«جوليو» مننا.. واتقتل زينا! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«جوليو» مننا.. واتقتل زينا!

نشر فى : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:50 م
على بُعد أمتار قليلة من مدخل السفارة الإيطالية بالقاهرة، تجمع العشرات من الناشطين الشباب، حاملين الورود والشموع، ولافتات صغيرة مكتوب عليها بخط اليد «جوليو مننا.. واتقتل زينا»، تعبيرا عن حزنهم وغضبهم وتضامنهم مع الشاب الإيطالى جوليو ريجينى،الذى عثر عليه مقتولا فى الطريق الصحراوى، بداية الشهر الحالى.

ريجينى كان قد اختفى فى 25 يناير الماضى، وظهر على جثته بعد العثور عليها، «بصمات مصرية خالصة» لا تخطئها العين.. ضرب أسفل الجمجمة وكسور عدة فى جميع انحاء الجسم، وجروح متفرقة وتعذيب وضرب بآلات حادة وعلامات إطفاء سجائر على الجسد، وقطع فى الأذن.

جريمة بشعة ومرفوضة أخلاقيا وانسانيا ودينيا، لشاب إيطالى (28 عاما) يعيش بيننا، ويعد أطروحة دكتوراة حول الحركات العمالية فى مصر، حتى ولو كان يكتب مقالات تحت اسم مستعار، لصحيفة «إيل مانيفستو» الشيوعية، تنتقد بشدة الأوضاع والنظام فى مصر.

لذا فإن الورود والشموع واللافتات، التى رفعها الناشطون المصريون أمام مبنى السفارة الإيطالية، كانت أقل ما يمكن عمله، للتعبيرعن الرفض الشعبى لهذا الاسلوب الهجمى الإجرامى، الذى يهين الكرامة الإنسانية ويستبيح الدماء البريئة، التى حرم الله قتلها إلا بالحق، كما أنها كانت أيضا صرخة مدوية ضد «جمهورية الخوف»، التى يتوهم البعض انه يمكن اعادتها إلى الحياة، بعد ان أسقطتها ثورة يناير إلى غير رجعة.

لا أحد يستطيع أن يشكك فى نبل مقاصد هؤلاء الناشطين، الذين أثبتوا بهذا التصرف البسيط، ان المصريين يرفضون هذه الأعمال الإجرامية الوحشية المخالفة لكل شرع ودين، لكن فى الوقت نفسه، لا يمكن أيضا القبول أو الموافقة على الدعوة، التى وجهها البعض منهم للأجانب بعدم زيارة مصر«لأننا غير قادرين على منحهم الحد الأدنى من السلامة أو المعاملة المناسبة سواء من الشعب أوالسلطات»، على حد تعبيرهم.

هذه الدعوة «غير مسئولة»، والقبول بها أو تأييدها، ينم عن قصور حقيقى فى الفهم، والتباس شديد فى الرؤية، وضعف واضح فى اللياقة الذهنية، وإذا كان من يتبناها أو يؤمن بها، يعتقد أنها ستؤذى النظام الذى يرفضه ويعارضه، فهو مخطئ تماما، لأن من سيدفع ثمنها هو الشعب المصرى، الذى يعانى اقتصاده بالفعل من أزمات كثيرة، بسبب انخفاض أعداد السائحين الأجانب، منذ حادث إسقاط الطائرة الروسية فى سيناء.

البعض حاول الربط بين هذه الدعوة، وبين دعوة أطلقها قبلها بأيام نائب المرشد العام لجماعة اﻹخوان، إبراهيم منير، والذى طالب فيها الأمم المتحدة برعاية ما سماه «مبادرة لإنهاء الأزمة السياسية فى مصر»؟.

بالتأكيد هناك فرق كبير بين الدعوتين، فالأولى صدرت عن شباب غاضب محبط لا يمكن التشكيك فى وطنيته أو تخوينه، ويمكن بقليل من الحكمة والحنكة السياسية استيعابه وامتصاص غضبه، أما الأخيرة فهى دعوة خبيثة للغاية، تستهدف فتح المجال أمام التدخل الدولى فى شئون مصر من أجل تضييق الخناق عليها ومحاصرتها حتى تقبل أو تسمح، بعودة الجماعة إلى المشهد مرة أخرى، من دون أن تعتذر للشعب الذى لفظها، أو تصحح الأفكار المتطرفة لدى عناصرها.

الحكمة والحنكة السياسية تقتضى إذن، عدم السماح لبعض «هواة الشهرة»، بالتشكيك فى وطنية هؤلاء الشباب وتخوينهم، ووضعهم فى سلة واحدة مع هذه الجماعة، وقطع الطريق على من يحاول جرجرتهم إلى مكتب النائب العام ببلاغات تتضمن اتهامات مرسلة على شاكلة «نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم الاجتماعيين، ونشر الفوضى والإضرار بالاقتصاد القومى المصرى، وتشويه مؤسسات الدولة أمام المحافل الدولية».

يجب استيعاب كل من رفع لافتات «جوليو مننا.. واتقتل زينا».. فالقتل هنا لا يعنى الدم فقط، لكنه يمتد إلى السعى الحثيث لهزيمة الحلم الذى نادت به ثورتا 25 يناير و30 يونيو، والتضييق على الحريات العامة، وإغلاق قوس الديمقراطية، وعدم مواجهة الفساد بقوة، والتستر على جرائم الاعتقال التعسفى والاختفاء القسرى والتعذيب، وإطالة أمد فترات الحبس الاحتياطى وسحل الأطباء فى مستشفياتهم.. استوعبوا كل من حزن وغضب واستاء من قتل «جوليو»، بتحقيقات شفافة وسريعة، تكشف عن المتورطين فى هذه الجريمة البشعة، ومعاقبتهم بأحكام رادعة حتى لا يتحول بلد «ادخلوها بسلام آمنين» إلى بلد «ادخلها وأنت وحظك».
التعليقات