أكثر من مجرد ملاذ.. المهاجرون بحاجة إلى المواطنة الاجتماعية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكثر من مجرد ملاذ.. المهاجرون بحاجة إلى المواطنة الاجتماعية

نشر فى : الإثنين 11 سبتمبر 2017 - 10:40 م | آخر تحديث : الإثنين 11 سبتمبر 2017 - 10:40 م
نشرت مدونة aeon مقالًا للكاتبة «نانسى بيرلينجر» ــ الباحثة بمركز هاستينغز فى نيويورك حول المواطنة الاجتماعية كحق من حقوق المهاجرين، وتقصد الكاتبة بالمهاجرين هنا القاطنين لفترة تمتد لعشر سنوات فى مدينة تختلف عن موطنهم الأصلى وما يترتب على ذلك من حقوق سياسية واجتماعية جراء مشاركتهم فى الحياة المدنية والاقتصادية.
بداية ذكرت الكتابة أنه وفى عام 1975، كتب المفكر الإنجليزى جون بيرجر عن الآثار السياسية للهجرة، وذلك فى وقت كان واحد من بين سبعة عمال فى مصانع ألمانيا وبريطانيا مهاجرا ــ ما أسماه بيرجر «الرجل السابع». اليوم، كل شخص سابع فى العالم هو مهاجر.
وعادة ما كان يستقر المهاجرون فى المدن؛ ففى الولايات المتحدة، كانت 20 مدينة (تمثل 36 % من مجموع سكان الولايات المتحدة فى عام 2014) موطنًا لـ 65 % من المهاجرين الشرعيين و61 % من المهاجرين الغير شرعيين. وفى سنغافورة، يمثل العمال المهاجرون 20 % من سكان المدينة. 
يرسخ بعض الفلاسفة السياسيين البارزين ــ بمن فيهم ديفيد ميلر فى كلية نوفيلد بأكسفورد وجوزيف كارنز فى جامعة تورنتو ــ لمفهوم «العضوية الاجتماعية» فى المجتمعات المستقبلة. ومن المفترض أن تنطبق تلك العضوية على العاملين الذين قضوا خمس إلى عشر سنوات فى العمل، والحياة اليومية، وتطوير المرفقات. كما كتب كارينز فى كتابه «من يجب أن يحصل على ماذا؟» (2003)، أنه وبعد فترة من السنوات، أى مهاجر يعتبر جزء من المجتمع المستقبل ولم يعد غريبا. وهذه التجربة الإنسانية فى مجال التنشئة الاجتماعية تصدق على المهاجرين ذوى الأجور المنخفضة والغير شرعيين، ولذلك ينبغى للمجتمع أن يعترف بأن المهاجرين أنفسهم، وليس فقط مساهماتهم الاقتصادية، هم جزء من ذلك المجتمع.
ويطبق كارينز وميلر مفهوم العضوية الاجتماعية على المهاجرين المستوطنين المعرضين لخطر الترحيل لأنهم غير مصرح لهم أو لأن شروط وجودهم مقيدة بشدة بعقود العمل. ففى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يعيش معظم السكان الذين يقدر عددهم بـ 11.3 مليون شخص الذين عبروا الحدود دون إذن أو خارج شروط تأشيراتهم الأصلية، مع أسر تضم ما يقدر بنحو 4 ملايين طفل هم مواطنون أمريكيون بالميلاد. فى كتاب أخلاقيات الهجرة (2013)، كتب كارينز أن احتمال ترحيل المهاجرين الشباب من المكان الذى عاشوا فيه معظم حياتهم كان مثيرا للقلق بشكل خاص: «فمن الخطأ أخلاقيا إجبار شخص على مغادرة المكان الذى ولد وترعرع فيه، حيث تلقى تكوينه الاجتماعى، وحيث تعيش أسرته وكل معارفه». ويتفق ميلر وكارنز مع وجهة نظر المنظر السياسى لبرنستون، مايكل ولزر، بالنظر لمشكلة المهاجرين باعتبارها مشكلة أخلاقية؛ الرأى القائل بأن عمل المهاجرين مؤقت ومثل هؤلاء العمال لا يزالون أجانب يحجب حقيقة أن هؤلاء المهاجرين جزء أصيل وأساسى من المجتمعات التى يعيشون ويعملون فيها، ويستحقون الحماية وفرصا للتقدم.
***
يضيف الكاتب بأن جميع المهاجرين لن يتمكنوا من الحصول على الجنسية الوطنية أو الإقامة الدائمة، سواء كان ذلك بسبب أنهم غير شرعيين، أو أن وضعهم كمهاجرين غير واضح، أو أنهم يعيشون فى دولة تحد من الهجرة أو تثبطها مع السماح للعمال الأجانب بالحصول على تصاريح العمل المتجددة. وإذا اتفقنا على أن الهجرة جزء من هوية مجتمع يعيش فيه المهاجرون ذوو الأجور المنخفضة ويعملون فيه، سواء كان ذلك غير معترف به من قبل غير المهاجرين أو من قبل المهاجرين ذوى الوضع الأعلى، فما الذى يعنيه البناء على فكرة العضوية الاجتماعية، والنظر فى المهاجرين كمواطنين اجتماعيين فى المكان الذى استقروا فيه؟ وما العمل الواقعى الذى يمكن أن تقوم به فكرة المواطنة الاجتماعية من حيث تحسين ظروف المهاجرين ودعم وضع السياسات؟
المواطنة الاجتماعية هى الشعور بالانتماء يصاحبها مجموعة محددة من الالتزامات المرتبطة بالعيش فى مكان ما؛ المكان الذى عاش فيه الشخص حياته الذى قد يكون تم اختياره عن طريق الوالدين أو من قبل الشخص نفسه. بالنسبة إلى أى شخص، فإن المكان الذى تمت الهجرة إليه يمكن أن يعبر عن هويته أكثر من موطنه الأصلى. ومن الممكن أن يعيش المهاجرون فى مدن ترحب بوجودهم أو فى مدن لا تحبذ تواجدهم أو فى مدن لا تشجع قوانينها المدنية على الهجرة ولذا تولدت الحاجة إلى وجود ضمانات بأن المواطنة الاجتماعية سوف تمتد إلى المهاجرين حتى يتمكنوا من الانتماء، والمساهمة فى بناء المجتمع. 
إن اعتبار المهاجرين كمواطنين اجتماعيين فى المدن التى يستوطنون فيها مرتبط بفكرة المدينة باعتبارها «ملاذًا» للمهاجرين. ففى جميع أنحاء الولايات المتحدة، عين المسئولون المحليون «مدن الملاذ» للمهاجرين غير الشرعيين المهددون بالترحيل بموجب سياسات أعلنتها الحكومة الفيدرالية فى فبراير 2017. ويشير هذا التفسير المعاصر لمفهوم قديم إلى سياسة محدودة للتعاون المحلى مع مسئولى الهجرة الفدراليين، المرتبطة بالسياسات الأخرى التى تدعم السكان المهاجرين فى المدينة. ويستخدم المسئولون الكنديون مصطلح «مدينة الملاذ» بالمثل، للإشارة إلى تدابير الحماية المحلية وربما أيضا إلى محدودية التعاون مع سلطات مراقبة الحدود. فى أوروبا، يشير مصطلح «مدينة الملاذ» إلى الجهود الداعمة للاجئين المحليين والدعوة المنسقة لقبول حقوق اللاجئين. وتتسق هذه الإجراءات المحلية التى تحمى المهاجرين مع مفهوم عملى للمواطنة الاجتماعية يتطابق فيه التاريخ المدنى والقيم والمصالح مثل كونه مدينة مرحبة ومتنوعة أو متنامية مع مصالح المهاجرين. ومع ذلك، فإن فكرة «ملاذ» تشير إلى الأزمة: حاجة ملحة إلى مكان آمن للاختباء. ولكى يصبح المهاجرون مواطنين اجتماعيين، يحتاجون إلى المزيد من مدن الملاذ.
وينبغى أن تتجاوز السياسات المحلية التى تضع إطارا للمواطنة الاجتماعية من حيث تطبيقها على المهاجرين المستوطنين ما هو أبعد من تأكيد الحقوق القانونية للمهاجرين ومساعدتهم على استخدام هذه الحقوق، وإن كان ذلك بالتأكيد جزء من إطار عملى. ويمكن أن تستند المواطنة الاجتماعية، كمفهوم ينبغى أن ينطبق على المهاجرين وغير المهاجرين على السواء، على أساس تسويتهم فى مجتمع ما، إلى القانون الدولى لحقوق الإنسان، ولكن يمكن أن تكون مفيدة فى الولايات القضائية التى لا تكون فيها حقوق الإنسان هى النقطة المرجعية المعتادة للنظر فى كيفية انتماء المهاجرين، والمساهمة فى حمايتها من قبل المجتمع.
***
ماذا يمكن للمدينة أن تتوقع من المهاجرين كمواطنين اجتماعيين؟ يجب على المدينة بداية أن تضع فى اعتبارها أن عملية الإدماج الاجتماعى تستغرق عادة أكثر من جيل واحد، فلن يكون من الإنصاف توقع أو مطالبة المهاجرين بالاندماج فى مجتمع جديد على جدول زمنى غير واقعى. ومعظم المهاجرين من البالغين، ينبغى أن تتاح لهم فرص الانتماء والمساهمة والحماية، وكذلك للجيل القادم. ولا يمكن توقع أن يتخذ المهاجرون إجراءات قد تعرضهم أو تعرض أسرهم للخطر. على سبيل المثال، فى حين أن الحقوق المدنية المحمية دستوريا فى الولايات المتحدة تمتد إلى المهاجرين غير الحاملين لوثائق، فإن استخدام هذه الحقوق يمكن أن يثير خوف المهاجرين وبالتالى يحد من قدراتهم على المشاركة فى الحياة المدينة. 
ختاما تذكر الكاتبة أن محسن حامد قدم فى روايته إكسيت ويست (2017) نسخة خيالية فى المستقبل من اقتراح «العفو المكتسب». وبموجب «ضريبة الوقت»، يدفع المهاجرون الجدد إلى لندن «جزءًا من الدخل» موجه إلى برامج الرعاية الاجتماعية للمقيمين منذ فترة طويلة، ولديهم فرص حقيقية لتحقيق الملكية المنزلية من خلال العمل على مشاريع بناء البنية التحتية (لندن هالو ').
واليوم، يناقش المهاجرون لبرلين كيفية الحد من الإيجارات المتصاعدة بحيث تظل المدينة مفتوحة أمام السكان ذوى الأجور المنخفضة، بمن فيهم المهاجرون الداخليون وعبر الوطنيون. ومن شأن وجود مفهوم قوى للمواطنة الاجتماعية يشمل المهاجرين الذين بدأوا عملية الانتماء إلى المدينة، والذين ينبغى الاعتراف بأنهم ينتمون بالفعل، أن يوفر إطارا ضروريا لفهم الحياة الحضرية المعاصرة فى مدن المقصد.

النص الأصلى
التعليقات