مسئولية أمام التاريخ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 1:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسئولية أمام التاريخ

نشر فى : الأربعاء 11 مارس 2015 - 9:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 مارس 2015 - 9:50 ص

يدرك تماما أن حياته مستهدفة ويبدى استعداده مرة بعد أخرى لأية احتمالات من مثل هذا النوع.

لثلاث مرات على الأقل تطرق علنا إلى احتمال الوصول إليه.

وهذه مسألة بالغة الحساسية والخطورة من غير المعتاد فى تجربة الحكم المصرية على اختلاف عهودها التطرق العام إليها على أى نحو ولا بأية إشارة، والنهج نفسه يسرى على تجارب الحكم الأخرى بالعالم.

عند حد الخطر تشدد الإجراءات الأمنية بحزم ولا يعلن عنها أو الحديث فى موضوعها إذ أنه قد يفضى إلى غير أهدافه.

إبداء الشجاعة الشخصية والتسليم بإرادة الله شىء والحديث العام فى احتمال الاغتيال شىء آخر تماما.

هو نفسه يطلب من المصريين ألا يسمحوا لأحد بأن «يهز معنوياتهم».

بحقائق الأمور فإن ما تطرق إليه يدخل فى العلم العام.

كل مواطن مصرى يعرف أن حياة رئيسه مستهدفة والعالم يتابع ما يجرى هنا.

لم تكن مصادفة أو مؤامرة أن يسأله عضو بالكونجرس الأمريكى عما إذا كان يخشى من مصير مماثل للرئيس المصرى الأسبق «أنور السادات».

هذا سؤال طبيعى للغاية، من ناحية اللياقة السياسية لم يكن مناسبا أن يطرح فى مباحثات رسمية لكنه ليس غريبا على أى نحو، ففى أعقاب حادث «كرم القواديس» قال الرئيس: «أنا مستعد اتقتل».

كانت مصر حزينة على الدماء التى سالت فى شمال سيناء والشهداء الذين سقطوا وقلقة فى الوقت نفسه من مستوى التطور النوعى فى العمليات الإرهابية.

أراد أن يقول، وقيادات الجيش تقف خلفه فى مشهد واحد، إنه هو نفسه مستعد لذات التضحية بالروح.

بالحساب الإنسانى فهذا مؤثر للغاية وبالحساب السياسى فإنه خطأ فادح.

هناك حدود صارمة بين ما يجوز أو لا يجوز التطرق إليه فى الخطاب العام.

كل كلمة تصدر عنه تدرس بعناية فى مراكز صناعة القرار الدولية لعلها تكشف عن توجهات غير معلنة، والمشكلة هنا أنه لا يميل إلى الخطب المكتوبة ويتصور أن الحديث المباشر أكثر تأثيرا، وهو تصور كلفه مطبات سياسية لا لزوم لها استدعت فى بعض الحالات أعمال مونتاج قبل بث مداخلاته الرئاسية.

هو رجل يؤثر إنسانيا فيمن يلتقيه، يعرف كيف يتواصل مع الآخرين ومد جسور المودة معهم، يدرك ذلك ويراهن عليه، غير أن لكل رهان حدوده، فالدولة قد تتعرض مصالحها لأضرار بالغة بعبارات تقال عفو الخاطر بأثر اللحظة.

على الأغلب لم يكن فى تخطيطه أن ينقل إلى العلن حديثا عابرا مع عضو الكونجرس الأمريكى استدعى «السادات» وتجربة اغتياله.

غلبت مشاعره الإنسانية حذر رجل الاستخبارات، أراد أن يكشف ما يفكر فيه دون قيد أو تحسب.

يستشعر الخطر الداهم منذ إطاحة الرئيس الأسبق «محمد مرسى» وجماعته من الحكم وتعرض لأكثر من محاولة اغتيال فاشلة كما كشف بنفسه فى أحاديث تليفزيونية.
ورغم الإجراءات الأمنية المشددة فإنه يخرقها أحيانا وتسبب لأكثر من مرة فى إرباك قوات التأمين.

عندما كان وزيرا للدفاع خرج من اجتماع لمجلس الوزراء فى مقر بديل يطل على شارع صلاح سالم من المدخل الرئيسى دون أى إخطار لقوات التأمين التى كانت تنتظره على باب جانبى، وهذا الأمر تكرر بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية ووضع أحمالا إضافية على تأمين حياته.

فى كل مرة يقول إن الأعمار بيد الله. وهذا صحيح ومصدق لكنه لا يبرر خرق القواعد الأمنية الصارمة.

والأهم أن تكون هناك قواعد سياسية بذات درجة الصرامة تحصن البلد وتصوغ صورته فى التاريخ.

بمعنى آخر فإن استدعاء «اغتيال السادات» فى حديث عضو الكونجرس يفتقد إلى أى قياس صحيح.

قبل حادثة المنصة دخلت الدولة فى صراع مفتوح مع القوى السياسية جميعها بلا استثناء واعتقلت رموزها فى يوم واحد، تصادمت مع رأس الكنيسة وعزلته من منصبه بذات قدر الصدام مع الجماعات الإسلامية بكل تنوعاتها التنظيمية.

غاب الرشد السياسى على نحو مريع وكان البلد كله ينتظر نهاية ما.

فى الأزمة تقوضت الثقة فى «السادات» وقدرته على إدارة الدولة، وكانت هذه هى الثغرة السياسية التى نفذت منها «قوة الاغتيال» إلى العرض العسكرى بلا أدنى مقاومة رغم المعلومات المسبقة التى توافرت.

كان التراخى الأمنى انعكاسا لتقوض صورة الرئيس وغابت اليقظة حين تدهورت السياسة.

قرب غياب «جمال عبدالناصر» كانت اليقظة الأمنية على أشد درجاتها، فحياته تعنى أمل شعبه فى تحرير أراضيه المحتلة بقوة السلاح وأن تنهض مصر من جديد وتستكمل مشروعها الوطنى الذى تصدع بقسوة إثر الهزيمة العسكرية.

تعرض أكثر من غيره لمحاولات الاغتيال، ورغم أنه توقع أنهم لن يتركونه أبدا وأن مصيره قد يكون الدفن فى مقبرة مجهولة بـ«الغفير» إلا أن ذلك لم يحدث وودعه شعبه فى جنازة هى الأكبر فى التاريخ.

القضايا هى التى تضفى على الرجال معنى الحياة ومعنى الموت.

بنص كلمات الرئيس «عبدالفتاح السيسى»: «أنا أفكر فى أمر واحد فقط، مصر وشعبها، والله يعلم ما فى نفسى».

وهذه الكلمات تترتب عليها مسئولية كبرى أمام ضميره وأمام التاريخ، أن يحصن بقدر ما يستطيع بلده من أية هزات كبيرة لا يحتملها إن تمكنت قوى الإرهاب من الوصول إليه.

بصراحة كاملة فإن غيابه بحادث عنيف يربك الدولة على نحو خطير قبل أن تتعافى وتستقر مؤسساتها الدستورية وأن تكون هناك قواعد راسخة تحكم انتقال السلطة بلا هزات كبيرة.

بمعنى آخر ليس بوسع أحد أن يطمئن على مستقبل البلد المنهك والمأزوم بصدمات من مثل هذا النوع.

فكل شىء فى حالة انكشاف، من الأمن القومى إلى الأمن الغذائى، من القضايا الكبرى إلى أدق التفاصيل.

أية سيناريوهات محتملة لا تقف على أرض صلبة، فالجهاز الحكومى مخرب تماما وسلطات الدولة متهالكة والحياة السياسية شبه معطلة ولا طبقة معارضة جديرة بهذا الاسم ولا طبقة حكم مدربة والنظام كله لم يعلن عن وجوده بينما الماضى يطل بخياراته والإرهاب يزرع فى كل مكان تقريبا عبواته الناسفة.

فى غياب القواعد كل شىء محتمل.

تعليق الدستور من جديد محتمل، الحكم العسكرى المباشر محتمل، الفوضى السياسية غير مستبعدة.

ورغم أن مصر عصية على أن تسقط فى قبضة الإرهاب لكن غياب قواعد نقل السلطة، الواقعية قبل الدستورية، مشروع اضطراب سياسى لا تحتمله يعوق تعافيها الاقتصادى ويقوض أمنها.

ورغم أن مقادير الشعوب لا تتوقف على مصائر حكامها غير أنه يتحمل أمام ضميره والتاريخ مسئولية عسيرة، أن يقف بلده على قدميه من جديد، أن يتنفس بحرية ويعيش فى عدل وأن تكون هناك قواعد دستورية تحترم.

وهذا يستدعى حوارا عاما واسعا يدعو إليه ويشارك فيه، فالأوطان المطمئنة لا يصنعها إلا المواطنون الأحرار.