القومية التركية فى الخارج - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 1 نوفمبر 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القومية التركية فى الخارج

نشر فى : الإثنين 12 يونيو 2023 - 7:10 م | آخر تحديث : الإثنين 12 يونيو 2023 - 7:10 م

القومية التركية اليمينية تتمتع بجاذبية كبيرة لدى الأتراك مزدوجى الجنسية فى الغرب. فى ضوء ذلك، نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب إيان بروما، فسر فيه لماذا يتخذ الأتراك فى الخارج، مقارنة بنظرائهم فى الداخل، مواقف أشد تطرفا عندما يتعلق الأمر بسياسات بلدهم الأم، وعلاقة ذلك بفوز أردوغان بأغلبية أصوات الأتراك فى الخارج فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. نعرض من المقال ما يلى.
ربما لم يكن الرئيس رجب طيب أردوغان فى احتياج إلى أصوات المواطنين والمواطنات الألمان والهولنديين الأتراك للفوز فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى تركيا. مع ذلك، فاز أردوغان بأغلبية الأصوات الدولية، بما فى ذلك ما يقرب من 70% من الأصوات فى ألمانيا وهولندا. ولكن لأن ليس كل الألمان أو الهولنديين من ذوى الأصول التركية يدلون بأصواتهم فى الانتخابات التركية، فإن هذه الإحصائيات يجب التعامل معها بحذر. لكن يبدو أن القومية التركية اليمينية تتمتع بجاذبية قوية بين المواطنات والمواطنين مزدوجى الجنسية. كما يميل هؤلاء القوميون فى الخارج إلى الإعلان بصخب عن معتقداتهم، حيث يقودون سياراتهم عبر المدن الألمانية وهو يطلقون أبواقهم ويصرخون بشعارات سياسية.
تحيط بهذه المظاهرات أجواء من التحدى، شكل صارخ من أشكال سياسات الهوية، وهى تعمل كإشارة موجهة إلى السكان من الأغلبية بأن الأقلية العِرقية أيضا لها صوت. لكنها تمثل فضلا عن ذلك اتجاها أعرض: يميل بعض أفراد مجتمعات المهاجرين إلى اتخاذ مواقف أشد تطرفا عندما يتعلق الأمر بسياسات بلدانهم الأصلية مقارنة بالمواطنات والمواطنين الذين ما زالوا يقيمون هناك.
على سبيل المثال، نجد أن الانفصاليين المنتمين إلى حركة خاليستان، والذين يدعون إلى إقامة دولة سيخية مستقلة فى البنجاب، أشد صخبا فى بعض الأحيان فى كندا أو المملكة المتحدة من حالهم فى الهند. بالمثل، تلقى الجيش الجمهورى الأيرلندى دعما ماليا سخيا من الأمريكيين من أصل أيرلندى، ويزدهر القوميون الهندوس فى بعض أجزاء من بريطانيا، كما وجد الإسلاميون المتطرفون أرضا خصبة للتجنيد فى مدن أوروبية غربية. فى حين يعكس هذا جزئيا الحرية السياسية الأكبر فى الغرب، فإن الأمر لا يخلو من عوامل أخرى تفسر أيضا لماذا ينجذب بعض المهاجرين من الجيل الثانى إلى القومية اليمينية.
يتلخص تفسير شائع فى الافتقار النسبى إلى إدماج الأقليات غير الغربية أو غير المسيحية من المولودين فى أوروبا. تُـلقى اللائمة عن هذا غالبا على التعصب الأعمى والتحيز بين السكان من الأغلبية. أو قد يقع اللوم على المتطرفين من رجال الدين الذين يطلقون رسائل متطرفة بل وحتى عنيفة فى المساجد أو غير ذلك من المنابر الدينية.
قد لا تخلو مثل هذه الحجج من بعض الحقيقة. ليس بالجديد ولا المفاجئ أن بعض المهاجرين من الجيل الثانى والثالث من بلدان ذات تقاليد ثقافية ودينية مختلفة للغاية يجدون التأقلم، أو التكيف، أو الاستيعاب أمرا صعبا ومهينا فى بعض الأحيان. لكن هذه المشكلة تتفاقم بسبب حِـس أكبر بالاغتراب من جانب كثير من المهاجرين ــ من الجنسين ــ تجاه بلدانهم الأصلية.
يقول كاتب المقال: فى كتابى الصادر عام 2007 بعنوان «جريمة قتل فى أمستردام»، استكشفت قصة محمد بويرى، وهو ابن هولندى المولد لأسرة من المهاجرين المغاربة. فى مستهل الأمر، بدا بويرى وكأنه مهاجر مندمج تماما من الجيل الثانى يعشق كرة القدم، والبيرة، وموسيقى الروك. لكن سلسلة من الانتكاسات الشخصية قادت بويرى على مسار راديكالى، وحولته إلى ثورى إسلامى قَـتَـل ثيو فان جوخ، وهو ناقد هولندى بارز للإسلام. فى عام 2004، شعر بويرى وكأنه دخيل محتقر فى بلده الأصلى، لكن رحلة إلى قرية والديه المغربية جعلته يدرك أنه من غير الممكن أن يتأقلم هناك أيضا.
استقى بويرى حِـس الفخر والانتماء من شكل شديد التطرف من أشكال الإسلاموية، والذى انتشر عبر شبكة من المواقع الثورية الناطقة باللغة الإنجليزية على الإنترنت. وعلى الرغم من شعوره بالغربة عن كل من هولندا والمغرب، فقد وجد لنفسه مجتمعا بين مجموعة من المرفوضين الحاقدين الغاضبين، العازمين على إثبات وجودهم للعالَـم ــ من خلال أعمال العنف، إذا لزم الأمر.
هذا الاغتراب كفيل بإحداث قدر عظيم من الضرر، حيث يؤثر على مجتمعات المهاجرين محليا والديناميكيات السياسية فى الخارج. ورغم أن المتطرفين يمثلون دائما أقلية، فإن أفعالهم تُـلـقى بظلالها القاتمة على مجتمعاتهم. فكل عمل من أعمال العنف الإسلامى، على سبيل المثال، يفرض ضغوطا لا ضرورة لها على المسلمين المسالمين، بما فى ذلك أولئك الذين لم تطأ أقدامهم مسجدا قَـط، والذين يضطرون دوما إلى إثبات أنهم ليسوا متواطئين أو متعاطفين مع الإرهابيين.
الواقع أن الممثلين الراديكاليين لأقليات دينية أو عِـرقية أكثر نشاطا بطبيعة الحال من أغلب الأشخاص الذين يريدون فقط أن يُـتـرَكوا بسلام ليواصلوا حياتهم. ويتصرف الراديكاليون أحيانا كما لو كانوا ممثلين لمجتمعاتهم المختلفة. فى عام 2004، على سبيل المثال، تلقت جوربريت كور بهاتى، وهى كاتبة مسرحية بريطانية تنتمى إلى أصول سيخية، تهديدات بالقتل، وقد اضطرت إلى الاختباء بعد أن كتبت مسرحية عن العنف فى أحد معابد السيخ. بعد إلغاء عرض مقرر للمسرحية، اعتبر متحدث باسم المحتجين إلغاء العرض انتصارا لمجتمع السيخ. كثيرا ما يلجأ الساسة الوطنيون والمحليون إلى أمثال هؤلاء المتحدثين غير المنتخبين، برغم أن الناشطين والمحتجين قد لا يمثلون وجهات نظر مجتمعاتهم المزعومة على الإطلاق.
الحق أن أغلب السيخ، والهندوس، والأكراد، والأتراك، وأعضاء أقليات أخرى ليسوا متطرفين أو قوميين عِـرقيين. لكن الشباب فى الأغلب، الذين لا يشعرون بأنهم فى وطنهم فى بلدانهم الأصلية ولا فى أى مكان آخر، يؤججون التحيز والعدوان بين سكان الأغلبية، ويعززون ثروات الحركات المتطرفة فى البلدان التى تركها آباؤهم وأجدادهم.
أردوغان سياسى استراتيجى داهية ومتشائم النزعة، وهو لا يحتاج إلى درجة فى عِـلم الاجتماع لكى يدرك المشكلات التى تواجه المهاجرين الأتراك فى أوروبا. وهو يعلم أن خيالات العظمة العثمانية واستغاثته بالنقاء الدينى والـعِـرقى تلقى صدى لدى المهاجرين الذين يتصارعون مع هويات هشة، ولهذا السبب حث المواطنات والمواطنين الأتراك فى الخارج على مقاومة الاستيعاب. ربما يتسبب هذا فى جعل حياة المهاجرين أشد قسوة، لكنه يساعد فى انتخاب أردوغان. وهذا هو المطلوب.

النص الأصلى

التعليقات