سخاء المتقشفين وبخل المترفين - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سخاء المتقشفين وبخل المترفين

نشر فى : الأربعاء 12 مارس 2014 - 5:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 مارس 2014 - 5:25 ص

يبدو أن مجرد ظهور المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، فى شرفة شركة المحلة الكبرى، وحديثه الطيب لعمالها قد أزعج نفر من منظرى ليبرالية جمال مبارك المذعورين دائما من أى مساس بالنظام الاقتصادى والاجتماعى القائم. ذلك النظام الذين سهروا الليالى فى التنظير لأركانه، بل وملأوا أدراج مكاتب مبنى الحزب الوطنى بتلال من أوراق مؤتمرات للتأسيس لشرعيته. والآن لا يكاد الواحد منهم يتحمل مجرد سماع خطاب مغاير لما سار عليه الأمر طوال السنوات الماضية، حتى لو كان من باب جبر الخواطر، ليس أكثر.

فما إن حاول المهندس محلب أن يدافع عن حكومته، نافيا تهمة مزج السلطة بالثروة من جديد، ومؤكدا خلو مقاعد الحكم من رجال الأعمال. إلا وبدأ نفير منظرى «مبارك وولده» يعلو فى وسائل الإعلام، ووصل الغلو بأحدهم حدا دفعه لأن يستنكر ما أسماه تملق رئيس الوزراء للعمال (الذين لا يعملون)، على حساب رجال الأعمال الذين (يعملون). بل ولم يخجل وهو يتغنى بالضرائب التى يدفعها رجال الأعمال. أما قمة المساخر فيما كتبه هى أن «رجال الأعمال يطالبون بحقهم فى الوطن، كما يفعل العمال والفلاحون».

ويبدو أن وزيرة القوى العاملة الدكتورة ناهد العشرى قد التقطت الخيط سريعا قبل أن يصدق آخرون أن الحكومة بأكملها قد قررت تملق العمال، أو حتى جبر خواطرهم مؤقتا لزوم التمهيد لانتخابات رئاسية أصبحت على الأبواب. فأسرعت بالتوقيع على مبادرة مع فريق من النقابيين، المشهود لهم حقا، بعدم قيادة أى إضرابات أو اعتصامات، ولم يُضبط أحد من رموزهم يوما متلبسا فى وقفة احتجاجية. وهذه المبادرة تقضى بأن يقدم العمال طوعا وبكل ترحيب، وبنص مكتوب، عربون محبة لرجال الأعمال. وهذا العربون متمثل فى العمل لمدة ساعتين زيادة عن ساعات العمل العادية، مجانا، أى بدون أجر، ولمزيد من التوضيح من غير مقابل مادى. إلى جانب وقف الإضرابات لمدة عام.

•••

والحقيقة أننى لم أجد تفسيرا مقنعا لما أقدمت عليه السيدة الوزيرة من مبادرتها السخية، سوى أنها قد فهمت من دعوى التقشف التى أطلقها الفريق عبدالفتاح السيسى والتى تخلو من أى تلميح للاقتراب من أثرياء هذا الوطن، إنها إشارة بأننا ما زلنا نطالب الطرف الأضعف والذى طال ظلمه طويلا، بأن يزيد من محبته للطرف الأقوى، آملا فى مبادلة المحبة فى المستقبل.

ولكن أليس من المفيد قبل أن يقبل المحبوب عربون محبته، الذى تقدمه له الحكومة من عرق غيرها أن نعرف ماذا يفعل مع محبيه. وربما لو عرف ذلك الفريق الحارس لأفكار «مبارك المنُتظر» والمحُتجَب مؤقتا عن المشهد لهدأ روعه قليلا. وربما كف عن محاسبة المسئولين عن أى تراجع فى السياسات المباركية. الحقيقة أن رجال الأعمال الذين يستوجب على العمال أن يبذلوا طواعية عرقا أكثر من أجل كسب ودهم لا يساهمون فى عمليات التشغيل بأكثر من 7% من إجمالى التشغيل. حيث إن الشركات الكبيرة التى يعمل فيها 100 عامل فما فوق لا توفر إلا قدرا ضئيلا من فرص العمل. بعكس المنشآت الصغيرة (التى يعمل فيها أقل من 10 عمال) وهى التى تستوعب 62% من إجمالى من يعمل فى القطاع الخاص فى مصر.

والحقيقة التى يجب ألا يغفلها من ينتظر الآن عربون محبته أن نصف المشتغلين فى مصر يعملون فى منشآت صغيرة وأسرية ويعود لهؤلاء الفضل فى فتح بيوت ملايين الأسر بأكثر كثيرا من رجال الأعمال. الذين لا يزالون يراوغون ويماطلون لتعطيل تطبيق الحد الأدنى للأجور فى مصانعهم وشركاتهم. بل ويحاولون انتهاز الفرصة للحصول على مزايا طالما طالبوا بها. وهى تخفيض نسبة مشاركتهم فى التأمينات الاجتماعية على العمال لديهم بمقدار50% وجعل ذلك شرطا لموافقتهم. رافضين الاعتراف بالأرقام الرسمية التى تؤكد أنه مازال هناك 64% ممن يعملون فى القطاع الخاص يتقاضون أجورا تقل عن الحد الأدنى المقرر حاليا وهو 1200 جنيه.

والحقيقة أننى أدعو الفريق الذى يفطر قلبه أسى، مطالبا الحكومة بفرص متساوية لرجال الأعمال بأقرانهم من العمال والفلاحين، أن يتسع وقته للتعرف على أحوال هؤلاء الأقران. حيث إن جهاز الإحصاء عندما بحث عن أحوالهم وجد أن 21% ممن يعملون فى القطاع الخاص فى عام 2010/2011 يندرجون تحت خانة فقراء هذا الوطن. وأن هذه النسبة كانت أقل قبل عامين ولكنها زادت بنسبة 6% خلال 730 يوما فقط. وذلك تبعا لأحدث تقرير للدخل والإنفاق أصدره جهاز التعبئة والإحصاء. وهو الشاهد بل والفاضح لأحوال شركاء هذا الوطن.

وليت الأمر يقف عند حد نقص فرص العمل وقلة الأجور التى يوفرها رجال الأعمال الذين يريدون، طبقا لمنظريهم، مكانا لهم فى هذا الوطن، ولكن أيضا هم يوفرون أوضاعا أقل استقرارا وأكثر ظلما من القطاع العام، الذى ينعتونه بأبشع الأوصاف. فطبقا لبيانات جهاز التعبئة والإحصاء فإن 42% فقط ممن يعمل فى القطاع الخاص (المنظم) أى الرسمى هم من لديهم تأمينات إجتماعية، ومن يتمتعون بتأمين صحى لا تزيد نسبتهم عن 22%. أما المحرومون من عقود عمل قانونية فتصل نسبتهم إلى 56% من إجمالى من يعمل لدى هؤلاء، الذين يطالب مُنظروهم بحقهم فى الوطن.

أما عن نصيب رجال الأعمال من ضرائب الدخل التى يتغنى بها الفريق الذى يتعجل قدوم «مبارك المنتظر» ولا يستطيع معنا صبرا، فهو يقل عن نسبه 27% من إجمالى (الضرائب على أرباح شركات الأموال). لأن هذه النسبة تشمل بجانب القطاع الخاص أرباح شركات وهيئات عامة. بينما نصيب هيئة البترول وقناة السويس والبنك المركزى من ضرائب يبلغ 73%. فى نفس الوقت يدفع السادة المرشحون لعمليات (شفط دخول لزوم التقشف) على مرتباتهم من العمل الوظيفى 19.7 مليار جنيه وذلك طبقا لآخر حساب ختامى لموازنة عام 2012/2013. وتأتى ضريبة المبيعات التى يدفعها المستهلكون كبارا وصغارا دون تفرقة، ودون رحمة بالضعفاء منهم، بمقدار 92 مليار جنيه فى نفس العام، بزيادة قدرها 8.4 مليار جنيه عن العام السابق. مما يعنى مزيدا من الضغط على بند الضرائب غير المباشرة التى تثقل كاهل محدودى الدخل المطالبين بالتقشف.

ولكن ألا يوجد من هو داخل هذه الحكومة يستطيع أن يتبنى مبادرة لتقديم رجال الأعمال لعربون محبة لنا نحن المتقشفين جبرا لإرضاء قياداتنا. ويطالبهم بالتنازل طواعية عما يحصلون عليه من دعم طاقة لمصانعهم، وصل إلى ثلث إجمالى دعم الطاقة الذى تعدى ( 120 مليار جنيه ) تبعا للحساب الختامى لنفس العام. أو أن يتنازلوا طوعا عن بند دعم الصادرات (3.1 مليار جنيه سنويا) الذين يحصلون عليه، فى وقت عقدت فيه الحكومات السابقة عشرات الاتفاقات التجارية مع دول العالم. هذه الاتفاقات التى قضت بإعفاء المنتجات التى نصدرها ونستوردها من تلك الدول من الرسوم الجمركية. وهذا معناه أننا خسرنا نحن معشر المتقشفين المليارات من الجنيهات التى كانت تدخل خزانة الدولة كرسوم جمركية، مقابل أن يتفضل السادة المصدرون بالتمتع بإعفاء مناظر فى تلك الدول. وبالرغم من ذلك ما زالوا يحتفظون بدعم الصادرات. حتى لو كان هذا الدعم يقتطع من قوت كل متقشف، ومن مرمطته فى المواصلات العامة، ومن تعليم أولاده، وصحة ذويه، وبهدلة أهله تحت على الأسفلت أو فوق على الكبارى التى تفتقد للصيانة لضيق ذات الميزانية.

اختصارا.. إما أن نتبادل المحبة، أو لا داعى للعربون المجان.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات