كم يبلغ الحد الأقصى للسحر؟ - سلمى حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كم يبلغ الحد الأقصى للسحر؟

نشر فى : الثلاثاء 11 مارس 2014 - 5:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 11 مارس 2014 - 5:50 ص

كلما اشتدت الاحتجاجات الاجتماعية، تقدم الحكومة وعدا بزيادة الحد الأدنى للأجر. وعد لن يمكنها أن تنفذه بسبب نقص الموارد ولكن أيضا بسبب نقص الإرادة. وعندما يكتشف العاملون بأجر ــ الفقراء ــ الخدعة، ترحل الحكومة. نجح هذا التكتيك خلال السنوات الثلاث الماضية جزئيا فى احتواء الاحتجاجات. ترحل الحكومة ويبقى السؤال: هل ستفقد التعويذة سحرها هذه المرة، أم ما زالت فعالة؟

•••

فى فبراير الماضى، تزايدت الإضرابات والاعتصامات فى عدد من الصناعات امتدت جغرافيا فى عدد كبير من المحافظات. وفشلت حكومة الببلاوى ــ مثل سابقاتها ــ فى احتواء كرة الثلج، حيث يطالب المتظاهرون بأن تفى الحكومة بوعدها بحد أدنى للأجر، وُعدوا به، ثم خلفت الحكومة وعدها.

ولكن.. لا تفهمنى خطأ.. لا يعنى أبدا رحيل حكومة الببلاوى أن تأتى أخرى أكثر إيمانا بالحق فى الكرامة والعدالة. فهذا الملف الذى تم اختزاله فى الحد الأدنى للأجر، لن يعدو أن يظل الحظاظة التى نلهى بها الطفل البكاء. فى عالم السياسة، يسمى هذا النوع من الانصياع الشكلى لرغبات الشعب فى الإصلاح «سياسة الاحتواء».. لم تفعل حكومة الببلاوى أكثر من ذلك.

وعد رئيس الوزراء الشعب الذى يعانى فيه نصف العاملين بأجر من الفقر، بزيادة للحد الأدنى للأجر تبلغ ثلث قيمته، أى ١٢٠٠ جنيه مقابل أقل قليلا من ٨٠٠. كانت تلك هى لحظة ما بعد ٣٠ يونيو، حيث كانت تطلعات المصريين الذين نزلوا بالملايين إلى الشوارع لا تقل عن تطلعات ٢٥ يناير، مضافا إليها إحباط عام من الفشل والخديعة. لذا كان لابد من إعطاء مؤشر الانحياز للعدالة الاجتماعية. وقد فعل الوعد مفعول السحر.. للمرة الثالثة.

حكومة الببلاوى، هى الحكومة الثالثة التى ترفع الحد الأدنى للأجر منذ حكومة نظيف (نعم، هو أيضا لجأ لنفس الحيلة لإخماد حركة احتجاجات متصاعدة). فلماذا لم يرضِ أصحاب الأجور الهزيلة؟ ولماذا لم نحس كشعب بالراحة ــ ولا هم كحكومات، لا هم لها إلا زيادة النمو ــ بالانتعاش الاقتصادى الناتج عن زيادة الاستهلاك الذى من المفترض أن يقوم به أولئك المنعمون الذين زادت دخولهم؟

ببساطة، لأنه على أرض الواقع، صُممت تلك الزيادة بحيث لا يستفيد منها إلا أقلية ضئيلة من العاملين بأجر. مثلا، بعد الثورة مباشرة، عندما أعلنت حكومة شفيق وبعده عصام شرف مضاعفة الحد الأدنى للأجر، لم يستفد من القرار سوى ١٢٠ ألف موظف (من إجمالى ٦ ملايين فى الحكومة وعشرين مليونا فى القطاع الخاص الرسمى وغير الرسمى). نقطة فى بحر أصحاب الحق.

وهكذا، عندما تنكشف الخديعة لأغلبية أصحاب الدخول الضعيفة، أولئك الذين لم تشملهم البركة، تعاود الاحتجاجات. هذا أيضا ما حدث وقت مرسى. وعندما وصلت الاحتجاجات لرقم قياسى غير مسبوق، لم يسمع الرئيس المنتخب للشعب الذى انتخبه، كما رفض الإصغاء لحكماء الدولة العميقة، أن يضحى بهشام قنديل.

إذن بالتأكيد لم يرحل الببلاوى لأنه لم يحترم المطلب العادل للشعب، ولكن لأنه كان يجب أن تضحى به الدولة العميقة. فتآكل شعبية الببلاوى سيؤدى بدوره لتآكل شعبية المرشح المحتمل للرئاسة، وزير الدفاع الحالى (أو أى مرشح آخر ممثل لمصالح الدولة العميقة ــ أى تحالف أصحاب الشركات الكبرى وكبار موظفى الدولة الباقى من زمن مبارك، وآلة القمع من ورائهم تحميهم وتقاسمهم الكعكة). وشراء الوقت هنا حاسم.

وهكذا، تكون الحكومة الجديدة معدومة الموارد وكذلك الإرادة، مجرد إسفنجة، تمتص الغضب الشعبى، لتهيئة جو مناسب للانتخابات. وليس أدل على ذلك من التصريح الأول لرئيس الوزراء، والذى أذاعته ونشرته كل قنوات الإعلام والصحافة، مطالبا فيه المحتجين بالهدوء والتوقف عن الاعتصامات والإضرابات. وبحسب خبرة السنوات القليلة الفائتة، ستقوم الحكومة بتلبية جزء صغير من الحقوق مع وعد بتلبية الباقى فى أقرب فرصة. وتأتى الانتخابات بوجه جديد وأمل جديد للناس المنتظرة فى ترقب هادئ أن يتحسن مستوى حياتهم، وهو ما لا يحدث، فتعود موجة من الاضطرابات، أعنف وأكثر اتساعا ــ خاصة فى حالة رئيس منتخب، كما رأينا. أى ينقلب السحر على الساحر.

سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات