هل مصر بحاجة أن تكون أكثر تدينًا؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل مصر بحاجة أن تكون أكثر تدينًا؟

نشر فى : الخميس 12 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 12 يوليه 2012 - 8:00 ص

منذ سقوط ديكتاتورية مبارك وصعود التيار الدينى فى المجال المصرى بدأ الحديث يتردد وبقوة عن أهمية العودة إلى التدين الحقيقى، وسمعنا ونسمع وسنسمع عن أن على مصر أن تعدل مسارها الدينى وتكون أكثر محافظة على قيمها الدينية، ومصدر هذه الدعوة يتركز فى الإخوان المسلمين والجماعة السلفية بل وتبدو الجماعة السلفية أكثر تشددا فى هذا الاتجاه.

 

وفى الآونة الأخيرة سمعنا آراء وشاهدنا ممارسات لم نكن نتوقعها قط، بل كان مجرد التفكير فيها مستبعدا مثل زواج ملك اليمين (الجوارى)، والمبرر هو العنوسة عند النساء وتأخر سن الزواج عند الشباب، وضيق بعض النساء من الحجاب والنقاب حيث يسمح لهن هذا الزواج بالتحرر من الحجاب والنقاب كما كانت الجوارى فى القديم. وأيضا سمعنا عن ممارسات جماعة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» التى قتلت شابا يدرس الهندسة فى السويس لأنه كان يقف مع خطيبته، ولم يلتزم بما أمروه به بأن يترك خطيبتة ويمضى فى حال سبيله. وأيضا قتلت اثنين من الموسيقين فى الشرقية بعد أن حذرتهم بأن عليهم اعتزال الموسيقى والغناء لأنه ليس من الدين بل يحض على الفسق والفساد. وعلى هذا المنوال سمعنا عن طلب السلفيين (حزب النور) أن يكون وزير التربية والتعليم من بينهم، أما الإخوان المسلمون فيبدون أكثر اعتدالا ويتحدثون عن أهمية تطبيق التعاليم والقيم الإسلامية فى الفن والإبداع والصحافة والإعلام.......إلخ. ولقد كان رد الفعل لهذه الموجة الدينية أن خرج علينا أحد الأساقفة الكبار يطلب من الفتيات المسيحيات أن يحتشمن مثل إخوتهن المسلمات، وأيضا سمعنا بتأسيس ما يسمى «الإخوان المسيحيون»، هذا فضلا عن التسابق المحموم بين القنوات الفضائية المسيحية والإسلامية للدعوة للتدين بهذه المعانى الأصولية المحافظة.

 

لكن هناك اتجاها آخر يقول إن المصريين متدينون بطبيعتهم منذ سبعة آلاف عام، بل إن أجدادنا رغم أنه لم يكن يبدو عليهم الالتزام الدينى بالملبس والمظهر الخارجى فى العشرينيات والثلاثينيات وحتى الستينيات إلا أنهم كانوا أكثر التزاما بالقيم الدينية عن اليوم. ولقد عاش المصريون متدينون قبل ثورة 25 يناير وقبل اعتلاء الإخوان سدة الحكم، وما زالوا وسيظلون، وأن المقتنع بشكل معين من التدين ليس عليه فرض هذا الشكل على الآخرين بل العكس هو الصحيح، وهو ترك الحرية للانسان الفرد ليتدين بالطريقة والأسلوب الذى يفضله، لكن فرض الدين بالسلطة أو القوة أو العنف فهذا ليس من الدين فى شىء.

 

●●●

 

وهكذا نجد أنفسنا أمام مدرستين للتدين الأولى تريد استخدام كل الإمكانات المتاحة من تعليم وإعلام وصحافة وخطاب دينى..إلخ. لتقديم وتفسير الدين للجماهير وتعتقد أن هذا واجب الدولة بكل قدراتها ورجالها، فهذه رسالتها الدينية والأخلاقية، وهذه المدرسة تستشهد بآيات كثيرة من الكتب المقدسة ويعتبرون أن هذا ليس عنفا أو فرضا للدين «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». أما المدرسة الأخرى فتقول إن مجرد وضع تدريس منهج للدين فى المدارس هو نوع من القهر، فالطفل يكون عقله صفحة بيضاء قابلة لأى فكر جديد يسطر عليها، وفرض دين معين على طفل إنما هو حجر على حريته، لأن فكره لم ينضج بعد لكى يستطيع الاختيار. والفكرتان تتفقان على ان الدين لا يُفرض بالقوة، أو من أعلى لكن الاتجاة الأول يقول لا داعى لتدريس الدين حتى ينضج الطفل فيختار، أما الاتجاه الآخر فيقول ليدرس أولادنا الدين وبعد أن ينضجوا يمكنهم أن يرفضوا أو يقبلوا الاستمرار، ونفس الموقف تتخذه المدرستان نحو الإعلام والصحافة.

 

فالمدرسة الأولى تقول علينا الاكثار من البرامج والقنوات الدينية المتخصصة والإنشاد الدينى ونقل الشعائر والصلوات على الهواء مباشرة، والبحث عن رأى الدين فى كل قرار أو قول أو فعل. وإن كان هذا ليس فرضا على الناس، فالناس أمامهم القنوات الأخرى التى ليست بها مثل هذه الأمور، والبشر ناضجون وقادرون على التمييز، وقبول أو رفض مايشاهدونه، إنما نحن مذكرون ولسنا بمسيطرين. أما المدرسة الثانية فتقول إن شعبا 40% منه أميا، 40% تحت خط الفقر، كيف يكون لهؤلاء القدرة على الاختيار أمام خطاب دينى متعصب يوجه للناس من وسائل الإعلام فى شكل رسائل متقنة من موسيقى وغناء وأفلام وتمثيليات، وكتب ومقالات وشعر، خطاب يدعى أنه يملك الحقيقة المطلقة والاحتماء بقدسية النص لكى يعطى لفهمه القاصر حصانة فيهبط بالنص إلى مستوى الخطيب بدلا من أن يرتفع هو لمستوى النص، بل إنه يقفز فوق تجارب الأمة بما تذخر به من ثروة اجتهادية استلهمتها من الظروف الاجتماعية والحضارة، إنه الخطاب الدينى الذى يتحدث عن مطلقات، أى خير مطلق وشر مطلق فالذين يتبعون هذا الخطاب هم الذين يحملون الحق أما الآخرون فيحملون الزيف، بل وهو خطاب يتحدث عن مقدسات فهو يعتبر أن تفسيره للآيات المقدسة هى مقصد الله من هذه الآيات. وبالطبع خطاب مثل هذا يرفض الحوار، فهو يثير الأسئلة ويرد عليها ويقوم بتفسير النصوص للآخر بحسب وجهة نظره وتفسير نصوص دين للآخر هو من أكثر الأمور إيلاما للنفس، وهو ما تتبارى فيه الفضائيات الدينية على اختلاف توجهاتها وبقوة، وهو أحد أسباب إثارة الفتنة أكثر من مرة فى بلادنا وبعد كل ذلك يقولون نحن نعرض الإيمان والتفسير لكننا لا نفرضه أما المدرسة الأخرى فتقول كيف ينكرون الفرض ذلك مع الإصرار على نغمة واحدة متكررة باستمرار وصادرة بأساليب ضخمة لجذب المشاهد، أليس الإلحاح الإعلامى نوعا من السيطرة وفرض الرأى، وهذا واضح من فلسفة الإعلانات الاستهلاكية وشكوى الناس منها، لأنهم يشترون دون وعى منهم بسبب جاذبية الإعلانات المقتحمة لهم، بينما يقول المعلنون نحن نعرض ولا نفرض.

 

●●●

 

وهنا نأتى إلى السؤال الذى يتحدانا هنا والآن ونحن نتحدث عن أهمية التدين وهو ما هو مفهوم التدين؟ وكيف يمكن أن نكون أكثر تدينا؟! هل التدين هو مجرد مجموعة من العقائد (فقة ـ لاهوت) ومعها مجموعة من الشعائر (صلاة ـ صوم........إلخ) أم ممارسات حقيقية على الأرض؟ أم كل هذا معا؟ ثم هل مفهوم التدين شىء نسبى يختلف من مكان لمكان ومن زمان لآخر أم هو ثابت ومطلق؟ إننا نتحدث كثيرا عن مادية الغرب وروحانية الشرق، عن انحلال الغرب ومحافظة الشرق، فماذا نعنى بهذا الأمر؟ إن كنا نقول إن القيم والمبادئ الدينية واحدة ومتشابهة فى كل الحضارات غربا وشرقا مثل قيم الصدق والأمانة والعدالة والمساواة....إلخ. فلماذا نجد هذا الفارق الضخم فى مفاهيم وممارسات هذه القيم بين حضارة وأخرى؟!

 

ولكى ندرك هذا الأمر ونكون أكثر واقعية لنأخذ بعض الأمثلة، فلو أخذنا مثلا قيمة العدالة، ولقد اجتزنا فى السبعة عشر شهرا الأخيرة معاناة شديدة فى مفهوم وممارسات العدالة من خلال الأحكام القضائية وإلغاء البعض منها فى درجات التقاضى المختلفة، أو صدور حكمين عكس بعضهما البعض فى موضوع واحد، وفى بلادنا نعرف العدالة بأنها (المساواة فى الظلم) وهذه الجملة متناقضة، وقد تداخل مفهوم العدالة مع الفقر والحاجة. ولأن البشر فى بلادنا قريبون جدا من بعضهم البعض لذلك أصبحت (العدالة) شخصية أكثر منها موضوعية، وقد توافق المجتمع على ذلك فلا تجد أحد يشكو من هذا. فإذا كسرت ـ عزيزى القارىء قانونا من القوانين فأنت صاحب سلطان أما خضوعك للقانون فهذا يعنى أنك إنسان ضعيف لا حول لك ولا قوة، وهكذا أصبح الخضوع للقانون دليل ضعف واستكانة. إننا فى مصر نعتبر التحايل على القانون أى الكذب من الحنكة السياسية وما أكثر الوعود والتصريحات التى تطلقها قياداتنا، وعندما تبحث وراءها لا تجدها على أرض الواقع. والغريب أن الجماهير تسمع هذه الوعود وتعلم جيدا أنه مبالغ فيها لكنهم يقبلونها كما هى ويهتفون لمن يرددها ثم يسخرون منها على التويتر والفيس بوك والكاريكاتير. أليس هذا غريبا؟! مع العلم أنك لا تجد مثل هذا فى البلدان التى تدين بالبوذية أو الكونفوشسية أو الشنتو وحتى الشيوعية، ترى إذن ما هو مفهوم التدين؟!

 

أما المثال الأخير فهو اختبار شخصى مع أحد الأصدقاء الذين تخرجوا من كلية اللاهوت (الشريعة) التى تخرج رجال دين مسيحى، وبعد أن عمل فى مصر لأكثر من عشر سنوات هاجر إلى أمريكا، وبعد أن حصل على رخصة للقيادة، وكان فى طريقة لتقديم عظة فى إحدى الكنائس وقد تأخر عن موعده، قام بقيادة سيارته على الطريقة المصرية بسرعة مبالغ فيها مع التنقل بين الحارات بطريقة عشوائية (غرز) وبالطبع طاردته سيارة الشرطة وأوقفته، وأنزله الضابط من السيارة وبينما هو يحرر له مخالفة ويعنفه قال صديقى للضابط: أنا رجل دين مسيحى ومتأخر على موعد إلقاء عظة، وهنا استشاط الضابط غضبا وصرخ فى وجهه قائلا لقد كانت المخالفة مائة دولار لكن الآن أصبحت مائتى دولار لأنه يجب أن تكون قدوة للآخرين، قل لى ما الذى ستقوله لمستمعيك اليوم؟ هل ستقول إنك أخذت مخالفة؟! عيب يا أخى؟! تقابلت مع صديقى فى نفس اليوم ورأيته متجهما يضرب كفا بكف قائلا: ياسيدى آدى أمريكا المسيحية المتدينة أنا كنت بعمل كده فى مصر وكان الضابط الذى يوقفنى نصف جبهته تغطيها زبيبة، لكن عندما أضحك فى وجهة قائلا: صباح الخير يا باشا أنا رجل دين مسيحى يضحك قائلا: ماشى يا أبونا ولا يهمك بس ابقى إدعى لنا. ثم صمت قليلا وصرخ قائلا: عمار يا مصر، ثم وجه كلامه إلىّ قائلا قل لى بقى يا فيلسوف مين بقى بلاد المؤمنين ومين بقى بلاد الكفار؟!

 

وبدورى عزيزى القارئ أصرخ فى وجهك بهذا السؤال؟

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات