وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا

نشر فى : الخميس 11 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 11 يوليه 2013 - 12:16 م

ـ1ـ

 

لماذا نأتى البيوت من أبوابها؟ لأن الباب هو المدخل الطبيعى المجهز للدخول المريح، ولا شك أن صاحب البيت قد هيأ هذا الباب مريحا وآمنا لكثرة الدخول والخروج، لهذا قرر القرآن تلك القاعدة العامة، سواء فى دخول البيوت والمبانى، أو دخول المعاملات والمعانى «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا» والقرآن بمبناه ومعناه يحتاج لمعرفة الباب الرئيسى له وهو الباب الآمن الضامن لداخله ألا يضل الطرق، وألا تزل قدمه وألا يملّ من بقائه مع القرآن، فالملل عدو الاستيعاب والقبول، وألا يكلّ فيصيبه التعب والإحباط فيرجع دون تحصيل ما يبحث عنه. فما هو هذا الباب الذى يضمن لداخل القرآن ألا يضلّ، ولا يزلّ، ولا يملّ ولا يكلّ؟ إنه باب «العلم والمعرفة» معرفة طبيعة البيت الذى ستدخله، معرفة الهدف الذى وجد هذا البيت من أجله، أما طبيعة هذا البيت «القرآن» فهو كلام لكنه غير كلام الناس، لذلك فهو يحتاج إلى منهاج بحث غير مناهج البحث فى كلام الناس.

 

ـ2ـ

 

لقد أكد الشعراء وعلماء النقد المتخصصون فى الآداب والأشعار أن القرآن ليس فيه من الشعر شىء، وإن تشابهت بعض فواصله. فقد حاول بعض محدودى العلم أن يصوروا القرآن على أنه شعر، فلم يصدقهم الأدباء والشعراء، واعترف جميع أهل الشعر أنه لا طاقة لشاعر ولا لبشر أن يأتى بمثل هذا القرآن، وأوضح الأمثلة على ذلك ما قرره أشد أعداء الإسلام «الوليد بن المغيرة» فقد تسلل مرات يَتَسمع القرآن ثم وصفه لأصحابه فقال «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر فما يكون هذا قول بشر» فلما انزعجت قريش مما صرح به الوليد بن المغيرة، وأصروا عليه أن ينفى كلامه، نزلت آيات من سورة المدثر تصف غمه وهمه كيف يرجع عما قال، وكيف يبقى محاربا لمحمد فها هو كالأسد فى محبسه شديد القلق يذهب ويعود فى موقعه،

 

قال تعالى «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ» المدثر.

 

هكذا يروغ ابن المغيرة من الحق الذى سمعه، فقد قال سابقا إنه ليس قول بشر، ثم يقول لاحقا «فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ» عجبا أيها المتكبر كيف تعرف الحق وتحيد عنه!! هل هذا الذى سمعته سحر؟ وهل يملك الإنسان العادى مثلك ومثلى أن يحصن نفسه من تأثير السحر والسحرة؟ فإن كان سحرا فلماذا لم يسحرك ويتمكن من أن يزيحك من أمامه؟ لو كان هذا القرآن سحرا لسحر الوليد، لكن الوليد بقى يتمتع بقواه حتى وافاه الأجل؟ ولا ننسى أن القرآن قد تتبع الوليد بن المغيرة ووصف خلجات نفسه، وما استقر فى قلبه من صدق القرآن وبلاغته فقد ثبت لديه «ألوهية القرآن وتميزه»، لكن استكباره حال بينه وبين الإيمان والتصديق، فها هو يطمع «فى النبوة» ويحسد محمدا على النبوة. إن الوليد لا يكذب القرآن ولكنه يحسد من اصطفاه الله واختصه بالقرآن، انظر قول هذا الحاقد كما حكاه القرآن «وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآن عَلَى رَجُل مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم...» الزخرف (31).

 

وانظر كيف رد عليهم القرآن «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ...» الزخرف (32) وفى إلمامة أخرى يعضد الله رسوله باطلاعه على ما يخفيه صدر الوليد بن المغيرة وأمثاله حيث يقول تعالى «... فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» الأنعام (33), فالبوابة الرئيسية التى يدخل منها دارس القرآن هى بوابة «معرفة أنه ليس ككلام البشر» وأنه بحاجة إلى منهج غير مناهج كلام البشر. 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات