أفكار حول متواليات الإرهاب والاستبداد والتطرف - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفكار حول متواليات الإرهاب والاستبداد والتطرف

نشر فى : السبت 11 يوليه 2015 - 11:25 ص | آخر تحديث : السبت 11 يوليه 2015 - 11:25 ص

هذه مجموعة من الأفكار سجلتها فى مساحات صحفية وأكاديمية متنوعة خلال الأشهر الماضية، أعرضها اليوم مجددا ومجمعة آملا فى الإسهام فى إثارة نقاش موضوعى حول أمراض الإرهاب والاستبداد والتطرف التى تنهك مصر والشعوب العربية الأخرى.

فنحن لا نملك ترف انتظار إخفاق الحرب الأمريكية الجديدة على الإرهاب. فوحشية ودموية التنظيمات الإرهابية المنتشرة فى بلاد العرب وتهديداتها المستمرة لحقوق وحريات المواطن وللمجتمعات وللدول الوطنية ومؤسساتها جميعها ظواهر تستدعى الفعل المتكامل والسريع للتحصين الداخلى ولاحتواء الانفجارات الإقليمية.

لا أجادل فى ضرورة المواجهة الأمنية، والعسكرية أحيانا، للتنظيمات الإرهابية فى المشرق العربى وفى اليمن وشبه الجزيرة وفى ليبيا وفى سيناء المصرية. لا أجادل أيضا فى أهمية التنسيق الأمنى والمعلوماتى مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الذين يشاركون فى «الحملة العسكرية» على داعش فى العراق وسوريا، ولا فى محورية أن توضع التنظيمات الإرهابية فى ليبيا على الأجندة الإقليمية والدولية بهدف منع انهيار أو تفتت الدولة الليبية وكذلك بهدف حماية وتأمين الجوار المباشر والحيلولة دون انتقال إجرام التنظيمات الإرهابية إلى مصر أو إلى تونس والجزائر.

***

فقط أذكر أن المواجهات الأمنية والحملات العسكرية بمعزل عن معالجة داخلية وإقليمية ودولية أشمل لن تمكننا من كبح جماح داعش وأخواتها، ولا من إنقاذ المواطن إزاء عصف متعطشين للوحشية وللدموية بحقه فى الحياة وحقوقه وحرياته الأساسية، ولا من استعادة سلم المجتمعات ولملمة أشلاء الدول الوطنية ومؤسساتها، ولا من تجاوز وضعية الإقليم المنفجر دوما.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب نحتاج لتحصين الداخل عبر التأسيس لحكم القانون الضامن لرفع المظالم ولحقوق وحريات الناس ولمساءلة ومحاسبة الحكام وعبر التداول السلمى للسلطة وعبر رفع معدلات التنمية المستدامة، فهذه العمليات والإجراءات لها أن تباعد بين مواطناتنا ومواطنينا ومجتمعاتنا وبين توفير الملاذات الآمنة للإرهاب.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب نستطيع كبح جماح داعش وأخواتها عبر ترشيد المواجهات الأمنية والحملات العسكرية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بين الحكومات العربية بالدفع إلى الواجهة بأولوية الحفاظ على تماسك الدول الوطنية ومؤسساتها وتجاوز الاستبداد والطائفية والمذهبية وعوامل الفقر والجهل التى ترتب معا تنامى الإرهاب وتضع دوما منظومات الحكم / السلطة إما فى خانات رد الفعل أو تفقدها القبول الشعبى والشرعية وتدخلها فى أزمات ممتدة ومتراكمة ليس للمواجهات الأمنية ولا للحملات العسكرية أن تمنعهم.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب أمام مهمة عاجلة تتمثل فى تقديم نماذج ناجحة لمجتمعات مسالمة ومتقدمة ولدول وطنية عادلة وعصرية تجتذب مجددا ضمائر وعقول وقلوب المواطنات والمواطنين الذين أرهقهم الاستبداد، وجردتهم المظالم والطائفية والمذهبية وغياب حيادية مؤسسات وأجهزة الدولة من الأمل فى مجتمعات متقدمة ومن الثقة فى عدل الحكم، وألقت بهم انتهاكات الحقوق والحريات ومشاعر الخوف التى استوطنت بلادنا إلى أتون الولاءات الطائفية والمذهبية بل والهويات القبلية والعشائرية والوعود الزائفة بتقديم الحماية إزاء قهر وقمع وعنف وظلم منظومات الحكم / السلطة وإزاء الفجوات الواسعة فى المجتمعات بين من أصحاب النفوذ والمصالح الكبرى وبين القطاعات الشعبية المهمشة والمفروض عليها الصمت.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب سنخفق فى تحييد الإخفاق المتوقع للحرب الأمريكية على الإرهاب وفى تجاوز أزمات المواطن والمجتمع والدولة ما لم نحسم بتوافقات وطنية واسعة الأسئلة الجوهرية حول الحقوق والحريات الأساسية التى لا يستطيع المواطن الاستغناء عنها وواجباته الضرورية، وحول طبيعة المجتمع المتقدم الذى نريده وتنظيم أدوار الدين والثروة والحكم / السلطة فى مساحاته وقطاعاته المختلفة، وحول هوية الدولة الوطنية التى نبحث عنها ووزن العدل والتنوع والتعددية والتسامح والسلمية وتداول السلطة فى سياقاتها وداخل مؤسساتها وأجهزتها.

***

مواجهة الإرهاب: تحديات السياسة الداخلية

عقب الهجمات الإرهابية فى 11 سبتمبر 2001، استغلت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش (الابن) لحظة خوف شعبى واسع فى المجتمع الأمريكى لتمرير العديد من القرارات والإجراءات الاستثنائية التى هددت حكم القانون وضمانات الحقوق والحريات، وعنت تعريض المواطن صاحب الأصول العربية أو الإسلامية وكذلك المجموعات المقيمة ذات الجذور العربية أو الإسلامية لمراقبة أمنية واستخباراتية غير عادلة.

ولم يستعد حكم القانون فى الولايات المتحدة الأمريكية بعضا من عافيته إلا بفعل مقاومة السلطة القضائية المستقلة للقرارات وللإجراءات الاستثنائية، ودور المجتمع المدنى والإعلام الحر فى توثيق وكشف جرائم التعذيب والانتهاكات وتوعية الرأى العام بخطورة ذبح الحقوق والحريات أثناء مواجهة الإرهاب، ثم بعد تمكن الحزب الديمقراطى المعارض لسياسات بوش من حصد مقاعد الأغلبية فى الكونجرس وإيصال مرشحه أوباما إلى البيت الأبيض فى 2008. وعلى الرغم من ذلك، لم تتخلص الولايات المتحدة إلى اليوم من قرارات وإجراءات استثنائية أسست لها فترة بوش الابن 2000ــ2008، ولم يزل معتقل جوانتانامو يشهد على ذلك شأنه شأن انتهاكات أخرى للحقوق وللحريات فى أفغانستان والعراق وغيرهما ليست القوة الكبرى ببعيدة عنها.

وحين تكررت هجمات إرهابية مشابهة لهجمات 11 سبتمبر 2001 فى بعض البلدان الأوروبية (بريطانيا وإسبانيا)، سعت بعض الحكومات أو الائتلافات الحاكمة (خاصة تلك ذات التوجه اليمينى) إلى تمرير قرارات وإجراءات استثنائية مطابقة لقرارات وإجراءات بوش الابن ــ إن بالتوسع فى المراقبة الشاملة للمواطنات وللمواطنين ذوى الأصول العربية والإسلامية وللمجموعات المقيمة، أو بتقليص الضمانات القانونية للحقوق وللحريات والتورط فى ممارسات تعسفية كالتنصت وإبعاد بعض المقيمين عن أوروبا بإلغاء تراخيص الإقامة والعمل، أو بالتنسيق الأمنى والاستخباراتى مع الأجهزة الأمريكية. إلا أن البرلمانات والسلطات القضائية حالت فى بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وبلدان أخرى دون الانزلاق على منحدر بوش وذبح الحقوق والحريات أثناء مواجهة الإرهاب، وأوقفت الشق الأكبر من القرارات والإجراءات الاستثنائية ولم يمر إلا القليل الذى لم يزل يؤرق ضمائر السياسيين والقانونيين والنخب الفكرية المدافعة عن سيادة القانون والديمقراطية.

واضطلعت المنظمات المدنية والإعلام الحر بدور جوهرى فى توعية الرأى العام بإمكانية مواجهة الإرهاب دون التضحية بالحقوق والحريات، وفى تثبيت فاعلية مواجهة الإرهاب بمزيج من الأدوات العسكرية (خارج أوروبا) والأمنية ومن الأدوات التنموية والمجتمعية (لمعالجة الحظوظ الاقتصادية والاجتماعية المحدودة لذوى الأصول العربية أو الإسلامية) والسياسية (لدمجهم فى الحياة العامة) والفكرية (لمحاربة التطرف).

ومع أن أوروبا لم تتخلص بالكامل من الإرهاب أو توقف انضمام مواطنين ومقيمين على أراضى بلدانها للتنظيمات الإرهابية، إلا أن خبراتها وكذلك بعض جوانب الخبرة الأمريكية بعد أن استعاد حكم القانون عافيته تدلل مجتمعة على فاعلية مواجهة الإرهاب دون قرارات أو إجراءات استثنائية ودون ترشيد للمواجهة عن طريق نقاش عام موضوعى وتعددى، ومشاركة للمجتمع المدنى وللإعلام الحر مع تمكين الأصوات المعارضة والناقدة من الوصول إلى الناس، وبالابتعاد عن استغلال لحظات الخوف والتضامن الشعبى للاندفاع بعيدا عن حكم القانون وضماناته أو لاختزال أدوات المواجهة فى حلول عسكرية وأمنية فقط تظل ضرورية وغير كافية فى آن واحد.

ثمة فاعلية لمواجهة الإرهاب دون تضحية بالحقوق والحريات.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات