ضابط «إيقاع»! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضابط «إيقاع»!

نشر فى : الجمعة 12 يناير 2018 - 11:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 يناير 2018 - 11:10 ص

فعل المستشار نبيل صادق، النائب العام، خيرا عندما أمر بإجراء تحقيق عاجل فيما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، من تسريبات ادعت أنها تخص ضابطا فى أحد الأجهزة الأمنية، يقوم بإعطاء توجيهات وتعليمات لعدد من الإعلاميين، تحدد لهم طريقة التناول لبعض القضايا الخارجية والداخلية، بما يتماشى مع الرؤية والموقف الرسمى للدولة المصرية.

القرار بإجراء تحقيق رسمى فى هذه الواقعة، يجب ان يصل إلى نهايته، وان تعلن نتائجه بكل شفافية للشعب، خصوصا أن ما ذكرته «نيويورك تايمز»، وما تلاه من تسجيلات صوتية، أذيعت على قناة الجزيرة القطرية والقنوات الإخوانية التى تبث من تركيا، أساءت اساءة بالغة لصورة البلاد، وأظهرتها كما لو أنها تعطى ظهرها للقضية الفلسطينية، ولا تمانع فى التنازل عن القدس لصالح المحتل الصهيونى، وتسخر برامج قنواتها الفضائية الخاصة للنيل من «معارضى الرئيس» أو حتى من يفكرون فى منافسته، وتوجه «إعلاميى الليل وآخره»، بشن حملات سباب وتطاول ضد دول وقادة عرب ليسوا على وفاق مع السلطة الحالية فى مصر.

ليس هذا فقط، بل ان هذه التسجيلات التى تم اذاعتها، أحدثت حالة من الجدل داخليا، يخطئ من يتصور أنها ستأخذ بعض الوقت، قبل ان يطويها النسيان فى زحمة الأحداث التى تموج بها البلاد كل يوم، بل يخطئ أكثر من يتجاهل وجود قطاع من المواطنين، يميل إلى الاعتقاد بصدقية بعض ما جاء فيها، لا سيما أن المحتوى الإعلامى الذى يقدم على العديد من الشاشات ليلا وفى الصحف صباحا، لا يختلف كثيرا عن مضمون «التوجيهات» التى حفلت بها تلك التسريبات المزعومة!.

بموازاة هذا التحقيق الرسمى، ينبغى علينا الاعتراف بأننا نحتاج إلى تصور ورؤية ونظرة جديدة ومختلفة لدور ووظيفة الإعلام فى مصر، والتى تم العمل على تنفيذها منذ ثورة 30 يونيو 2013.. ففى ذلك الوقت كانت الدولة تشعر بحالة من القلق الكبير، جراء التحديات الداخلية الهائلة التى تهدد استقرارها، و«المؤامرات» الخارجية المتواصلة التى تستهدف اسقاطها وتفكيك مفاصلها، وبالتالى سعت إلى استنهاض كل قواه من أجل مجابهة تلك التحديات والتغلب عليها.

كان الإعلام أحد «الأذرع» المهمة فى هذه المعركة، ورأت الدولة انه لكى يؤدى الدور المنوط به ــ من وجهة نظرها ــ فينبغى و«بشكل مؤقت» وجود «ضابط إيقاع»، يرسم له بين الحين والآخر «معالم الطريق»، التى ينبغى السير فيها، حتى يحدث ذلك التناغم المطلوب.. دور أشبه بدور «المايسترو» فى الفرق الموسيقية، الذى يضبط تناغم وتوافق الانغام والاصوات الصادرة عن الآلات الموجودة مع الفرقة الموسيقية التى يقودها، فتخرج لنا تلك السيمفونية المتناغمة.

بمرور الوقت تحول هذا «التدخل المؤقت» فى المشهد الإعلامى إلى حالة «سرمدية» أو أبدية، وأضحى التنوع «مشروع خيانة للوطن»، والاختلاف فى المضمون والمحتوى الإعلامى «أثرا بعد عين»، وباتت الرسالة متشابهة على جميع النوافذ الإعلامية.. نفس المفردات والصياغات والمعلومات والاستنتاجات، والفرق الوحيد فقط يتمثل فى اختلاف وجوه مقدميها، الأمر الذى انعكس سلبا على المتلقين، الذين بات عدد كبير منهم، يبحث عن المعلومة والخبر والتغطية المختلفة فى الوسائل الإعلامية التى «تكره» وتكن العداء لدولة 30 يونيو!.

إذا كنا نؤيد وبشكل لا جدال فيه فصل الدين عن السياسة، حتى نجنب الوطن أى آثار مدمرة على وحدته واستقراره، فإننا وبنفس الدرجة نرفض التدخل الحكومى والأمنى فى شئون الإعلام أو توجيهه، طالما كانت مظلته وطنية، ولا يحرض على الفوضى والعنف والإرهاب أو يثير النزعات الطائفية أو العرقية أو المذهبية.

التنوع مطلوب والاختلاف واجب والصوت الواحد إلى زوال، والتمدد فى السيطرة على الوسائل الإعلامية، لن يرسخ «فوبيا إسقاط الدولة» لدى الكثيرين، والعصر الحالى لم يعد يحتاج إلى «ضابط إيقاع» يحدد النغمة الإعلامية المراد سماعها.. فالشعب اذ لم يجد إعلاما حرا ينقل بصدق وحيادية همومه ومشاكله، ويساهم فى معالجتها بشكل موضوعى، ولا يلجأ إلى تخديره أو تهديده بمصير سوريا والعراق، فإنه سيولى وجهه شطر من يوفر له ذلك.!

التعليقات