أزمة المدارس الأجنبية فى مصر...الحالة الألمانية - هيثم ممدوح عوض - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة المدارس الأجنبية فى مصر...الحالة الألمانية

نشر فى : الأحد 11 يونيو 2017 - 10:10 م | آخر تحديث : الأحد 11 يونيو 2017 - 10:10 م
تعانى أغلب المدارس الألمانية السبع الموجودة فى مصر والتى يبلغ عدد طلابها قرابة الـ 5000 طالب من مشكلة مستعصية حاليًا نتيجة لزيادة معدلات التضخم الحالية التى وصلت إلى قرابة 30% بالإضافة إلى قرار تحرير سعر الصرف للجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية الصادر من الحكومة المصرية فى 3 نوفمبر 2016 والذى أدى إلى فقدان الجنيه المصرى لأكثر من 50% من قيمته أمام أغلب العملات الأجنبية.
الطلبة المصريون بالمدارس الألمانية يعتبروا جسورًا ثقافية قوية بين مصر وألمانيا، فالمدارس الألمانية بمصر عريقة فى أداء خدماتها التعليمية، فتأسست المدرسة الألمانية بالدقى فى عام 1873 تلتها المدرسة الألمانية بالإسكندرية فى عام 1884 ثم المدرسة الألمانية بباب اللوق فى عام 1904 ولحقتهما فى العقود الأخيرة باقى المدارس السبع. وخلال تلك العقود استمرت المدارس الألمانية فى تقديم الخدمات التعليمية المتميزة للآلاف من أبناء الشعب المصرى تحت إشراف كل من وزارة التربية والتعليم المصرية والسفارة الألمانية بالقاهرة حيث تتلقى هذه المدارس دعمًا ماليًا ملموسًا من وزارة الخارجية الألمانية ممثلة فى الإدارة المركزية للمدارس الألمانية بالخارج (ZFA) حيث تشترط الحكومة الألمانية عدة أمور لاستمرار هذا الدعم أهمها شرط حسن السمعة، عدم وجود عجز مالى فى ميزانية المدرسة، وأن تكون المدرسة غير هادفة للربح بمعنى أن يكون مالك المدرسة جمعية خيرية أو قد يكون مستثمرًا مؤسسًا لجمعية أهلية يتلقى نسبة 15% كحد أقصى من المصاريف المدرسية حسب القانون المصرى. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المدرسة بالمفهوم الألمانى لا يمكن أبدا أن تكون مشروعًا استثماريًا.
***
يصل الدعم المالى الذى يتلقاه التلميذ المصرى بهذه المدارس قرابة الخمسين ألف جنيه مصرى سنويًا وقد يمثل فى حدود 70% من تكلفة العملية التعليمية وهذا الدعم يتمثل فى قيام الحكومة الألمانية بدفع كامل رواتب عدد من المدرسين الألمان وجزء من رواتب عدد آخر وبالإضافة إلى ذلك تمنح هذه المدارس شهادة الأبيتور لخرجيها التى تسمح لهم بالالتحاق مباشرة بالجامعات الألمانية فور إتمام مراحل التعليم المدرسى.
وفى العام الدراسى الحالى 2016/2017 ونظرًا لتطورات الأوضاع الاقتصادية بمصر، قامت هذه المدارس بعرض حقيقة وضعها المالى المستجد أمام أولياء الأمور، فى محاولة من إداراتها لإنقاذ الوضع المالى المتأزم لكل منها نتيجة لظهور عجز مالى شديد ناجم عن تحرير سعر صرف الجنيه المصرى مع اعتبار ضرورة وجود مدرسين معتمدين ألمان يحصلون على مرتباتهم بالعملات الأجنبية، حيث ينص القانون الألمانى الخاص بدعم المدارس خارج ألمانيا على ضرورة عدم وجود عجز مالى فى ميزانيات هذه المدارس التى تخضع ميزانياتها لإشراف محاسب قانونى مصرى والإدارة التعليمية التابعة لها المدرسة والسفارة الألمانية بالقاهرة. واتفق أغلب أولياء أمور هذه المدارس على التبرع بقيمة مالية تختلف جملتها من مدرسة لأخرى لمعالجة هذا الوضع الطارئ الذى يندرج تحت تصنيف القوى القاهرة وتسبب فى وجود عجز مالى فى ميزانيات هذه المدارس. وجاء قرار أغلب أولياء الأمور حرصًا على مستقبل أبنائهم ورغبتهم فى توفير نظام تعليم متميز لهم حصلت بموجبه هذه المدارس على شهادات الاعتماد من اللجنة المركزية للتفتيش بهيئة الـ ZFA الألمانية. وكان قرار أغلب أولياء الأمور نابعًا من تفهمهم لمستجدات القوى القاهرة الناجمة عن قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصرى.
وللأسف الشديد انبرى عدد قليل من أولياء أمور طلاب بعض من هذه المدارس إلى انتهاج حملات ممنهجة لتشويه سمعة هذه المدارس اعتراضًا منهم على موافقة الأغلبية على طريقتهم لحل هذه الأزمة، ومرتكزين على القانون المصرى للتعليم الخاص الذى يحدد نسب زيادة سنوية لم يراعى المشرع المصرى فيها أرض الواقع أو حالات القوى القاهرة التى تؤدى فى الوضع الراهن إلى مخالفة القانون الألمانى، وبالتالى رفع الدعم الذى تتلقاه هذه المدارس. وبالطبع مع حملات تشويه السمعة التى تمثلت فى صفحات التواصل الاجتماعى والشكاوى والتقارير التلفزيونية المغلوطة، وعليه قررت إدارة إحدى هذه المدارس وهى المدرسة الأوروبية بالقاهرة بعد استئذان الحكومة الألمانية ممثلة فى سفارتها بالقاهرة وهيئة الـ ZFA تعليق الدراسة لأجل غير مسمى امتعاضًا من هذه الحملات التى طالت المدرسين والمديرين الألمان مما تسبب فى مأساة للآلاف من أولياء الأمور وأبنائهم. وقد يسبب هذا الأمر المتمثل فى تضارب القوانين المصرية والألمانية إلى اتخاذ قرار مشابه فى حق المدارس الألمانية الأخرى بمصر خاصة أن الهدف الأساسى من دعم الحكومة الألمانية لهذه المدارس هو نشر الثقافة الألمانية وليس تشويه سمعة ألمانيا من قبل أقلية من أولياء الأمور.
***
الحكومة الألمانية حريصة كل الحرص على استمرار الدعم المالى الذى تقدمه لمدارسها فى مصر والممتد لعقود مضت، حيث تخرج من هذه المدارس الآلاف من المصريين والذين يملئون ساحة العمل المصرية بالكفاءات والقيادات والشخصيات المرموقة، وتحرص الحكومة الألمانية أكثر على احترام القوانين المصرية العاملة فى هذا الشأن ولا تجد مخرجًا من هذه الأزمة سوى الانسحاب بهدوء من رعايتها لمدارسها فى مصر، وأن توضع هذه المدارس تحت الإشراف المالى والإدارى لوزارة التربية والتعليم فى مصر الغير مؤهلة لمثل هذا النوع من التعليم المتخصص ولا تستطيع استيفاء شروط منح الشهادات الألمانية. وخلال الأيام القليلة الماضية عقدت عدة اجتماعات بين كل من السيد الأستاذ الدكتور/ طارق شوقى وزير التربية والتعليم والسيد السفير/ يوليوس جيورج لوى سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية بالقاهرة لمحاولة تقريب وجهات النظر فى شأن تضارب القوانين المصرية والألمانية فى تنظيم العمل بهذا الشأن ومحاولة إيجاد وسائل قانونية للخروج من هذه الأزمة، ولكن لم تسفر هذه الاجتماعات عن قرارات رسمية حاسمة معلنة حتى الآن سوى ضرورة عودة الدراسة بالمدرسة الأوروبية بالقاهرة.
قرار تعليق الدراسة بالمدرسة الأوروبية بالقاهرة والقرارات المشابهة التى يمكن أن تصدر فى المستقبل القريب فى حق عدد من المدارس الألمانية الأخرى يسبب دون أدنى شك مشكلات للاستثمارات الأجنبية فى مصر، متمثل فى انعدام ثقة المستثمر الأجنبى فى الحكومة المصرية حول قدرتها على حل المشكلات التشريعية. ولا بد أن تشكل وزارة التربية التعليم المصرية على وجه السرعة لجنة خاصة بدراسة هذا الموضوع بالتعاون مع السفارة الألمانية بالقاهرة، مع سرعة إصدار لائحة خاصة لهذه المدارس الألمانية يتم فيها احترام القوانين المصرية والألمانية معًا والعمل على التوفيق بين البنود المتعارضة بهذه القوانين حرصًا فى المقام الأول على سمعة مصرنا الحبيبة وحسن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدولتين. مع اعتماد الآليات اللازمة لاستمرار جميع الطلاب المقيدين فى هذه المدارس بالعملية التعليمية وعدم حرمان أى طالب من الاستمرار فى الدراسة لمشكلات مادية، وآليات أخرى لمعاملة الأقليات من أولياء الأمور الذين ينتهجون حملات تشويه ممنهجة فى حق سمعة هذه المدارس.

 

هيثم ممدوح عوض استشارى دراسات تقييم التأثير البيئى وأستاذ الهيدروليكا بجامعة الإسكندرية
التعليقات