عيسى يضع «المومياء» فى الثلاجة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيسى يضع «المومياء» فى الثلاجة

نشر فى : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:00 م
واضح أن مجلة «فرجة» ولدت لتبقى، وهذا ما أتمناه وأتوقعه. العدد الثانى أكثر اكتمالا من العدد الأول: موضوعات متنوعة، انحياز محمود للسينما المصرية، حوارات فى العمق مع صناعها، أسماء نقاد جدد، إلى جانب عدد من الراسخين، فضلا عن إخراج جذاب، تشكل الصور جزءا من بنيتها.
رئيس التحرير، عاشق الصحافة، فحب السينما، كتب مقالا افتتاحيا قصيرا، أقرب إلى أصابع الديناميت، أشعل فتيلها بلا تردد، لتتفجر فى عدة جهات، وتصيب، على سبيل المثال، جيل النقاد السابق عليه، وهو الأمر الهين، ثم تتجه بحروقها، نحو أعمامنا الكبار، صلاح أبوسيف، توفيق صالح، لنصل إلى شادى عبدالسلام، وفيلمه الروائى الوحيد، الذى يذكره فى عنوانه الذكى، المتأبط شرا، المكون من أربع كلمات «المومياء المثلجة فى الصعيد».

فى السطور الأولى، إبراهيم عيسى، بأسلوبه الشائق، كيف كتم فى قبله، وعقله، ولسانه، رأيه فى فيلم «المومياء»، طوال أكثر من أربعة عقود، فأيام عرضه جماهيريا، عام ١٩٧٥، كان عيسى لايزال أخضر العود، يخشى، وسط إعجاب الجميع، الإعلان عن إحساسه بأن العمل «ليس جميلا كما يتحمسون وليس عبقريا كما يؤكدون، وليس مصريا أصلا كما يزعم الفيلم ومحبوه».

طبعا، لا أحد يصادر إحساس الكاتب، لكن المشكلة تكمن فى المعايير المتناقضة التى بنى عليها أحكامه، بالإضافة لتلك النزعة المسرفة فى قسوتها، والتى دفعته إلى مصادرة أعمال لم يكتب لها أن ترى النور، فها هو، لا يكتفى بهجاء «إخناتون»، بل يعلن «أننى أسعد خلق الله بأن شادى لم يخرج فيلما عن إخناتون، كما كان يحلم».

فورا، ومؤقتا، يلتفت عيسى إلى توفيق صالح، ليباغته، ويفاجئنا، بتوجيه لكمة غادرة، فيكتب «نفس مشاعرى أن المخرج الكبير ــ شكرا ــ توفيق صالح تم إجهاض حلمه فى إخراج ثلاثية نجيب محفوظ ــ وتصدى لها الكبير حسن الإمام، خصوصا بعد أن قرأت المعالجة السينمائية التى كان قد كتبها توفيق صالح للثلاثية، لم نكن لنتعرف أبدا على عظمة سى السيد، وروعة زنوبة العالمة، ونموذج ست أمينة« ثم يصدر حكما باتا، لا رجعة فيه، ولا استئناف، فيقول «بل كانت ستتحول الثلاثية إلى عمل موميائى بحت».

من حق إبراهيم عيسى، الإعجاب بالثلاثية على شاشة حسن الإمام، وتفضيلها على عمل لم ينفذ، بناء على قراءته المزعومة لمعالجة توفيق صالح، ذلك أن الأخير، فى حدود علمى، لم يكتب معالجة لكل من «بين القصرين» و«السكرية»، ذلك أن الخلافات اندلعت بينه والمؤسسة العامة للسينما، قبل البدء فى تصوير «قصر الشوق».

بعد تمزيق عيسى لـ«المومياء»، لا يفوته أن يكتب عليه «فيلم نرويجى»، على أساس أنه شديد البرودة «مثلج ومحنط، نعم، صنعة ممتازة، لكنها ــ لا تنس ــ صنعة فى البترد والتحنيط...» ثم يكيل عدة لكمات سريعة لنقاد الجيل السابق عليه، بوصفهم «إجماعيون جدا، وليس بينهم أى اختلاف فى تقييم الأفلام أيامها مجموعة من الشباب اليسارى كبروا على يساريتهم وانحيازهم لنوع معين من السينما، هى فى الغالب لا تخرج عن سينما يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وتوفيق صالح، مع احتقار معتز ومفتر جدا للسينما الأمريكية».

هكذا، يضع عيسى النقاد فى زمبيل واحد، برغم اختلافات توجهات وذائقة مصطفى درويش عن فتحى فرج، وكلاهما عن هاشم النحاس وعلى أبوشادى، ودأب صديقنا الغالى، رأفت الميهى، على القول أنه حين يقرأ تقييما لسمير فريد، يوقن أن سامى السلامونى، سيكتب العكس منه تماما، وثمة تفرد خاص لصبحى شفيق وأحمد رأفت بهجت. صحيح، معظمهم يجنح للسينما الواقعية، وضد فلام تزيف الوعى. لكن المفارقة أن إبراهيم عيسى، يطبق أضيق مفاهيم الواقعية على «المومياء». يقول «الصعيد، حيث السخونة فى الشخصيات والحركة المتدفقة والتعبير الصارخ واللغة الخشنة والعصبية والفوران المتأجج، يتحول كل هذا إلى ألواح من الثلج». «المومياء»، الذى حققه شادى عقب هزيمة ١٩٦٧ وانتهى منه عام ١٩٩٠، وعرض ١٩٧٥، لا يحكى حدوتة عن صعيد ١٨٨١، لكن يقدم رؤية، تنفذ بصيرتها إلى الأغوار، تؤكد أن القبيلة بمعناها الواسع، لا يمكن أن تتجه للمستقبل، طالما بيت على ذات الوتيرة التعيسة التى تعيش بها منذ قرون، وأنه آن الأوان لتغييرها، وهى مقولة صحيحة، دقيقة، ملحة، الآن، بعد عرض الفيلم بأربعة عقود. «المومياء»، لاتزال نابضة بالحياة.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات