مستعمرة العقاب - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستعمرة العقاب

نشر فى : السبت 11 نوفمبر 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 11 نوفمبر 2017 - 9:40 م

ــ الشعب المصرى ده شعب خانع ويستاهل كل اللى يجرى له.

ــ ليه بس كده؟

ــ من شهرين جالنا مدير جديد محترم جدا. اجتمع معانا وطلب من الناس يتكلموا بصراحة ويقولوا أفكارهم. تصور إن مفيش مخلوق واحد قال كلمة باستثناء: اللى تشوفه يا فندم، حضرتك الخير والبركة.

ــ طب اسمع الحدوتة دى. وانا فى المدرسة الإعدادية كنت تلميذ نشيط. باحب اتناقش واعبر عن رأيى بصراحة، وباسأل لو مش فاهم أو حاجة مش داخلة فى دماغى. فى يوم جاءنا مدرس حساب وهندسة جديد. أحببناه لإنه كان صغير فى السن وبالتالى أقرب لنا من المدرسين الديناصورات اللى المدرسة العريقة اشتهرت بيهم. زى باقى المدرسين كان بيشيد بمشاركتى اللى كان بيسميها «لماضة». فى مرة شرح تمرين هندسى مشهور على السبورة بشكل خاطىء. استأذنت فى الكلام وقلت الحل الصح، وشرحت اعتراضى على الحل اللى قدمه. الراجل أمن على كلامى، وابتسم لى ابتسامة واسعة ما نسيتهاش. بعدها بكام يوم فاجئنا إنه قرر وبشفافية شدية مصارحتنا بدرجاتنا فى «أعمال السنة». وعشان افكرك، السنوات التعليمية غير النهائية، يعنى أولى وتانية إعدادى أو ثانوى، كان المجموع يتحكم فيه عوامل تضاف إلى درجة امتحان آخر السنة. منها بشكل أساسى التقييم المعروف بأعمال السنة الذى كانت درجته متروكة لتقدير المدرس ولا يطلع عليها أحدا.
بشفافية غير معهودة قرأ المدرس درجاتنا واحدا واحدا. المفاجأة غير المتوقعة كانت حصولى على المركز قبل الأخير. جلست فى مكانى دون أن اتحرك. اجتاحنى إحساس بالظلم وانسابت الدموع من عينى دون أن «أنبس ببنت شفة» زى ما بيقولوا. المدرس جه ناحيتى ووضع يده على كتفى وقال: «زعلان ليه؟ ده مستواك» وابتسم نفس الابتسامة.

ــ وده علاقته إيه بخنوع وتقاعس الناس اللى لما تجيلهم فرصة يشاركوا، يقولك انا مالى يا عم. ماليش دعوة؟

ــ الموقف اللى حصل معايا كان رسالة للفصل كله. والمواطن المصرى بيمر فى حياته بمجموعة مواقف بتوصل له رسالة خلاصتها إن المنظومة التى يعيش فيها محكومة بعرف وليس بقواعد معلنة. الشعارات المتداولة فى الخطاب العام تتناقض مع التطبيق.

ــ مش فاهم.

ــ الإنسان المصرى بيعيش داخل منظومة تعوم فى شعارات تعظيم قيمة العمل والنظام والتضحية وحب الوطن. خطابها يفيض بمشاعر الوطنية الملتهبة الجياشة. فى الوقت ذاته اختيارات المنظومة لرموزها وممثليها ومن يعبرون عنها ومن تكرمهم متناقضة تماما مع خطابها. فى مراحل الوعى الأولى لابد أن يشعر المصرى بالتناقض وازدواجية الفعل والقول، لكن بمرور الوقت يتم تدجينه ويصبح جزءأ من منظومة تكاد تجرم العلم والعمل. لو لم يصبح كيانا فاعلا وبالتالى من المقربين، سينتهى به الحال إما مشتاقا أى فى حالة شغف دائم لإثبات جدارته بالحظوة، أو محبطا وناقما، أو راغبا فى الهجرة عن البلد أو عالمنا الزائل. مشكلتنا مش فى «خامة الشعب» أو «مدى جودته»، لإن الشواهد بتقول إن انتقال كتير من المصريين إلى منظومة مغايرة (خارج مصر) بيعطيهم فرصة للتفرد والإبداع. والشواهد كتير.

ــ لما تقول كده بتعفى الناس من المسئولية وبترسخ فكرة الحاكم الفرد اللى بتحط فى رقبته كل حاجة.

ــ بالتأكيد فيه مسئوليات لكل عضو فى منظومة الوطن كله. لكن المسئوليات بتختلف وكل ما تقرب من راس الهرم بتزيد. أهم المسئوليات وأعظمها تأثيرا هو ضبط القيم الأساسية اللى بتحكم المنظومة كلها. هذه العملية فوقية والمايسترو المسئول عن الفرقة هو اللى بينظمها. بتحصل من فوق لتحت وعمر راجل الشارع أو الموظف الغلبان ما بيكون مسئول عنها. لما انا كنت تلميذ مسئوليتها ما كانتش معايا لكن كانت مع أستاذى اللى قرر العقاب بديلا عن المكافأة. لا يختلف هذا فى سياقنا الأوسع عن معاملة المجتهدين والعلماء وتكريم الدجالين ومروجى «الكفتة» بمعناها الدارج.
القاعدة لا تفرض منظومة قيم على القمة إلا فى حالات نادرة زى التمنتاشر يوم بتوع ثورة يناير. وقتها كانت القمة بتضرب تعظيم سلام للشعب والكل انصاع وراء منظومة قيم جديدة: محدش كان يقدر يمد إيده يطلب رشوة أو إكرامية، والناس كانت بتنضف وتجمل الميادين اللى شهدت ثورتها. القيم السائدة اتغيرت بين يوم وليلة والمسئولين عن المنظومة كان عندهم فرصة لاستلهام قيم لنهضة جديدة وتأكيدها وتغيير المنظومة. لكن للأسف بعدها مباشرة وجد الشعب «من يحنو عليه».

ــ كالعادة. قلبت الموضوع سياسة بدل ما تقدم نقد بناء.

ــ معلش. بس قول لى. انت عملت إيه مع المدير الجديد؟ كلمته بصراحة وقلت له اقتراحاتك؟

ــ ياسلام!! انا يعنى اللى هاعمل فيها بطل واتكلم؟!

التعليقات