حنان وأميمة.. وقائع البحث عن أمبول استربتوكاينيز - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حنان وأميمة.. وقائع البحث عن أمبول استربتوكاينيز

نشر فى : الجمعة 13 يناير 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 13 يناير 2017 - 10:05 م

فتحت صديقتى وزميلة المهنة الباب وعلى وجهها ابتسامة مضيئة لا تتناسب إطلاقا وما نعانيه حاليا من جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية التى داهمتنا.. هتفت لها فى ضجر «إيه لازمة الابتسامة دى إن شاء الله؟» اتسعت ابتسامتها على عكس ما توقعته بعد تعليقى وردت فى انشراح «سأقص عليك حكاية صغيرة أعلم أنها ستخرجك تماما من تلك الحالة النفسية التى غادرتنى بعد لقاء مريض انتهيت منه للتو».


انتهت زميلتى وابنتى الدكتورة عزة من تركيب منظم للقلب لمريض سورى الجنسية قضى فى مصر ثلاثة وخمسين عاما بالتمام والكمال بعد أن أنهى دراسته بجامعة الإسكندرية وبينما هو يعد العدة للعودة إلى بلاده جد فى الأمر ما جعله يغير رأيه ويصر على البقاء فى مصر. أراد أن يكافئها على حسن صنيعها له فقص عليها تلك القصة البليغة التى أضاءت يومها فجأة لتنقل إلى تلك الطاقة الإيجابية التى استمدتها من مريضها.


بالمصادفة ومنذ ثلاثة وخمسين عاما أنصت عن دون قصد المهندس السورى الذى بقيت له أيام ليعود إلى دمشق إلى حديث موظفتين صغيرتين على محطة الأتوبيس فى طريقهما للعمل بإحدى مؤسسات الدولة فى منطقة وسط البلد.


حنان وأميمة: مر بهما مريض بالسرطان (هكذا حكى) بطلب مساعدة للعلاج فما كان من أميمة إلا أنها منحته خمسين قرشا (لم تكن المرتبات فى تلك الآونة لمثليهما تزيد على اثنى عشر جنيها. فهتفت حنان: أعطيتيه كل ما نملك فكيف نذهب للعمل إذن؟ لم يستغرق الأمر كثيرا حتى قررتا معا المشى إلى مكان عملهما: يعنى إيه ٤ كيلو متر مشى.. ربما كانت طريقنا للجنة! يكمل الرجل قصته بعد أن ظل ذاهلا، لذلك التصرف التلقائى الإنسانى البديع من شابتين فى عمر غض فهتف لنفسه «والله أبدا لا أغادر بلدا أهله على هذا الخلق».


كان للقصد فى نفسى أثر السحر بالفعل خاصة أن صديقتى الماكرة قد استخدمت كل المؤثرات الصوتية واللفظية لتجعل قصتها تتسلل برفق إلى شرايينى.


نعم أنا أؤمن بأننا شعب من نسيج خاص. نحن فى معهد القلب القومى لا نعدم الكثير ممن يأتون طواعية للتبرع، فهم بلا شك يدركون أننا نقدم خدمة حقيقية للمريض المصرى البسيط لكن الأمر الآن أصدقائى أصبح أكثر تعقيدا، ولعلى إذ عرضت عليكم اليوم وقائع حقيقية لمشكلة واحدة قد تدركون حجم ما نعانى من ضغوط تكاد تفتك بنا. نحن على سبيل المثال نعانى من نقص حاد فى أمبولات «الاستربتوكاينيز» وهو مستحضر يقف بالمريض على حافة الموت والحياة؛ لأنه يستخدم لإذابة الجلطة فى الساعات الست الأولى من إصابة الإنسان بسده فى الشريان التاجى الأمر المعروف بجلطة القلب.


قبل الأزمة كان متوافرا بسعر مائتى جنيه للأمبول الواحد يأتيك فى عبوته الأصلية مسجل عليه كل بيانات صلاحيته مقابل مستندات تفيد ثمنه ومصدر شرائه. كان متاحا محلى الصنع تنتجه مصانع العامرية وسيديكو، كنا فى الأزمات نطلب من المتبرعين الكرام أن يسددوا ثمنه بمعرفتهم وما علينا إلا قبوله مع صورة من المستندات لإضافته لعهدة صيدلية المعهد.


الآن اختفى تماما فلا وزارة الصحة توفره لنا ولا الشركات تنتجه ولا هناك أى صيدلية تقبل مجرد السؤال عنه. ليس أمامنا إلا عرض من أسماء مجهولة ترفض حتى أن نسأل عن مصدر الأمبولات: حتى أمس كان ثمن الأمبول ثلاثمائة وخمسين جنيها بلا أى مستندات.. لا سعر ولا إيصال ويكفينا شرف الحصول عليه وكل ما نعرفه شفاهة أنه مستورد من الهند وأنه سيصلنا فى مكان ما خارج المعهد عن طريق وسيط فنحن حتى لا نعرف من هو المصدر.


إذا قبل المتبرع الكريم أن يشترى بنفسه بتلك الشروط الغريبة المجحفة رغبة منه فى إنقاذ أرواح الناس ورضا الله سبحانه، فكيف يمكن أن يضيف معهد القلب تلك الأمبولات لرصيده؟


إلى كل حنان وأميمة من أبناء هذا الوطن: أدعوكم بصدق للبحث معنا عن حل ولو بشراء أمبول واحد استربتوكاينيز بأية طريقة لإنقاذ حياة إنسان نُقل لاستقبال معهد القلب القومى مسلما حاله لخالقه سبحانه وأطباء المعهد.

التعليقات