أهمية وضرورة العمل الأهلى - نبيل صموئيل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أهمية وضرورة العمل الأهلى

نشر فى : الأحد 11 نوفمبر 2018 - 11:20 م | آخر تحديث : الأحد 11 نوفمبر 2018 - 11:20 م

أثلج قرار السيد الرئيس بإعادة النظر فى قانون الجمعيات الذى صدر أخيرا قلوب المهتمين والمنشغلين والمنخرطين فى العمل الأهلى، فمنذ صدور هذا القرار أصبح هؤلاء جميعا فى حالة من التردد والقلق على مستقبل العمل الأهلى فى مصر نظرا لما يحتويه القانون من مواد مجحفة وقاسية وما بروح هذا القانون من الشك والريبة لكل المنشغلين والمنخرطين بالعمل الأهلى.
والسؤال هنا لماذا الاهتمام بالعمل الأهلى وما هى أهميته وضروريته وهل للعمل الأهلى مكانا فى الدولة القومية، هذا ما سوف نحاول تناوله فى هذا المقال.
إن بناء الدولة القومية القادرة على مواجهة وإدارة التحديات الكبرى التى تتهددها يستدعى بالضرورة بناء مؤسسات هذه الدولة الحديثة وتطوير علاقات صحية وصحيحة بين المجتمع السياسى (السلطة) وبين المجتمع المدنى أو الأهلى (المواطنين)، علاقات تقوم على فهم وإدراك كل منهما لأدواره وتوجهاته وعلاقته بالطرف الآخر، فلكل من المجتمع السياسى والمجتمع المدنى قضاياه واهتماماته التى يجب أن تلتقى جميعها عند مصالح الوطن والمواطنين وبناء المصير الواحد وأن تتميز هذه العلاقة بالاحترام والتقدير المتبادل والحرية والديمقراطية والعدالة التى تتمثل ليس فقط فى احترام حقوق الأغلبية أو النخبة بل واحترام حقوق العوام والأقليات والفقراء فى المجتمع بنفس القدر والمساواة.
ومن الأهمية القصوى فى عملية بناء الدولة القومية أن تشمل بناء مؤسسات المجتمع السياسى والمجتمع المدنى معا بحيث يكون لدى كل طرف منهما القدرة على المواجهة والتعاون والمشاركة فلا تنمو مؤسسة على حساب الأخرى حيث يجب أن تتميز الأدوار بينهما بوضوح واحترام، إذ يجب أن تقوم الدولة أيضا على التوازن بين سلطات المجتمع السياسى، التنفيذية والتشريعية والقضائية، باستقلال وحيادية لتصبح هذه المؤسسات قائمة على حماية مصالح وحقوق المواطنين وقادرة على إنجاز أعمالها دون تعطيل أو روتين أو فساد، كما تكون قادرة على تطبيق القانون بعدالة على الجميع دون تمييز أو محاباة.
ويصبح لدى مؤسسات المجتمع المدنى (المواطنين) حرية للعمل فى المجال العام للمجتمع بإبداع وجرأة فى تناول القضايا ومواجهة التحديات الهامة للمجتمع إلى جانب القدرة على رقابة المجتمع السياسى ونقده دون خوف أو تملق ومحاباة، كما أن المجتمع المدنى يجب أن يعمل فى إطار ضوابط الصالح العام للمجتمع ولا يخضع للصالح الخاص.
إن بناء الدولة القومية فى هذا الاتجاه يسهم بصورة حقيقية فى تشكيل مناخ يتبنى قيمة المواطنة ويحفز عليها فيتحرك المجتمع جميعا لمواجهة التحديات والكوارث ويكون له دورا أساسيا فى بناء الدولة الحديثه وصناعة مستقبل أفضل وبناء المصير الواحد.
***
تقوم مؤسسات الدولة المختلفة على حماية وحقوق المواطنين وتوفير البنية الآمنة لهم ليعيشوا الحياة الكريمة وليقوموا بأعمال الإنتاج والخدمات سواء فى أجهزة الدولة المختلفة أو فى القطاع الخاص لذلك فقد نشأت علاقة اعتمادية متبادلة بين الدولة بأجهزتها والمواطنين أنفسهم، فصياغة عقد اجتماعى وسياسى بين الدولة والمواطنين يعتبر من أهم ملامح الدولة الحديثة.
لكن الارتقاء بهذه العلاقة بين الدولة والمواطنين وإصلاح أحوال المجتمع بدءا من السلطة السياسية لا يتوقف فقط على نوايا وقدرة أجهزة الدولة لكنها ترتبط ارتباط مباشر بإصلاح أحوال المواطنين أنفسهم الذين هم أعضاء المجتمع المدنى بحيث يكون لديهم الوعى الكافى والحركى بالقضايا المحيطة بهم مدركين الأسباب التى أدت إلى الأوضاع القائمة التى هم عليها وللنتائج المرتبة على ذلك، كذلك تكون لدى المواطنين الدوافع اللازمة والكافية للعمل فى مواجهة هذه الأوضاع وأن تكون لهم الحرية الكاملة للتطوع والعمل فى المجال أو الشأن العام المجتمعى وأن يسعوا كأفراد وكمؤسسات مجتمع مدنى أو الأهلى نحو أداء دورهم لأحداث تغيرات من شأنها إصلاح أحوالهم وأحوال المجتمع ككل وبذلك بتكون لديهم التزام واهتمام بالشأن العام المجتمعى وليس بالشأن الخاص لهم فقط. يرتبط هذا الاهتمام والالتزام بالشأن العام المجتمعى بمجموعة من السلوكيات المكتسبة التى تعاون على الإصلاح والتطوير.
تشمل هذه السلوكيات حفاظ المواطن على المجال العام من انتهاكات المجال الخاص باعتبار أن كل ما هو عام هو للجميع وليس لفئة على حساب أخرى كالحفاظ على الطرق ووسائل النقل المختلفة والحدائق العامة وغيرها، ويتمثل هذا السلوك ليس فى اكتساب الفرد الواحد له فقط إنما أيضا فى دوره لحماية هذه المنشآت العامة من أضرار الآخرين بها وإفسادها.
إن ابتعاد المواطن عن الانزلاق فى استغلال السلطة الحاكمة والموارد العامة والاحتكار والإغراق للسلع والخدمات لمصالحه الشخصية دون مراعاة لمصالح الآخرين وعلى حسابهم هى من سلوكيات المواطنة فى بناء الدولة الحديثة القومية.
كما أن المواطنين فى الدولة الحديثة والملتزمين بفكر المواطنة يسعوا نحو بناء التماسك المجتمعى الذى يقبل التعددية والتنوع فى المجتمع مع التحرك نحو عدم التميز بينهم بسبب الدين أو الطبقة الاجتماعية أو النوع الاجتماعى وغيرها من أسباب التنوع فى مجتمع الدولة الحديثة.
يتكون لدى المواطنين فى الدولة الحديثة وعيا سياسيا ناضجا، الوعى السياسى المرتبط بالمصير السياسى الواحد والذى يبنى تماسك ووحدة المجتمع وهو ما يزكى الإرادة بينهم للمساهمة والعمل فى المجال العام مع الاكتراث والاهتمام بمن هم أكثر احتياجا فى المجتمع من المهمشين والفقراء وكبار السن وغيرهم من هذه الفئات، وذلك باعتبارهم مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وأن ما آلت إليه أحوالهم بسبب النظام الاجتماعى العام الذى يفرز الفقر الشديد والعجز الشديد إلى غير ذلك من أنواع القصور.
يصبح لدى المواطنين فى الدولة الحديثة إدراكا ووعيا كبيرا لمسئوليتهم عن أصواتهم السياسية التى تفرز باستخدامها مؤسسات الدولة المختلفة تنفيذية وتشريعية وقضائية فلا تخضع هذه الأصوات لأهواء السلبية أو قبول الابتزاز والتجارة والتميز الدينى والطائفى والعرقى والاجتماعى.
مواطنو الدولة القومية على وعى وإدراك بأنهم جميعا متساوون أمام ولدى القانون، المساواة للجميع دون تعصب أو رياء، فهم مواطنون لا رعايا أو ذميون لديهم استعداد كامل للعيش المشترك الواحد المبنى على المساواة دون تفرقة أو تميز أو تهميش وإن وعيهم بذلك يجعلهم قادرين على مواجهة السلطات بالأساليب القانونية والدفاع عن حقوقهم.
***
يؤمن المواطنون فى الدولة بالتعددية والتنوع فالمواطنون فى هذه الحالة تختلف مشاركتهم السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية فالدولة القومية هى الوعاء القانونى لكل تنوعات المجتمع ومرجعياتها، والمواطنة تؤمن حقوق المواطنين فى اختياراتهم المتعددة والمتنوعة ويصبح لدى المواطنين قناعات بأهمية مشاركتهم المتنوعة، فيمارس المواطن حقه فى الاختيار السياسى والاجتماعى والدينى دون خوف أو ضغوط وفى ذلك إثراء للتماسك الاجتماعى والمصير السياسى الواحد الذى يجمع ويضم الجميع بكل انتمائهم ومرجعياتهم.
يتبنى المواطنون فى الدولة القومية الحوار كأساس للحياة والتفاهم والتعاون، الحوار بينهم وبين السلطة والحوار بين مؤسسات المجتمع المدنى والحوار بينهم بعضهم البعض.
الحوار المؤسس على حق كل طرف فى اختياراته وتوجهاته، المؤسس على احترام الفردية وبناء الجماعة والسعى نحو التماسك الاجتماعى وهو حوار يحتاج إلى تخصيب مستمر ليصبح أسلوبا لكل مواطن للحياة والتعايش والتعاون وبناء المصير السياسى المشترك.
لذا فإن بناء أى دولة قومية لا يتوقف فقط على وجود وكفاءة مؤسساتها الرسمية التى تعبر عن السلطة السياسية، إنما تتوقف أيضا على وجود مجتمع مدنى أو أهلى قوى حر قادر على التفاعل والعمل بحرية وكفاءة دون شك أو تردد. وأن تعمل مؤسسات السلطة السياسية مع مؤسسات المجتمع المدنى أو الأهلى معا لتحقيق المصير الواحد لكل أبناء الوطن الواحد.
نأمل أن تكون تعديلات القانون لصالح تحقيق هذه الأهداف القومية.

التعليقات