حين اهتزت الثقة فى القضاء - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حين اهتزت الثقة فى القضاء

نشر فى : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:00 م
أزمة العدالة فى مصر أكبر بكثير مما نتصور، إذ لم يعد الأمر مقصورا على تراجع ثقة المصريين فى القضاء أو العبث بالقانون أو حتى التصريحات الصادمة لوزير العدل وتدخلات السياسة والأمن فى الأحكام. ذلك أن تلك الممارسات أحدثت صدى محزنا فى خارج مصر وليس فى الداخل فحسب. وترتب على ذلك أن الدوائر الأجنبية ذات الصلة فقدت بدورها الثقة فى القانون المصرى وفى القضاء المصرى أيضا. نبهنى إلى ذلك بعض المحامين الدوليين الذين أخبرونى بأن الصورة السلبية التى شاعت عن القضاء دفعت الجهات الأجنبية التى لها أى نشاط فى مصر، استثمارى أو غيره، إلى النص فى العقود التى تبرمها على «شرط التحكيم» الذى يخرج أى نزاع ينشأ من ولاية القضاء والقانون فى مصر. وبمقتضى ذلك الشرط فإن النزاع إذا ما وقع أثناء ممارسة النشاط فى مصر فإنه لا يعرض على القضاء المحلى، وإنما تفصل فيه لجنة تحكيم يتفق على مواصفات أعضائها. وتستمع اللجنة إلى وجهة نظر الطرفين، ثم تصدر حكمها الملزم طبقا للقانون السارى فى بلد الطرف الأجنبى. وفى بعض العقود فإن الطرف المصرى لا يسمح له بحضور جلسة التحكيم، وإنما ينوب عنه محاميه فقط. ولأنه يكون الأضعف فى هذه الحالة، فإنه يخسر القضية فى أغلب الأحوال.
ليس الأمر على جسامته مقصورا على الغرامات المقدرة بالملايين التى أرهقت الخزينة المصرية جراء انهيار الثقة فى القضاء، لأن ذلك الوضع يسىء كثيرا إلى سيادة الدولة والقضاء فى مصر، ويكاد يعيدنا عمليا إلى زمن القضاء المختلط الذى كان مطبقا فى القرن التاسع عشر. وبمقتضاه فإن المنازعات المدنية التى يكون الأجنبى طرفا فيها كانت تعرض على تلك المحاكم التى كان قضاتها أجانب والقانون الذى تطبقه أجنبى (أنشئت المحاكم فى عهد الخديو إسماعيل عام ١٨٧٠ وألغيت عام ١٩٤٩، الذى استردت مصر فيه سيادتها القضائية على أراضيها).

الوضع الراهن يعيد إلى الأذهان مرحلة السيادة المنقوصة وينذر بما هو أسوأ. ذلك ان القضاء المختلط نشأ فى ظل قوة النفوذ الأجنبى ورعاية الاحتلال البريطانى، كما انه كان مختصا بالمنازعات المدنية والتجارية. لكن يفترض أن مصر الآن فى وضع مختلف تماما، إلا أن أزمة القضاء ثغرة أعادتنا إلى ما أجواء ذلك الزمن الغابر. إذ صرنا فى وضع سمح للنفوذ الأجنبى بأن يتدخل حتى فى المسائل الجنائية فضلا عن القضايا المدنية والتجارية. إذا أضافه إلى شيوع شرط التحكيم، فإننا شهدنا فى الحوادث الأخيرة التى عرفتها مصر كيف ان الأجانب طلبوا المشاركة فى التحقيقات والإجراءات بعدما ضعفت الثقة فى القضاء والقانون. وهو ما تمثل فى المطالبة بالتثبت من تأمين المطارات بعد حادث تفجير الطائرة الروسية والمشاركة الأجنبية فى التحقيقات بعد حادث تعذيب ومقتل الباحث الإيطالى ريجينى.

فى مقام سابق ذكرت أن المستثمرين الأجانب لم يعودوا يستعينون بالمكاتب الاستشارية المصرية لإبرام عقودهم، نظرا لعدم ثقتهم فى القوانين واللوائح المصرية. لذلك فإنهم أصبحوا يلجأون فى الاستعانة بوسطاء من الضباط المتقاعدين لإنجاز معاملاتهم بعيدا عن الروتين وقفزا فوق تعقيدات اللوائح وتعنت بعض الموظفين.

ليس الهدف أن نتجمل أمام الأجانب ونطمئن المستثمرين، رغم أن ذلك لا يعيبنا، وإنما الأهم ان تستعاد الثقة فى القانون والقضاء فى مصر. ولابد ان يثير دهشتنا ان تكون الممارسات التى تهز تلك الثقة وتخصم منها خارجة من داخل المرفق القائم على العدالة، وان يسهم وزير العدل فى ذلك بتصريحاته وتدخلاته، وانشغاله بتصفية الحسابات السياسية والشخصية بأكثر من انشغاله بتعزيز الثقة فى القضاء والدفاع عن استقلاله فى مواجهة ضغوط السياسة وتدخلات الأمن.

إن أزمة القضاء حين يكون لها تلك الأصداء فى الخارج فضلا عن الداخل، فإنها تستدعى تدخلا لا يحتمل الانتظار من جانب أولى الأمر يحتويها ويوقف التدهور الذى يعتريها. ذلك ان المسألة لا تقف عند حد استعادة الثقة والاحترام للقضاء والقانون وإنما الأمر وثيق الصلة بسيادة الدولة على أرضها وبرد الاعتبار لقيمة العدل التى هى ركن أساسى فى هيبة الدولة وشرعيتها. ومن المفارقات ان بعض التجاوزات التى تجرح صورة العدالة تتم باسم الدفاع عن الدولة، الأمر الذى يذكرنا بقصة الدبة التى قتلت صاحبها وهى تهش الذباب بعيدا عن وجهه.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.