تقدم على طريق الندامة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تقدم على طريق الندامة

نشر فى : الخميس 11 فبراير 2016 - 10:25 ص | آخر تحديث : الخميس 11 فبراير 2016 - 10:25 ص

قررت محكمة النقض إلغاء الحكم بإعدام ١٤٩ شخصا ودعت إلى محاكمتهم أمام دائرة جنائية أخرى، وكان ذلك رابع حكم تلغيه المحكمة لنفس القاضى. فى قضية أخرى اكتشفت المحكمة أن ثمة تلاعبا فى تشكيل هيئة المحكمة بحيث حضر جلسة النطق بالحكم قاضيان غير اللذين سمعا المرافعة ولم يوقعا على المسودة. وفى واقعة ثالثة أصدر مجلس الدولة بيانا شديد اللهجة انتقد فيه وزير العدل واستهجن ما اعتبره «تدخلا صارخا» من جانب الوزير فى عمل جهة قضائية مستقلة. هذه الأخبار التى نشرتها الصحف متناثرة فى الآونة الأخيرة بمثابة «عيِّنة» من القرائن الدالة على الأزمة التى يعانى منها مرفق العدالة فى مصر، وهى أزمة مسكوت عليها رغم خطورتها التى تتجاوز بكثير أزمة ممارسات الأجهزة الأمنية التى تطل علينا شواهدها وتصدمنا حينا بعد حين، كما ترددت أصداؤها قوية فى العالم الخارجى بعد حادث تعذيب وقتل الباحث الإيطالى ريجينى. وإذ لا أقلل من حجم الممارسات التى تنسب إلى الأجهزة الأمنية، وأعتبرها انتهاكات جسيمة لكرامة الإنسان المصرى وحقوقه، وإساءة بالغة للنظام القائم، فإننى عند رأيى فى اعتبار أزمة العدل أكثر خطورة وأعمق أثرا. ذلك أن ممارسات الأجهزة الأمنية مرتبطة بالسياسات التى يمكن أن تتغير تبعا لتقلباتها. أما أزمة مرفق العدالة فقد تؤثر التقلبات السياسية فى بعض قطاعاته دون الأخرى، إلا أن أخطر ما فيها أنها تهدر ثقة الناس فى القضاء وتشكك فى استقلال بعكض القضاة، وهو ما يستغرق عقودا لتقويمه وإصلاحه بحيث يستعيد القضاء كبرياءه وشموخه.

أدرى أن مصادر التشوهات التى أصابت مرفق العدل محدودة فى ذلك القطاع المهم والحساس. الذى يضم نحو ١٦ ألف قاض، إذا أضفنا إليهم قضاة مجلس الدولة. مع ذلك فإن محدودية تلك المصادر سحبت الكثير من رصيد الثقة فى القضاء. فى داخل مصر وخارجها. فالدوى الذى أحدثته دعوة وزير العدل إلى قتل عشرة آلاف إخوانى أو متعاطف معهم مقابل كل جندى يقتل، تجاوز الحدود المصرية العربية. وهو ما دفع منظمة حقوقية دولية مثل هيومان رايتس ووتش يوم الاثنين الماضى (٨/٢) إلى توجيه رسالة إلى الرئيس السيسى طالبته فيها «برد قوى» على ما وصفته بأنه دعوة للقتل الجماعى، تتعارض مع الدستور المصرى والقانون الدولى، إذ لا يخطر على بال إنسان سوى أن يطلق الدعوة وزير مسئول فى دولة عصرية فضلا عن أن يكون وزيرا للعدل.

إن النقد الغاضب والحاد الذى وجهه مجلس الدولة لوزير العدل، كان سببه أن الوزير استنكر رفض المجلس طلبه تعديل قانون الإجراءات الجنائية بحيث يسمح للقاضى بالاستغناء عن الشهود فى القضايا المنظورة. وهو ما يعد إهدارا للحق فى الدفاع وإخلالا فادحا بسير العدالة، لا يتصور أن يصدر عن وزير للعدل.

الأمر الذى يثير الدهشة أيضا أن الوزير منذ تولى السلطة عمد إلى التنكيل بكل من اختلفوا معه أثناء رئاسته لنادى القضاة، خصوصا المجموعة التى تبنت الدفاع عن استقلال القضاء بين عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٦. ولم يسلم من التنكيل الذين رفعوا دعوى ضده فى عام ٢٠١٠ بسبب بيعه لقطعة أرض فى بورسعيد يملكها النادى. وحين رفضت الدعوى فى عام ٢٠١٢، فإن الرجل الذى كان رئيسا للنادى آنذاك ما إن عين وزيرا حتى وجه بمطالبة كل واحد ممن رفعوا الدعوى (١٥ قاضيا) بمبلغ ٧٥٠ ألف جنيه بدعوى تسوية الرسوم، التى قضى مجلس الدولة ببطلان قانونيتها فى وقت لاحق.

قائمة لمخالفات والمكايدات طويلة. ومن أبرزها استخدام تقارير أجهزة الأمن فى تصفية الحسابات والكيد للمخالفين. وللأسف فإن تلك التقارير أو التحريات استخدمت كدليل للإدانة فى أغلب القضايا السياسية التى نظرتها المحاكم فى الآونة الأخيرة، رغم أن المحكمة الدستورية العليا لم تعتبرها دليلا يعتد به، ولذلك فإن الأحكام جميعها مصيرها البطلان إذا ما عرضت على محكمة النقض. وفى الأسبوع المقبل (يوم ١٤/٢)يفترض أن ينظر القضاء فى اتهام نائب رئيس النقض المستشار ناجى دربالة بالدعوة إلى تأسيس حركة «قضاة من أجل مصر» بناء على تحريات الأمن. فى حين أن الرجل كان معارا لدولة الإمارات ولم يكن موجودا فى مصر فى الفترة ما بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠١٢. فضلا عن أن له كتابات منشورة انتقد فيها موقف الحركة.

ذلك كله فى كفة والمذبحة التى تعد لعزل ٥٥ قاضيا ممن وقفوا ضد تزوير الانتخابات ودافعوا عن استقلال القضاء واشتركوا فى إصدار بيان فى عام ٢٠١٣ دعوا فيه إلى احترام الدستور والقانون وطالبوا أطراف النزاع بالاجتماع على كلمة سواء تحقق صالح الوطن. وما أقدموا عليه كان بمثابة محاكاة للبيان الذى أصدره المستشار ممتاز نصار فى عام ١٩٦٨ووجه فيه الدعوة إلى سيادة القانون واحترام الحريات بعد هزيمة ١٩٦٧.

هؤلاء القضاة جرى التشهير والتنكيل بهم منذ عام ٢٠١٣، وفى التحقيق معهم واستجوابهم تم العصف بكل قواعد القانون وضمان العدالة فيه، حتى حرموا من الاطلاع على أوراق قضيتهم أو الدفاع عن أنفسهم. وسيقدمون فى الشهر الحالى (يوم ٢٢) إلى مجلس للتأديب مطعون فى تشكيله لأنه ضم قضاة من مجموعة وزير العدل، شارك بعضهم فى الإبلاغ ضد زملائهم «المتهمين»، ولهم موقف سابق من القضية يجرح حيادهم وعدالتهم.

لا يبدو أننا تعلمنا الدرس من تدهور سمعة الأجهزة الأمنية، لأننا نكرر الخطأ ذاته على نحو أفدح فى ملف العدالة، كأن هناك إصرارا مدهشا على المضى قدما على طريق الندامة.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.