من باب الشعرية إلى وول ستريت .. الكل يخضع للسيادة الأمريكية - أميمة كمال - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 1:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من باب الشعرية إلى وول ستريت .. الكل يخضع للسيادة الأمريكية

نشر فى : الأربعاء 12 فبراير 2014 - 5:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 فبراير 2014 - 5:45 ص

لا أعرف على وجه الدقة كيف كان يشعر كبار المسئولين فى عدد من البنوك وشركات التأمين، وشركات السمسرة، وشركات الوساطة فى مجال الأوراق المالية فى البورصة، ومديرى صناديق الاستثمار المصرية وهم يجلسون منذ أيام أمام وكيل محافظ البنك المركزى والمدير التنفيذى لوحدة مكافحة غسل الأموال سمير الشاهد ليوضح لهم الخطوات التى عليهم أن يتبعوها للامتثال للتعديلات التى أدخلتها وزارة الخزانة الأمريكية على قانون الضرائب على الدخل الأمريكى. والتى تلزمهم وهم فى مكاتبهم داخل الأراضى المصرية، بعد خطوات طويلة ومعقدة، باستقطاع ضرائب الأمريكان المتهربين، وتسليمها لمصحة الضرائب الأمريكية سواء كان الشخص الأمريكانى هذا يعيش فى مصر، أو حتى فى الولايات المتحدة. فى الوقت الذى يدفع فيه المصريون المقيمون فى الولايات المتحدة الضرائب عن أى دخل يتحقق لهم على الأراضى الأمريكية بما فى ذلك الضرائب العقارية لوزارة الخزانة هناك، امتثالا لذات القانون، دون أن تنطق وزارة المالية فى مصر (اشمعنى أنا).

بينما نفس تلك القيادات المصرية فى المؤسسات المالية التى تستعد الآن لتطبيق الإملاءات الأمريكية بحذافيرها، هى من وقف لسنوات طويلة (متسلحة بمقولات الخوف من تطفيش المستثمرين) ضد أى محاولات حكومية فى مصر لفرض أى ضرائب على الأرباح الرأسمالية التى يحققها المضاربون فى البورصة. وآخرها محاولة الدكتور سمير رضوان وزير المالية الأسبق بعد ثورة يناير الذى وضع فى موازنة الدولة لعام 2011/2012 موارد تقدر بـ2.5 مليار جنيه كضرائب على توزيعات أرباح الشركات فى البورصة. إلا أن ضغوط أصحاب المصالح نجحت فى إلغاء هذا القرار. ومن بين تلك القيادات أيضا من أقام دعوى قضائية مازالت منظورة فى المحاكم يطالب فيها بإلغاء ضريبة التمغة على التعاملات فى البورصة المصرية التى تم فرضها أيام حكم الإخوان، والتى لا تزيد على واحد فى الألف من قيمة التعامل. أى يعترضون أن يدفع المستثمر فى الأوراق المالية 500 جنيه فقط، عن قيمة تعاملات تبلغ نصف مليون جنيه. بينما سيبلغون بأنفسهم عن أى أمريكانى (يعيش فى مصر) تسول له نفسه التهرب من الضرائب الأمريكية على حساباته فى البنوك، وشركات التأمين، أو تعاملاته فى البورصة المصرية، أو حصصه ومساهماته فى شركات فى مصر.

وهذا الامتثال للسيادة الأمريكية يعنى على الفور أن تبدأ كل القيادات القابعة على رأس المؤسسات المالية المصرية فى مراجعة ما إذا كانوا خاضعين لقانون الضرائب على الدخل فى الولايات المتحدة، أم أن الشروط الأمريكية الصنع لا تنطبق عليهم. وهذا يقتضى منهم أن يراجعوا أصول المؤسسة التى يعملون بها، ودخلها، والهدف من تأسيسها، من خلال الاستعانة بأحد المكاتب الاستشارية التى ستقرر لهم ما إذا كانوا يخضعون أم لا.

•••

وإذا كانت المؤسسة المالية المصرية تقع فى دائرة من يستوجب عليهم الامتثال لقانون الدخل الأمريكى. فهذا يستدعى بالضرورة الاستعانة بخبراء أجانب، وبمكاتب محاماة دولية، وبشركات لإعداد نظم المعلومات داخل المؤسسة لضبط سجلاتها على التعليمات الأمريكية. وكل هذه الأمور تستدعى تكلفة مالية على المؤسسات المصرية أن تدفعها صاغرة، وإلا عليها أن تتحمل تبعات عدم الامتثال للسيادة الأمريكية. وهى فرض العقوبات المالية التى تصل إلى خصم 30% على جميع الأرباح والفوائد التى تكون من مصدر أمريكى. كما تتعرض إلى فقدان علاقتها بالبنوك المراسلة الأمريكية. مما يضعف من علاقاتها بالمؤسسات المالية على المستوى الدولى.

وهذا معناه ببساطة أن عددا كبيرا من المؤسسات المالية فى مصر عليه من الآن أن يستعد لمطاردة كل أمريكى يضع أموالا تزيد على 50 ألف دولار فى مصر، حتى لو كانت بالعملات المصرية. سواء كان يضعها فى حساب بنكى، أو فى شركة سمسرة تستثمرها له فى البورصة المصرية، أو يتعامل مع صندوق أستثمار أو حتى اشترى وثيقة تأمين على المعاش. بل ولا تترك هذه المؤسسات مواطنا تتشكك فى أنه أمريكى يفلت من قبضتها. وإلا اعتبرت تلك المؤسسة متعاونة معه على التهرب من الضرائب.

ولأن وزارة الخزانة الأمريكية قد رأت إضافة فصل خاص داخل قانون الضرائب على الدخل منذ عام 2010 من أجل توسيع دائرة الخاضعين للضرائب لتشمل كل أمريكى يعيش فى أى بقعة من بقاع العالم، وكذلك كل مؤسسة يسهم فيها أمريكى بأكثر من 10%. فكان على العالم كله أن يقبل صاغرا بالجبروت الضريبى الأمريكى الذى يلزمه ليس فقط بالتنقيب فى ضمائر كل أمريكى قد يفكر فى التهرب الضريبى. ولكن بالإبلاغ عنه بعد استئذانه، وأخذ موافقته صاغرا هو الآخر. لأنه يعلم أنه إذا لم يوافق على كشف وتعرية حساباته (التى هى سرية كما يقضى القانون) أمام مصلحة الضرائب الأمريكية فإنه سوف يدفع غرامة قد تصل إلى 50 ألف دولار.

•••

ووصل الجبروت الأمريكى أن يجعل المسئولين فى أنحاء العالم هم من يطبقون القانون بحذافيره. حتى لو حملت نصوص القانون ما يعجز العقل عن تقبله. فعلى كل مؤسسة فى العالم الآن أن تتأكد من جنسية كل عميل لديها لا يفصح صراحة فى أوراقه عن هويته الأمريكية. والحقيقة أن هناك كثيرين قد لا يفصحون عن أنهم أمريكيون بالفعل، ليس تهربا من الضرائب، ولكن لأن الشروط التى يضعها القانون الأمريكى يعجز عن تصديقها بشر. فوزارة الخزانة الأمريكية تعتبر أن من قضى 183 يوما متقطعة فى الولايات المتحدة خلال الثلاث سنوات السابقة يعد أمريكيا، وبالتالى تستحل ضرائبه. ويستوجب عليه تسديدها لأمريكا. وفى عرف الخزانة الأمريكية أن من عاش طوال حياته فى الشرابية أو فى باب الخلق، أو باب الشعرية واكتشف أنه مولود بالتبنى من أب أو جد أمريكى فعليه أن يدفع ضرائب للحكومة الأمريكية، مثله مثل أى مواطن أمريكى ترعرع، وقضى حياته دون أن يغادر منطقة وول ستريت بنيويورك.

وسيكون على كل مؤسسة مالية أن تفتح أعينها عن آخرها لتضبط فى أوراق أى عميل لديها أية بيانات يستدل منها على رقم تليفون أمريكى، قد تركه للاتصال به، أو حتى أعطى توكيلا ذات مرة لأحد يعيش فى أمريكا ويحمل عنوانه اسم شارع فى الولايات المتحدة، لأن هذا يعد مؤشرا على أنه قد ضبط أمريكيا.

•••

الولايات المتحدة قبلة الرأسمالية تنبش فى أنحاء العالم باحثة عن رائحة أمريكية فى كل بقعة من بقاعه حتى تجمع ضرائب بعد أن قدر مجلس الشيوخ الامريكى فى عام 2008 ما تخسره الولايات المتحدة من حصيلة ضريبية نتيجة عن عدم تسديد ضرائب عن الدخول المتولدة لأمريكيين فى الخارج بحوالى 100 مليار دولار سنويا. فقررت أن تستقطعها لصالح خزانتها أفضل من أن تتركها لغيرها. خاصة وأن بعض الحكومات ومنها الحكومة المصرية لم تستفد من اتفاقية منع الازدواج الضريبى مع أمريكا. والتى تسمح لمصر بفرض ضرائب على الأمريكان بحيث يخصمها الأمريكى من المستحقات الضريبية المقرر دفعها فى الولايات المتحدة.

•••

وزارة الخزانة الأمريكية تتوعد دول العالم كلها بالعقوبات القاسية إن ساعدت أحد رعاياها على التهرب من الضرائب. وهى قد أجبرت أحد البنوك السويسرية على دفع غرامة مالية قدرها 680 مليون دولار منذ 4 سنوات لمساعدته عدد من الأثرياء الأمريكان للتهرب من الضرائب عن طريق حسابات داخل البنك.

تفعل أمريكا ذلك بينما وزارة المالية فى مصر تعقد الجلسات والمؤتمرات والمنتديات منذ عدة سنوات مع رجال الأعمال من أجل إقناعهم بدفع ضريبة عقارية تبلغ 3.5 فى الألف على مصانعهم، ولم تفلح مساعيها حتى الآن. ثم أدخلت تعديلا على قانون الضرائب مؤخرا بحيث يسمح بالتصالح مع المتهربين من الضرائب، حتى لو تم تحويلهم إلى النيابة لكى تستجدى جانبا من حقنا لديهم.

وما دامت مؤسساتنا سوف تبذل مساعيها جبرا لمساعدة الخزانة الأمريكية على استقطاع ضرائبها حول العالم، دون حتى أن نأخذ من حقنا الضريبى جانبا تسمح به الاتفاقيات. وطالما ظل الرعايا المصريون يستثمرون فى الخارج المليارات فى المناطق ذات الملاذ الضريبى الآمن، دون أن يدفعوا لمصر مليما واحدا من ضرائبهم، فلا داعى للحديث عن دستور يخص التعليم والصحة بنسبة 7% من الناتج القومى.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات