تغيير صورة الصراع العربى – الصهيونى - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تغيير صورة الصراع العربى – الصهيونى

نشر فى : الخميس 11 مايو 2017 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 11 مايو 2017 - 10:00 م

عند التعامل مع الموضوع الصهيونى نحتاج أن نعطى اهتماما خاصا لعدُة جوانب، إذ إن عدم مواجهة انعكاساتها على مسيرة الصراع العربى – الصهيونى سيكون كارثيا على نتائج الصراع فى المدى البعيد.
أولا: قبل اجتماع لبحث «مستقبل المشروع الفلسطينى» من قبل مجموعة من السياسيين والكتاب والإعلاميين منذ بضعة أيام، همست فى أذن أخ يجلس بجانبى: «ها نحن نجتمع للمرة الألف لبحث موضوع هذا الصًراع»، وأضفت: «عقبال من سيحضرون للمرة المليون».
بالرغم من نبرة الحزن واليأس فيما قلته، إلا أنه يحمل أيضا نبرة الإصرار والاستمرار فى النضال حتى ولو طال الزمن، وأن قول الكلمة النهائية فى هذا الموضوع سيكون لنا، نحن العرب، وليس للصهاينة.
هذا ما يجب أن يكون واضحا ومترسخا فى أذهان الأجيال العربية المتعاقبة. فإذا كان اليهود الصهاينة قد حافظوا على أسطورة وكذبة أرض الميعاد لمدة عشرين قرنا فإن حقيقة ومهمة استرجاع وطن مسروق تستطيع هى الأخرى أن تنتظر تغيُر الظروف الدولية والعربية السيئة الحالية إلى ظروف أفضل تسمح بدحر المشروع الصهيونى لا فى فلسطين فقط، بل فى كل أرض العرب.
هذه معركة ذهنية ونفسية مع الواقع، لا يجب أن يسمح للصهاينة ولا لحلفائهم أن يقرروا نتائجها. إنها معركة طويلة النفس، وصراع إرادات، ورفض للتراجع أمام إذلال حقير. من هنا أهمية جعلها جزءا من ثقافة متجددة يشربها الطفل العربى مع حليب أمه، ويعيها حتى يوم مماته.
***
ثانيا: هناك ثقافة متعددة الوجوه، شيطانية الوسائل والمقاصد، بدأت تنتشر مؤخرا وتقوى. فهى تبدأ بتغيير عناوين الموضوع، إذ ما عدنا نتعامل مع خطر صهيونى وجودى على أمة العرب، وإنما مع نزاع فلسطينى – إسرائيلى. وهى تتجنب ذكر حقائق أساسية بالنسبة للموضوع، من مثل أن أكثر من 85 % من أرض فلسطين أصبحت محتلة وجزءا مما يسمُى بدولة «إسرائيل»، وأن حملة الاستيطان الصهيونى المسعورة لن تترك أكثر من 10% من أرض فلسطين التاريخية ليسكنها الشعب الفلسطينى المقدُر عدده حاليا باثنى عشر مليونا، ومن مثل أن الصهيونية لا تزال فى شعاراتها السياسية وأدبيات فكرها وهلوساتها الدينية ترفع شعار «من الفرات إلى النيل»، ومن مثل أن لدى الصهاينة وعدًا أمريكيًا بأنه لا يسمح الغرب قط للقوى العسكرية العربية مجتمعة أن تتساوى مع القوة العسكرية الصهيونية، ومن مثل ألا يسمح الغرب قط للعرب أن يمتلكوا السلاح النووى ليوازنوا به السلاح النووى الصهيونى.
هذا بالنسبة لمحو الحقائق المرعبة من ذاكرة الأجيال العربية الحالية والمستقبلية.
لكن هناك وجوه أخرى للثقافة الجديدة. فالذى يشدد عليه الآن هو أن أى مقاطعة عربية للبضائع الصهيونية أو للأنشطة الدولية والإقليمية التى يشارك فيها الصهاينة... أن هذه المقاطعة تتناقض مع متطلبات العولمة. وعليه فإذا كان العرب يريدون أن يكونوا جزءا من العولمة فعليهم التخلى النهائى عن المقاطعة، بل والانتقال الكامل للتطبيع مع هذا الخطر الاستعمارى الوجودى الذى ينادى بإخراجهم من التاريخ والمستقبل.
مع الأسف فإن الكثير من العرب، فنانين وإعلاميين ورياضيين ورجال أعمال ورجال استخبارات ومسئولين سياسيين، قد بدأوا يقتنعون بهذه الأكاذيب والدعايات المصنوعة فى مدينة تل أبيب، وبدأنا على الأخص رؤية الوجوه الصهيونية وهى تتحدث عبر محطات تليفزيونات العرب وتحضر أشكالا من مؤتمراتهم... إلخ.
نحن أمام ثقافة تتلون بألف لون من أجل تغيير أذهان ومشاعر والتزامات وثوابت جيل الشباب العربى حتى ييأس من جهة، وحتى يقبل بالهيمنة الصهيونية الكاملة على حاضره ومستقبله عبر كل أرضه. وهى ثقافة سنحتاج لمواجهتها جهودا رسمية متناغمة مع جهود المجتمعات المدنية العربية.
***
ثالثاَ: وهذا من أخطر الجوانب. لقد كان الحديث فى الماضى عن الصراع العربى ــ الصهيونى يقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن الجنون الطائفى العبثى الذى يجتاح الأرض العربية حاليا بدأ يدخل الموضوع الصهيونى فى قلب الدين الإسلامى. من هنا كثر الحديث مؤخرا عن استراتيجية عربية صهيونية، برعاية أمريكية، لحماية المذهب السنى من المذهب الشيعى. وهذا يمثل أخطر وأعقد زج للموضوع الصهيونى فى الحياة العربية. ولا يحتاج الإنسان إلى التذكير بالجوانب العاطفية المتخيلة التى دخلت فى الخلافات الفقهية الإسلامية عبر القرون لتقلبها من خلافات فقهية إلى خلافات طائفية مليئة بالأكاذيب والاستعمالات السياسية الانتهازية.
ما يحزُ فى النفس أن بعض العرب قد وقعوا، دون قصد، فى هذه اللعبة الخطرة، ونسوا أن الخطر الصهيونى هو خطر على الجميع، على كل العرب المسلمين والمسيحيين، على كل المذاهب والمدارس الإسلامية.
هكذا، فكما خدعت الصهيونية بعص العرب وباعت عليهم كذبة السلام العادل، سلام الشجعان، فستبيعهم كذبة الحرص على حماية هذا المذهب من ذاك المذهب، ليخسر الجميع، وتربح الصهيونية الربح المؤكد فى المدى البعيد.
الواقع أن موضوع الصراع العربى الصهيونى هو فى سيرورة متغُيرة، مليئة بالمؤامرات والمطبات، وسيحتاج إلى استبدال سبل مواجهة أخطاره الكبيرة، بالكشف الدائم لألاعيبه، وبتوعية الأجيال العربية بصورة دائمة، وبالاقتناع الذى لا يتزعزع بأن الخطر الصهيونى الوجودى فى الحياة العربية لن ينتهى إلا بهزيمة جنوده ومجانينه وأساطيره وألاعيبه، سواء طال الزمن أو قصر إنه قدر العرب الذى فرضه الغير عليهم، ولا يمكن الفرار من ذلك القدر.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات