أبدا لن نلقى السلاح.. من هنا تكون البداية.. - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبدا لن نلقى السلاح.. من هنا تكون البداية..

نشر فى : الإثنين 12 أكتوبر 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 أكتوبر 2015 - 10:04 ص

طابت نفسى لما لمست من تجاوب كبير مع ما طرحته فى مقالى الأخير عن ثلاثية الشر التى تكاد تقوض المجتمع وتُفقد الحديث عن خريطة الطريق ومناقشة استراتيجية التنمية مغزاهما، وتشيع جوا من الإحباط بشأن إقامة نظام يصل بثوراتنا المتتالية إلى خاتمتها المرجوة، ويخبو الأمل فى المصالحة التى تدعو إليها «العدالة الانتقالية» بين فئات المجتمع، والتخلص من إهدار لحقوق الإنسان. وباعتقادى أن الاكتفاء بإفساح المجال أمام تلك العدالة ولجمعيات حقوق الإنسان لا يستأصل جذور المشكلة كما أوضحتها، وأكاد أجزم أن تلك الجمعيات ذاتها وقعت فريسة لها. ولم يعد من المستساغ ترك الوقت يمر دون أن نحرك ساكنا فتزداد المشكلة تعقيدا.

•••

دعونا نستعد معا جانبا من الدعاوى التى تم الترويج لها فى المرحلة الأولى من ثورة 25 يناير التى رددت «الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو ما يفهم منه أن الدولة تظل باقية وأن المهمة الضرورية والكافية هى إقامة نظام يحقق أهداف «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية». وساد جدل حول المقصود بلفظ «نظام»: هل هو فقط رأس منظومة السلطة التنفيذية ومن يسلطهم ليثبّت جذور الفساد والاستبداد ويشيع الظلم ويقوض عوامل الإنصاف ويشاركوه نهب ثروات البلاد وانتهاك حقوق العباد، أم أن الأمر يتطلب تقويض المنظومة، ومعها سلطة تشريعية سلبتها من أيدى الشعب صاحب القول الأفصل. فتعالت أصوات تطالب بإقصاء من اعتبروا فلول، وذهب البعض إلى مصالحتهم أملا فى انخراطهم فى النظام الجديد ظنا أنهم سيرحبون بخلع رداء الفساد ويعودون طواعية إلى طريق الرشاد.
وجرى الزج بالمؤسسة المتماسكة الباقية من ذلك النظام، وهى الجيش الذى شارك فى السابق فى دعمه، ثم تنصل منه عندما أراد القائمون عليه حرمانه من الدور المحدد له، ليواصل واجبه فى حماية الأمن الخارجى، ويساند ثورة شاركها الرأى فى ضرورة التخلص من صيغة رديئة للدولة ويسلمها ملكا خالصا لعائلة تحول الدولة إلى جملوكية وتستكمل ما فرضه السادات من جعل الحكم عائلة وهو كبيرها. فاتضح أن الأمر لم يعد مقصورا على النظام، بل تمادى ليقضى على الدولة بأكملها. وأفسح هذا فرصة لفئة ضالة مضللة لتشتت الآراء وتنحرف بالحوار إلى ما يحقق لها أمنية عجزت عن نوالها بمداهنة النظام الفاسد، فنادت بأن المراد هو «دولة إسلامية» فى مواجهة ما يسمى «علمانية» أسبغوا عليها مسحة من الكفر، وانقاد آخرون إلى طرح مفهوم واضح لهذه الأخيرة باعتبارها مدنية لا دينية يغص تاريخها برفض مفهوم الدولة والمناداة بالأمة التى تسترت وراءها دول أقامت خلافات إسلامية تحتكر قيادة القوى العسكرية التى تعينها على مساندة ولاة تدعى أنهم مكلفون من الله بالحكم بالعدل فاندمجت السلطة القضائية مع السلطة التنفيذية، ولم يعد للشعب نصيب فى السلطة التشريعية بادعاء وجوب الخضوع لأحكام شريعة لا خيار للناس فيها، إذ يحدد مضمونها أئمة يجتهدون فى تفسيرها متحالفين مع الخليفة، ويحولونها أحيانا إلى مذاهب أشاعت صراعات فيما بينها ووضعت بذورا لفتن مذهبية وأخرى عقائدية أضاعت الحماية التى بسطتها الخلافات الأولى على النصارى واليهود.

•••

وهكذا شالوا ألدو وجابوا شاهين.. فأزيح مبارك وجىء بمرسى.. وكلاهما ألعوبة فى يد المستبدين.. أولهما كان يحركه حزب فاسد، وثانيهما يخضع لأوامر المرشد العام، يمكنه من السيطرة على منظومتى الأمن والقضاء وينشئ ميليشيات تابعة وهدم جيشا لا يميز بين المواطنين، وهو حلم عجزت عن تحقيقه قوى خارجية أرادت التخلص من القائمين بترسيخ قواعد الاستقلال فى مصر والوطن العربى. ومن ثم يصبح الطريق ممهدا للقضاء على الدولة وجعلها ضيعة من ضياع خلافة مركزها القدس. ولولا تمرد الشعب واستجابة قيادة قويمة للجيش ما كانت ثورة 30 يونيو، ولا الخلاص فى 3 يوليو. فإذا بقوى الشر تدفع بثلاثية الإرهاب وتجارتى السلاح والمخدرات لتشغله عن توطيد قواعد الأمن والمساهمة فى إنقاذ الدول العربية المجاورة من تداعيات الربيع العربى.
على أن قمة النفاق انشقت عنها شبكات الإعلام.. فتحْت ستار الإشادة بالثورة أطلقت صيحات الإشادة بالطليعة الثورية التى تخلصت من خنوع جيل آثر السلامة على الوقوف فى وجه النظام المستبد، خوفا من فزاعة الإخوان باعتبارهم الكيان الأكثر تنظيما تربى فى عهد السادات وترعرع خلال عمليات تزوير إرادة الشعب.. فتجد فرصتها فى ثورة لا يقودها تشكيل قادر على تولى القيادة وضم المعذبين فى الأرض تحت جناحيها، لبناء دولة حديثة قبل أن تضيع فرصة قيامها إلى الأبد. كان الخوف هو ــ لسخرية القدر ــ والإحجام عن ضم الصفوف القادرة على إزالة الاستبداد هو الذى مكن ذلك الكيان من اصطياد ما لم يكن يملك قدرة ذاتية على تحقيقه. ويبدو أننا ما زلنا نخشى الأوهام نفسها فمنا من يؤثر ما يعتقده سلامة فلا يجرؤ على الإقدام، ومنا من يدعو إلى التكيف مع البلاء أيا كان، ومنا من يفر هربا من الأوطان حتى ولو كان مهددا بالغرق أو العيش على الفتات والتعرض للهوان.

•••

وانطلقت ثلاثية الغدر بالثورة والثوار: فى البداية الإشادة بها وبالثوار الشباب المتنور، ثم الدعوة إلى أن يتحملوا أعباء القيادة رغم إدراك أنهم لم يملكوا بعد الخبرة التى تؤهلهم لها، وأنهم بذلك يفرضون عليهم رعاية الجيل الخامل الذى آثر مواصلة الاستسلام. ثم جاءت الثالثة بتحميل الطليعة الثورية وزر إغراق البلاد فى لجة من الفساد، فأهالتها على رءوسهم واتهمتهم بالعمالة للخارج، ليخلو الجو أمام المتربصين للقفز على كراسى الحكم. وتاه الشعب الذى انتعشت آماله لحظات، فى بحر من الظلمة والظلم، وتسربت ثلاثية الشر على النحو الذى أوضحناه فى السابق لتعم جميع المستويات والأرجاء. وحمّلوه مسئولية بناء مؤسسات دولة ديمقراطية دون أن يدرى ما هى المتطلبات التى تكفل لها القيام والبقاء.. وهو ما ينذر بعودة نظام مماثل لما سعت الثورة لإقصائه ولكنه يقوم على أكتاف من وعوا الدروس السابقة، فيحكموا قبضتهم ويلقوا بالمصلحين فى غياهب السجون أو يحملونهم على الهجرة إلى أى مكان.. مأمون أو غير مأمون. ولن يبقى إلا خانعين يدعون إلى إيثار السلامة والتكيف مع ما قُدّر فكان، وهو أضعف الإيمان.
انشغل الجميع بما ساد من بلبلة حول مفهوم الدولة بعد أن تراجع الخوف من تشتيت جيش يضم خير الأجناد، وغاب الاهتمام بالركن الركين الذى بدونه لا يتوافر عدل ولا إنصاف، وهو القضاء.. ولم نستوعب درس ثورة يوليو 52 الأول وهو المطالبة بتطهير الذات.. فتشققت صفوف الأحزاب التى فرضت سيادة الإقطاع والاحتكار على مختلف الأنساق.. وتراخت القبضة التى حرصت على خنق قوى الشعب العاملة، لتمارس حقوقها وتعزز قدراتها على حكم البلاد. وظلت الصخرة كامنة فى قضاء أخل بواجباته فى تنقية المنظومة التشريعية من عناصر الفساد وحاولت مؤسساته أن تلقى بطوق نجاة لمن حاولوا هدم الثورة فى مهدها.. فكان لابد من تطهير القضاء، والقضاء على محاولات إرهاب من تصدوا للإرهاب.. وفى ظل افتقاد قيادة للثورة تبنى وتدعم أركان الدولة المنشودة، وسيادة أوهام استمرار عملية الانتقال والاكتفاء بعدالة انتقالية لا حول لها ولا سلطان، يصبح لا مناص من أن يتولى القضاء تطهير وتطوير الذات..

•••

لا يمكن تصور أن البلد خلت من الراغبين بصدق فى الإصلاح.. وعلى من يريدون حقا أن ينجو المجتمع من ثلاثية الشر، أن يساندوا مجموعة طاهرة تلقى تأييد الأوفياء من أبناء الشعب وتوفر لها الرئاسة الحماية من التهديد والوعيد.. لتقيم نظاما قضائيا يغطى جميع الجرائم بما فيها الجرائم الاقتصادية، وتضع مدوّنة إجرائية وبرامج لكليات الحقوق، وقواعد صارمة للثواب والعقاب. فتضع بذلك قاطرة تتبعها سلسلة للتطهير والتطوير الذاتيين فى جميع المجالات.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد..

خبير فى التخطيط

يبدو أننا ما زلنا نخشى الأوهام نفسها فمنا من يؤثر ما يعتقده سلامة فلا يجرؤ على الإقدام، ومنا من يدعو إلى التكيف مع البلاء أيا كان، ومنا من يفر هربا من الأوطان.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات