«البؤساء».. مغامرة جان فالجان المصرية - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«البؤساء».. مغامرة جان فالجان المصرية

نشر فى : الخميس 12 يوليه 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 12 يوليه 2018 - 9:35 م

يفتح الستار على احتفال غريب بعيد للبؤس والبؤساء، الزمن معاصر، حيث تلتقط الصور السيلفى بالموبايل، والأسماء مصرية، وإن كانت الملابس قبعات وفساتين ملونة، يبدو التناقض صارخا بين البؤس، وفكرة الاحتفال بالرقص والغناء، وكأن الجميع فى كرنفال، بل إنهم يوزعون جوائز لأفضل ثنائى بائس، وأفضل عاطل.. إلخ، أثناء التقاط السيلفى، يظهر فى عمق الصورة رجل غامض وغريب، يرتدى معطفا من الجلد، ملابسه سوداء، يرتجفون عند رؤيته، ولكن يبدو أنهم يعرفونه، نعود إلى الماضى، لكى نكتشف أنه جان فالجان، بطل رواية «البؤساء» الأشهر لفيكتور هوجو، الذى كانت له حكاية قديمة، فى هذا الشارع المصرى الصغير المعاصر.

هذا الاستهلال المميز لمسرحية «البؤساء»، التى أعدتها وأخرجتها مروة رضوان، والتى قدمت على مسرح ميامى، تعلن منذ البداية عن حرية التعامل مع نص الرواية الأصلى، الذى أخذ منه النص المصرى شخصية جان فالجان فحسب، بل إننا فى دقائق قليلة، ومن خلال مشاهد فيديو من فيلم مصور، سنسمع تلخيصا لحكاية جان فالجان فى الرواية، من بدايتها حتى نهايتها، وكأن المسرحية المصرية تقدم التحية فحسب للأصل الروائى، لتفسح المجال لرؤية جديدة، تضع جان فالجان فى عالم مختلف ومعاصر، ووسط شخوص مصرية، لكى نكتشف من جديد معانى البؤس والحب والجشع ومواجهة الذات وفقر النفوس وفقر الفلوس والوعى والغيبوبة، وذلك فى إطار غنائى استعراضى، فيه الكثير من الروح المرحة الساخرة، بما يبتعد عن أجواء الرواية القاتمة المعروفة.

الفكرة براقة ومدهشة، إنك هنا ستستدعى البائس الأشهر إلى عالم بائسين معاصرين، ولكن ما أدهشنى أكثر هو أن هذه المسرحيات الغنائية الاستعراضية تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لكى تكون مبهرة، ولكن مسرحية «البؤساء»، وبإمكانيات مسرح الدولة المحدودة، تقدم عرضا متميزا فى الديكور والملابس والغناء والرقصات. وتنجح فى أن تكون تجربة تستأهل الفرجة والاهتمام والمناقشة، سواء فى الاستلهام الحر من النص الأصلى، أو فى الخروج بأفضل نتيجة فى ظل إمكانيات ليست كبيرة.

فكرة طموح للغاية وذكية، وخصوصا مع إثراء الحكاية، بقصة حب بين جان فالجان وفتاة تدعى شيرى، ولكن هذا الطموح، الذى تسانده أغنيات ورقصات جميلة، وبعض لحظات الضحك الظريفة، لا يجعلنا نغفل بعض الملاحظات المهمة والمؤثرة: العرض كان يمكن أن يكون أكثر تكثيفا وتركيزا، بدلا من تقديمه فى فصلين، والديكورات والملابس، على الرغم من جمالهما، إلا أنهما أبعد ما يكونان عن البيئة المصرية، بريق الفكرة أساسا نابع كما أتصور من هذا اللقاء بين جان، بائس هوجو، وبين شخصيات مصرية فى مكان أقرب إلى الحارة، كلما تحقق هذا الإيهام عبر الحوار، أو بأداء الممثلين والممثلات، أخذتنا الديكورات والملابس إلى حى أوروبى، إسبانى مثلا، وأفسدت طرافة اللعبة المقصودة، بلقاء القديم مع المعاصر، والفرنسى مع المصرى.

كانت حيلة العودة إلى الماضى ذكية وفى مواضعها، وكان أداء الممثلين جيدا بشكل عام، وإن كان الممثل الذى لعب دور جان فالجان أقل الجميع بريقا، وخصوصا فيما يتعلق بتلوين صوته، وفقا لعواطف متباينة، يتطلبها الدور، وليس باستخدام مستوى إلقاء واحد ورتيب، ولكن يذكر لمروة رضوان كمخرجة براعتها فى تحريك حشد من الممثلين والراقصين بصورة خلاقة وممتعة، واستغلال مستويات الديكور، وشاشة عرض الفيديو بشكل جيد، ووظفت الأغنيات أيضا فى أماكنها.

درس جان فالجان كما تقدمه المسرحية هو أن الإنسان قوى إذا أراد، وقادر على التغيير لو انضم إليه الآخرون، وأن الحب هو طوق النجاة فى الأزمنة والعصور، وأن البؤس الذى يقع فيه الإنسان من صنع يديه، وتغييره أيضا فى يده، ولعل المعنى الأهم والأجمل هو أن هناك ما هو أسوأ من بؤس الفقر المادى، إنه غياب الوعى والقدرة، وفشل الحب، وعدم الرغبة فى تغيير أى واقع سيئ، باعتبار أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات