رسم خارطة طريق قصيرة لنقل السلطة لحكم مدنى منتخب. نريد رئيسا منتخبا فى اقرب فرصة حتى يدور عجل الانتاج والاقتصاد والاستقرار والاهم حتى يقف عجل الدم والفوضى والانفلات الأمنى.

باكينام الشرقاوي أستاذة العلوم السياسية فى جامعة القاهرة
التعليقات