حسين العودات - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حسين العودات

نشر فى : الإثنين 11 أبريل 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 11 أبريل 2016 - 9:50 م
كالعادة، قمت بزيارته، فى شقته بإحدى ضواحى دمشق، إبان مهرجان السينما، فى العام 2005.. هو، شكلا ومضمونا، يذكرنى بشجرة «الجازورينا»: طويل، نحيل، صلب، قوى، جذوره تضرب فى عمق الأرض، راسخ، ومثلها، دائم الخضرة، يصد الرياح العاتية.

فى هذه المرة، برغم حيوية الرجل، بذهنه المتقد بالوعى، بدا متوعكا، قلقا، فثمة متاعب فى العينين، وانتظارا متوترا لأمر ما.. أدركت السر حين جاء ابنه الشاب من الخارج، فبنظرة سريعة منه، من دون كلام، أجاب الابن «لا.. لم تنزل بعد».

لم يتفاجأ العودات، أومأ برأسه حين أردف الابن «بائع الجرائد قال، ربما تأتى فى المساء». عرفت أن المقصود هو جريدة «السفير» حيث نشر فيها العودات مقالا، فيما يبدو، أنه أزعج السلطة المراوغة التى دأبت على تحاشى مصادرة الصحف، واستبدلتها بتأخير الموافقة على التوزيع، إلى ما بعد الظهر، ضمانا لندرة شرائها.. فمن الذى يبحث عن صحيفة صباحية، بعد أن تكون ساعات اليوم قد ولت.

كدر خفيف غشى مضيفى، تخلص منه سريعا.. وقف، اتجه إلى مائدة السفرة الموضوع فوقها عشرات الكتب.. أحضر ثلاث ورقات، ناولهم لى قائلا «إنها المقالة التى صودرت الجريدة بسببها».

فيما أذكر أن المقالة أقرب لرسالة مفتوحة للرئيس بشار الأسد، الذى جلس على دست الحكم منذ خمس سنوات.. مكتوبة بأسلوب عربى جميل، رصين وحداثى، لا يتأتى إلا لصاحب خبرة طويلة وعميقة. حسين العودات، كتب عشرات الكتب، بنفحة تقدمية واضحة، مثل «صورة العرب لدى الآخر فى ضوء العلاقات التاريخية»، «الموت فى الديانات الشرقية»، «العرب النصارى»، «المرأة العربية فى الدين والثقافة».. «السينما والقضية الفلسطينية».. هذا، على سبيل المثال لا الحصر، فضلا عن مئات المقالات، فى الصحف والمجلات.

المقالة، موضوع الحديث، رقيقة، حزينة، حادة، تحذيرية.. تتلمس فى البداية عن الآمال والأمانى المعقودة على حاكم البلاد الجديد، الشاب، طبيب العيون، الذى تعلم فى بلاد تلاشت فيها الأنظمة القمعية المستبدة، وبدا، كما لو أنه سيشع روح العدالة والوئام، وسيبنى، مع أبناء الوطن، سوريا جديدة.. لكن الأمور، لم تسر وفقا للوعود.. أخذت البثور والتشوهات تعود بقوة للوجه الجديد.

بعد عقد من الزمان، منذ قرأت هذا المقال، تعاودنى عباراته الأخيرة، التى يقول فيها، إن لم تخنى الذاكرة «إنى أخاف منك.. أخاف عليك.. وأخاف على سوريا».

تحققت مخاوف العودات، الدمار حل بسوريا، أصبح سيد البلاد فى مأزق وعر، لكن، لا أظهر أن الخوف عرف طريقه لقلب الرجل الذى عاش حياته على يسار كل التوجهات السياسية التى ارتبط بها، وآخرها هيئة التنسيق التى تكونت من المعارضة، عقب اندلاع الثورة، لكنه غادرها حين أدرك ضعف فاعليتها.. وبقى، كمناضل واع، مستقل، ثابت على موقفه الوطنى، برغم الملاحقات والمضايقات.

حسين العودات «1937 ــ 2016»، ظل، طوال حياته، منارة مشعة بالضياء، سواء فى كتاباته، أو الوظائف التى شغلها، أو، دار «الأهالى» التى تولى إدارتها.

فى السنوات الأخيرة، التقيت ابنه، أثناء انعقاد مهرجانات سينمائية، سألته عن والده، ولماذا لا يلبى الدعوات، فكانت إجابته المتكررة، إنه يرفض الغياب عن سوريا، ولو ليوم واحد.. قلت، لنفسى، هل هناك شجرة «جازورينا» تركت مكانها، مهما اشتدت العواصف؟.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات