أسئلة كثيرة وإجابات قليلة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة كثيرة وإجابات قليلة

نشر فى : الأربعاء 11 أبريل 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 11 أبريل 2018 - 9:40 م
لنحاول أن نتصور الحالة النفسية والعقلية التى يعيشها المواطن العربى فى دول الخليج العربية، إذ ما عاد هناك فى الواقع دول مجلس تعاون خليجى. فعندما يواجه المواطن يوميا أحداثا لا يستطيع فهمها، ولا يستطيع تبريرها، ولا يشعر بأنها تعبر عن إرادته ورغباته وحقيقة مشاعره النفسية والروحية ولا عن تاريخه وتعاليم دينه القرآنية، فإنه سيفقد توازنه الإنسانى وسيتوجه إلى أحد الطريقين: إما أن يصبح طاقة هائجة تدميرية أو أن يعيش حياة اليأس والقرف وينسحب من الحياة العامة والالتزامات الوطنية.

صباح كل يوم تتناقل الأخبار أسماء هذه الجماعة الجهادية المجنونة أو تلك، فى هذا البلد العربى أو ذاك، مقرونة دائما باسم البلد الخليجى الذى يرعاها ويمدها بالمال والسلاح. يسأل المواطن نفسه عن مبررات انغماس بعض دول الخليج العربية فى ساحات مليئة بالدماء وارتكاب الموبقات الأخلاقية وبالارتباط بالمخابرات الأجنبية وباستعباد كل من يقوده حظه العاثر إلى أن يكون تحت إمرتهم وابتزازهم. 

وعلى الرغم من أن الأخبار تشير بالاسم إلى تلك الدول الخليجية فإن المواطن لا يسمع تكذيبا رسميا واحدا أو تبرؤا من التهمة. هنا يسأل نفسه: من الذى خول مسئولى تلك الدول لأن يبعثروا ثروات وأموال العامة فى مغامرات مشبوهة دمرت الكثير من المدن العربية ويتمت وشردت وأفقرت إخوانا لنا فى العروبة والإسلام والإنسانية؟ ماذا كان القصد الخفى من وراء كل ذلك، ماذا حققت تلك المغامرات ومن خدمت فى النهاية؟
***

هل السكوت المعيب الذى تمارسة الجهات المتورطة جواب كاف لتهدئة القلق ولإبعاد الحيرة عن نفس وعقل المواطن؟ ذلك أنه لا الإعلام الرسمى أو التجارى، ولا مجالس الشورى وما يماثلها، ولا مجالس الوزراء، ولا مؤسسات المجتمعات المدنية الضعيفة، تفصح عن أسباب بدايات ذلك الجنون ولا أسباب الاستمرار فيه عاما بعد عام، بينما تدفع شعوب عربية الثمن للصراعات العبثية الطفولية فيما بين أنظمة الحكم العربية ومسئوليها، تدفعه دمارا حضاريا لكل ما بنته عبر القرون وتراه صورة مظلمة حالكة لمستقبلها.

دعك من الذين يقبضون الأثمان ليكتبوا قصائد المديح أو الحكمة فى هذا القرار أو ذاك، أو الشتم المبتذل لهذه الجهة المعادية أو تلك، فالدماء التى تقطر من أيادى الكثيرين لن تغسلها مياه كل أنهار وبحور ومحيطات العالم. فالعدالة الإلهية لا يمكن أن ترضى عما يحدث بالنسبة لهذا الانغماس فى ألعاب الموت التى أدخلنا فيها مجانين الجهاد الدموى الظالم. 
المواطن سيظل فى حالة من الذهول والخجل والاستغراب والغثيان حتى يسدل الستار على تلك المسرحيات التى ألفها وأخرجها الأغراب الاستعماريون والصهاينة أو الموتورون الإقليميون أو الجهلة المحليون، واستعملوا بعض الأنظمة فى تمثيل أدوار تلك المسرحية، سواء بنية طيبة أو بنية خبيثة.

ما يجعل الأمر أكثر مأساوية وأثقل على قلب المواطنين المتسائلين ما يفصح عنه بعض المسئولين الخليجيين السابقين عن مئات المليارات من الدولارات التى صرفت على قادة وأفراد وعائلات من نصبوا أنفسهم، زورا وبهتانا، كمجاهدين إسلاميين، هذا بينما يعانى المواطنون من آثار التراجع المتسارع فى كل حقول الخدمات الاجتماعية باسم ضرورة التقشف.
المطلوب من تلك الأنظمة، إذا كانت تريد أن تستجيب لإرادة ورغبات وطهارة الغالبية الساحقة من مواطنيها، أن تخرج من هذا الوحل بسرعة وبصورة نهائية، وأن تغلق إلى الأبد باب هذا النوع من الجهاد البليد الذى دمر حياتنا العربية وخلق لنا إشكالية مع العالم المتحضر كله.

***

لا يكفى المواطن وقوفه حائرا أمام تلك الأحجيات والممارسات فى حقل الإرهاب الجهادى الجنونى حتى تفاجئه أخيرا حفلات الرقص الحميمية مع الكيان الصهيونى الغاصب المتسلط الممعن قتلا وتدميرا واستعبادا وتآمرا فى طول وعرض بلاد العرب، ومع الولايات المتحدة الأمريكية التى تعلنها صراحة عن حقها فى جزء من الثروة البترولية الخليجية وعن ضرورة مساهمة تلك الثروة فى حل إشكالياتها الاقتصادية.

ما عاد المواطن يفهم أسباب التعاون الاستخباراتى الحميم مع الموساد الصهيونى، ولا أخبار الاجتماعات السرية التنسيقية بين بعض المسئولين الخليجين وبين عتاة الإجرام من المسئولين الصهاينة، ولا التصريحات التى تعطى للصهاينة أرضا فلسطينية دون إذن ولا موافقة من الشعب الفلسطينى ــ صاحب الحق الوحيد فى التصرف بأرضه ــ ولا كتابات بعض المحسوبين على هذا النظام أو ذاك والتى تنادى بهدم كل ثوابت هذه الأمة بالنسبة للموضوع الفلسطينى وبقبول سرقة أرض فلسطين وتشريد أهلها وبالتعايش مع الفكر الصهيونى الاستعمارى التوسعى المبنى على الأساطير والخرافات والأكاذيب.

يتساءل المواطن: هل دول الخليج العربية جزء من كيان الأمة العربية والوطن العربى أم أن البعض يريد لها الخروج من تحت عباءة العروبة والإسلام والتاريخ والثقافة والدخول تحت عباءة العولمة الرأسمالية المتوحشة، بعيدا عن كل التزام قومى وإسلامى، بل وحتى وطنى؟

ثم، بأى حق، وبأى تخويل شرعى من قبل المواطنين، يتصرف هذا المسئول أو تتصرف تلك الجهة المسئولة؟
عشرات الأسئلة يسألها المواطن العربى الخليجى بشأن ما يجرى فى منطقته وبشأن ما يجرى فى وطنه العربى فلا يحصل على أجوبة واضحة علنية مقنعة تطمئنه على مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده.

لنحذر، فإن العيش فى الظلام لا يقود إلا إلى ظلام حالك تتربص فيه الأشباح والشياطين.

 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات