أبناء الثمانينيات.. هل نجح منهم أحد؟ - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبناء الثمانينيات.. هل نجح منهم أحد؟

نشر فى : الجمعة 12 مايو 2017 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 12 مايو 2017 - 8:50 م

يبدو أننا كبرنا فعلا! «بوست» رائع كتبه قبل يومين على صفحته على «فيسبوك»، ابن جيلى وصديقى المبدع حسام مصطفى إبراهيم ينخز بقسوة سنين العمر«اللى رمحت رمح»، ويذكرنى (أو يذكرنا معا) بأننا على وشك تجاوز العقود الأربعة وبتنا نستعيد «نتذكر» و«نتأمل» ما مضى وكأننا لم نعد«شبابا»!

حسام مؤسس وصاحب مبادرة «اكتب صح» التى استطاعت فى وقت وجيز للغاية أن تصبح نقطة نور مشعة لإعادة تأسيس وعى معاصر وحقيقى بلغتنا الجميلة، وتمثل جهود حسام مع جهود الكاتب واللغوى المرموق (ابن جيلنا أيضا) محمود عبدالرازق جمعة رأس حربة حيوية ومدهشة فى إعادة الاعتبار للثقافة اللغوية عامة، وشيوع ثقافة التحدث والكتابة بلغة عربية سليمة وجميلة.

كلنا ــ من أبناء هذا الجيل ــ على مشارف الأربعين، وكلنا ــ كما وصف حسام بصدق وبراعة ــ عانى معاناة كبيرة وكابد مشقة بالغة فى تعليمه واجتهد بمفرده وفى ظروف قاسية فعلا كى يحصل قدر ما يستطيع من ثقافة ومعرفة ويبحث له عن موضع قدم فى عالم لا يرحم! يقول:
«جيلنا ــ مواليد الثمانينيات ــ ليس فقط انذبح وانمسخ بسبب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المرعبة التى مرّ بها، والتجريب فيه خلال فترة دراسته ــ ضع نظام التحسين، احذف التحسين، احذف الصف السادس، أرجع الصف السادس!! ــ لكنه أيضا انخدع بميراث الأغانى العاطفية المرعب الذى تعرَّض له، وجعله يفهم كل شيء غلط وبمستوى رومانسى يوتوبى لا يليق بالواقع الذى لا يرحم: من الحب للغدر والخيانة والوفاء والثقة والإحساس بالأمان والبحث عن سند وغيره وغيره!

تعرضنا لعملية غسيل مخ مُنظَّمة ومرعبة ولا أخلاقية دون أن يكون لدينا أى وقاية أو دروع لا إنترنت ولا سوشيال ميديا ولا ويكيبديا ولا أى بصيص ينير الظلمة التى كنا مسحولين فيها».
أظننا الآن وصلنا لمرحلة تبطنها التأملات وإعادة النظر فى ما فات واستجلاء تفاصيل هذه المرحلة (الثمانينيات والتسعينيات) ويغلفها بوادر حديث مشروع عن ملامح هذا الجيل الذى ولد فى أواخر السبعينيات (وأوائل الثمانينيات) وتفتح وعيه فى فترة الجمود العظيم نهايات القرن الماضي! ومع ذلك وعلى الرغم من كل ذلك ظهر من بينه أسماء استطاعت أن تكون نفسها وتخط مسارا مميزا ولافتا فى حياتها.

لا أخفى إعجابى ولا تقديرى ولا متابعتى بعدد من أبناء هذا الجيل أظنهم وأحسبهم من بين الأروع والأكثر امتصاصا لكل حرف قرأوه ووعيا بمفردات الثقافة ومراحل التكوين التى مروا بها؛ دعنى أضرب أمثلة؛ مجرد أمثلة: صديقى الكاتب الرائع ميشيل حنا (على الرغم من كآبته وسوداوية مزاجه) فإننى أعتبره مثقفا حقيقيا، فنانا موهوبا وصاحب مزاج فنى أصيل وذائقة رائقة فى العمارة والكتابة على السواء. اكتشف ميشيل بصمته الأسلوبية مبكرا ومارس الكتابة والتوعية والتثقيف فى مجالات عدة (فن، عمارة، بيئة، تاريخ قديم، آثار.. إلخ) حتى صار من الموهوبين فى الأرض الذين يستحقون التحية والتقدير والتنويه بمشروعه الحضارى الكبير.

كذلك، صديقى وابن جيلى أيضا (لم ألتق به ربما إلا مرة أو اثنتين بشكل عابر) حامد محمد حامد الذى تشرّب حب التاريخ «الحى» وصار«الهاوى» الذى يروى بصدق وحرارة جوانب من تاريخ مصر فى العصور الإسلامية أكسباه جمهورا عريضا وواسعا يتابع ما يكتب بشغف.

يثبت حامد أن المشكلة الحقيقية ليست فى أن الناس لا تقرأ كما يحلو للكسالى أن يرددوا إنما المشكلة فى ماذا يقدم لهم ليقرأوه وكيف يقدم لهم! يلعب حامد الآن دورا رائعا بلغة جديدة وعرض مبتكر وتوظيف ممتاز للوسائط الحديثة فى عرض وتيسير المادة التاريخية أشبه بما كان يفعله صلاح عيسى عبر مشروعه الجميل «حكايات من دفتر الوطن» أو بصورة مختلفة المرحوم جمال بدوى فى مساحاته الجماهيرية الذائعة فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى.

فى طريق موازٍ للطريقين السابقين، اكتشف حسام مصطفى إبراهيم نفسه ووضع يده على مفاتيح تفوقه وظهوره وسط حفاوة جماهيرية مستحقة، ولد حسام «معلما» شارحا، ومؤديا مبسطا، ووسيطا تثقيفيا بالفطرة، عبقرى أتاه الله الملكة والموهبة اللازمين لمخاطبة جمهور عريض يبحث عن المعلومة يستخلصها لهم من بين ركام من الكتب والقواعد الجافة (لاحظ طريقة حسام فى تبسيط القواعد اللغوية والنحوية.. فى التحرير الصحفى.. وحتى فى برامج مايكروسوفت «الوورد والإكسيل وما شابههما» قبل سنوات) نحن نفتقد هذه المهارات والقدرات والأشخاص الذين يمتلكونها قلة قليلة.

وربما يدخل فى هذه الدائرة الجميلة، بعض جهود صاحب هذه السطور، وربما كان بعض ما يكتبه على استحياء عن ثقافة الكتابة والقراءة ومحاولات اكتشاف أوجه الجمال الفنى والأدبى والإبداعى بشكل عام ربما كان لها أن تندرج فى هذه الدائرة، وإن هذا شرف عظيم لو كان! وهناك أسماء أخرى لها منجزها الذى تفخر به ولولا ضيق المساحة لأوردتها بكاملها
تحية لهذا الجيل «اللى اتمرمط» بحق وحقيقى.. ولولا بقية من طموح واجتهاد بعض أبنائه ــ من دون وساطة ولا محسوبية ولا تسلق ولا ادعاء ــ لم يكن له وجود يذكر.