سكر مر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 4:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سكر مر

نشر فى : الثلاثاء 11 أغسطس 2015 - 9:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 11 أغسطس 2015 - 9:10 ص

عبر تاريخها الذى يقترب من المائة عام، دأبت السينما المصرية على إنهاء معظم أفلامها بحفل زفاف: العروس، بفستانها الأبيض، تبتسم مع عريسها، ببذته الشيك، يجلسان داخل كوشة، أو يهبطان سلالم البلاتوه، أمامهما أكثر من راقصة، يتمايلن وينتفضن على إيقاعات الطبلة والمزاهر. الأهل والأصدقاء فى حالة بهجة.

على العكس من هذه النهاية السعيدة، يأتى ختام «سكر مر» بنوبة طلاق عامة، تصيب أبطال الفيلم جميعا، يتابعها، فى لقطات متقاطعة، متوالية، تنتقل فيها الكاميرا من مكان لآخر، ومن جلسة انفصال إلى أخرى، حيث تستكمل مراسم الطلاق.

المطلقون هناك، والمطلقات، لا يشعرون بالحزن أو الضيق أو الغبن أو الندم.. عيونهم لا تغرورق بالدموع، ولكن تلتمع بشحنات متباينة من انتشاء الإحساس براحة الانعتاق من قيود وهموم وأعباء.. ربما جاء هذا التغير فى النهايات تعبيرا عن الرؤة الخاصة بصناع الفيلم، وقد يكون التزاما بالإحصائيات التى تشير إلى ارتفاع نسبة الطلاق، بين أولادنا، فى السنوات الأخيرة. وفى ذات الوقت، تجسد الفارق بين زمن حسن الإمام وحلمى رفلة من ناحية، وزمن هانى خليفة من ناحية ثانية.

كاتب السيناريو، محمد عبدالعاطى، يتابع عشر شخصيات دفعة واحدة، الأمر المربك لأى مخرج، يجعله كمن يطارد عشر دجاجات فى آن، ما أن يمسك بواحدة حتى تتملص من أصابعه، وتفلت، ويحاول اللحاق بأخرى.. ولولا تمكن هانى خليفة من أسلوبه الخاص، بطابعه المرهف، المعتمد على تعبيرات وجوه ممثليه الموهوبين، لما جاء الفيلم متماسكا، أقرب للوحة الجدارية العريضة، تعطى فى تفاصيلها البشرية انطباعا لا يخلو من شفقة، عن جيل حار، مرتبك، يواجه حاضرا مضطربا، ويخطو نحو مستقبل يحيطه ضباب الغموض.

التواريخ المكتوبة على الشاشة جزء من بنية الفيلم، يبدأ فيما أذكر، من العام ٢٠١١، ليرتد إلى العام ٢٠١٠، ليتقدم نحو العام ٢٠١٢، ثم يعود إلى سنوات ماضية.. المهم، رحلة الأبطال، من العزوبية، والانفلات، إلى الزواج، ثم الطلاق، تستغرق خمسة أعوام، لا نرى خلالها ما يندلع فى الواقع، بقدر ما نلمس آثاره على الشخصيات.. هنا، لا تأتى العودة للماضى القريب، كفلاش باكات، تدور فى أذهان الأبطال، ولكن تأتى من وجهة نظر صناع السكر المر.

يبدأ الفيلم داخل ناد ليلى، ألوان وزخارف ضوئية، زحام لشباب يرقص ويشرب، يرتدون الملابس الفاخرة.. جميعهم، من ميسورى الحال، لا أثر لمتاعب الحياة على وجوههم النضرة، اللهم إلا فى حدود غيرة بنت من ثانية، تستحوذ على إعجاب الفتى الأنيق، الثرى «أحمد الفيشاوى»، الذى يجيد الرقص، ويترفع عن هذه البنت وتلك.. تتوالى شخصيات تعيش فى عالم ساحر، وإن كان مزيفا.

ثمة مروان «نبيل عيسى»، يعيش مع نازلى «أمينة خليل»، يعاشرها معاشرة الأزواج من دون عقد قران، وحين يحس بالملل، يُغير العلاقة معها فيتزوجها رسميا.

حسام، «هيثم أحمد زكى»، ابن تاجر السيراميك الثرى، تنتابه نوبة ورع مفاجئة، بعد طول تسكع بين النساء، يطلق لحيته، يجد ضالته فى ملك «شيرى عادل»، الملتزمة، عقب وفاة والدتها، بعد أن كانت، وستصبح، على قدر كبير من الرعونة.

على «كريم فهمى»، الوصولى، يرتبط بشيرى، المنفتحة، ويتزوجها.. وفاتنى أن أخبرك بزواج سليم «أحمد الفيشاوى»، من علياء «آيتن عامر».

هذه النماذج، إجمالا، من الممكن وصفها بالتسيب والانحراف، حسب المفهوم الأخلاقى الضيق.. أما بلغة نقاد الستينيات من القرن الماضى، أمثالى، فسيصنفهم كمعبرين عن نمط حياة تافهة لأبناء البرجوازية التى لا تدرك أن رياح الثورة ستعصف بهم، ولو بعد حين.

موقف هانى خليفة ـ ومعه كاتب السيناريو ـ مبهم، مشوش، من هذه المسألة، فالثورة، يأتى ذكرها، من الخارج، خلال مقطع جزئى يتحدث فيه علاء الأسوانى، تليفزيونيا، أو امتعاض مروان حين يوقفه أحد الضباط، طالبا بطاقته الشخصية، أو قلق سليم من انخفاض الإقبال على شراء السيارات، لأنه يعمل فى مبيعاتها.

كل زواج، فى «سكر مر»، مكتوب على ورقة طلاق، حسب عنوان مسرحية ألفريد فرج، لكن لأسباب جد مختلفة.. فى المسرحية يفشل الارتباط لاستحالة التوافق بين شديد الثراء من ناحية، والفقيرة التى لم يكن حبه لها سوى نزوة.. بينما، فى الفيلم، تندلع الطلاقات، جوهريا، بسبب الملل.. بما فى ذلك عناء إجراءات الطلاق المتعثر، بين المسيحية الغلبانة، مريم «ناهد السباعى»، البائعة فى محل ملابس، وزوجها التعيس، نبيل «عمر سعد».

«سكر مر»، وهو يتحاشى الالتفات إلى الواقع، وإلى الأسباب الحقيقية التى تؤدى للطلاق، حصر نفسه داخل التجمعات المغلقة، وبمهارة، أخذ ينتقل من وجه لآخر، كى يثبت، بيقين، أن سبب الانقلابات، والانفصالات، يرجع لأمر واحد.. هو السأم، فهل هذا معقول؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات