النزاهة فى إدارة الأزمات - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النزاهة فى إدارة الأزمات

نشر فى : الجمعة 13 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 أبريل 2012 - 9:13 ص

(1)

 

فى مؤامرة تم إحكامها وقع عمر بن الخطاب شهيدا، وذلك باتـفاق «الهرمزان» القائد الفارسى الذى ادعى الإسلام واتفق مع «أبى لؤلؤة المجوسى»، ونفذت الطعنات فأودت بحياة الأمير، ورغم ذلك فالرجل نسى ما أصابه، واهتم بشأن الأمة فاستدرك أن الأمة لاتزال قاصرة عن إدارة أزمة الفراغ الدستورى، أو الفراغ السياسى كما نقول اليوم

لذلك يبادر عمر باستيفاء ضوابط النجاح فى إدارة الأزمات وأهم هذه الضوابط هى:

 

إخراج النفس والذات عن جميع حظوظها

 

التوافق مع غاية الشريعة ومقاصدها

 

التوافق مع الفطرة السليمة والعقل الصحيح

 

تحرى جمع شمل الأمة وعدم فتح ثغرات للتسرب

 

اختيار أفضل ما يمنع تعويق المسيرة

 

فهذه الضوابط تكفل إدارة راشدة، وتحمى المسيرة من (الأنا).

 

(2)

 

 لذلك يعرض عمر ضرورة «المؤسسية الجامعة» التى تجمع كافة المؤهلين رغم التفاوت فيما بينهما ليس حرصا على الأشخاص بل حرصا على عدم تشرذم الأمة، وتأكد عمر أن الركن الركين فى «المؤسسية الجامعة» هو الترفع والعفاف عن حظوظ النفس، إذ لا يصح « أن تكون جهة القسمة هى جهة الاختيار»... «فالقاسم الذى تقبل قسمته يكون هو آخر من يختار»، وعلى ذلك رشح عمر «الرجال الستة»، مستبعدا ذاته بأصولها وفروعها، فلا أخ ولا ابن ولا شبهة أثرة، فهذا هو الحزم قبل العزم، والحماية قبل البداية.

 

وحينما استبعد عمر (الأنا) فقد تجمع جميع الناس حول اقتراحه دون لوم أو طعن، فتحقق النجاح وتلاشت صيحات الاعتداد بالنفس، وتلاشى ادعاء حق المساواة من القاصى والدانى، مما هيئ للاقتراح قبولا ورضا وعدم معارضة، فالأمير مع قدرته قد تجافى وتعفف فأبعد جميع أهله وأبنائه. ويواصل عمر تصديه وإغلاقه لأكبر أبواب الشر، وذلك بحرمان أولاده وذويه من الترشيح، وكذلك قبيلته حتى لا يزور قاعدة المساواة، فالمساواة تقضى «بحق الجميع إلا القاسم والحاكم» وإن لم نفعل فقد تركنا القاضى يقضى لنفسه وهذا يخالف قواعد العدالة، فإما أن يبقى حكما وقاسما بلا حق فى الاختيار، وإما أن يستحق الترشيح والاختيار ويترك مكانة القاسم والحاكم.

 

(3)

 

وحاول البعض مجاملة عمر بفتح باب الاستثناء والتجاوز، فكانت يقظة عمر غالبة حتى آخر لحظة فى حياته وتجربته، فقال قائل: لو ضممت ابنك عبدالله للمرشحين ما عابك أحد، فيرد عمر: ما كان لابن الخطاب أن يقطع لنفسه وأبنائه وهو يتولى أمر الجميع فلابد من تأخير النفس. ويقول ثان: لقد توفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو راض عن ابنك، فيرد: ما أكثر من توفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو عنهم راض، فأبعدوا الخطأ عنى. ويقول ثالث: إن كثيرا من أهل المدينة يرجعون إلى ولدك فى شئون دينهم ودنياهم فلا تحرمه، فيجيب عمر: أسكت يا رجل فما أظنك تريد وجه الله. ويقول رابع: لو ضممته إلى «الستة» كان مجرد ترشيح لا أثرة فيه فلا تثريب عليك. فيقول عمر: ما تعرضونه الآن أشد على مما أنا فيه، فوالله ما حمدت الإمارة لنفسى فكيف أرضاها لأبنائى. فيقول خامس: ماذا نفعل إذا انقسم الستة نصفين كل ثلاثة يتمسكون بواحد منهم. فينهى عمر القول: إذا انقسم الرأى فاحضروا عبدالله بن عمر يرجح فقط وليس له حق ترشيح نفسه، ويواصل قائلا إن تكن الإمارة حلوة فقد أخذنا منها عشر سنين، وإن كانت مرة فليحملها غيرنا.

 

(4)

 

لماذا هذا الإصرار الشديد من عمر على منع ابنه من مجرد الترشيح؟ إن عمر يستحضر نزاهة الإسلام، فرب العباد قد نزه ذاته عن الارتباط بولد (..... رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَة وَلَا وَلَدا (3) ) فى إشارة إلى أن كمال العدل الإلهى قد اقتضى ألا يكون للمعبود ولد بين العابدين، وكذلك فالأقدار الإلهية قضت بعدم بقاء ولد لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى لا يظن البعض فى توريث النبوة مما كفل للنبوة طاعة واستقرارا وانتشارا..فهل يخون عمر نفسه ويدعى حرصه ومسئوليته ويقدم ابنه بين المقدمين أو يدعى دعوى المساواة كهؤلاء الشواذ الذين زعموا أن ابن المخلوع مواطن له حقوق المواطنين، وقد اقتدى عمر وأبو بكر بالنبى (صلى الله عليه وسلم) فالتزما النزاهة والشفافية مثلما رأوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستبعد بنى هاشم وبنى المطلب من أى عمل على المستوى الأعلى فهل ينهض فقهاء الأمة بتقعيد فقه عمر الذى تورا بسبب الاستبداد حتى يومنا هذا؟

 

«.......... يَا لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمونَ».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات