قوة ترامب الأمريكية للخير أم لمن يدفع؟ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قوة ترامب الأمريكية للخير أم لمن يدفع؟

نشر فى : الأحد 13 يناير 2019 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 13 يناير 2019 - 9:15 م

فى بداية كلمة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو لمصر والمنطقة العربية التى ألقاها فى مقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عصر يوم الخميس الماضى قال نصا: «سأكون صريحا ومباشرا اليوم: إن أمريكا هى قوة للخير فى الشرق الأوسط».
فى تقديرى ــ وأظن فى تقدير كثيرين ــ أن هذا القول ينبغى أن يخضع لنقاش عميق، حتى تكون الصورة صحيحة.
كان يمكن تقبل هذا القول على مضض فى أى وقت، غير هذا الوقت الذى يدير فيه الولايات المتحدة الرئيس الحالى دونالد ترامب.
تحدثت بالأمس عن الترجمة السياسية لخطاب بومبيو، فيما يتعلق بالمنطقة، واليوم أناقش فكرة «قوة الخير الأمريكية».
من سوء حظ بومبيو أن غالبية كلمات وتعبيرات وتويتات وتصريحات رئيسه ترامب، تصطدم تماما مع ما قاله بأن بلاده هى قوة للخير فى الشرق الأوسط.
وحتى يكون كلامى واضحا، فأنا أفرق تماما بين سياسات وأفعال وشعارات إدارة ترامب وبين أمريكا كدولة ومجتمع.
قوة الخير الأمريكية موجودة وحاضرة فى مجالات كثيرة، ومنها الجامعة الأمريكية بالقاهرة التى مر على تأسيسها مائة عام. وقوتها الخيِّرة موجودة فى الجامعات ومراكز الأبحاث الكثيرة، التى تقدم للإنسانية أفكارا واختراعات متعددة.
هى موجودة فى التكنولوجيا، التى قلبت حياة العالم رأسا على عقب، وموجودة فى هوليوود وقوتها الناعمة، بل موجودة فى المطاعم وآخر صيحات الموضة، ومجالات أخرى كثيرة.
هذا ما يخص أمريكا الدولة والمجتمع، التى يقصدها ملايين الناس، ويتمنون السفر إليها، أو الدراسة والإقامة فيها، بل يضبط البعض مواعيد ولادة أطفالهم هناك، ليحصلوا على جنسيتها أو حتى الإقامة، وأحيانا يتمنون مجرد زيارتها، ليقولوا: «لقد زرنا أمريكا».
لكن سياسات وتصريحات ترامب وإدارته، مختلفة ومتصادمة مع غالبية القيم والأفكار والاتجاهات السابقة. ومن سوء حظ بومبيو أن ترامب وقبل أقل من أسبوع، أعلن فى تبرير قراره بالانسحاب من سوريا أنها «أرض الرمل والموت، وليس أرض الثروات الضخمة».
ومنذ بداية حملته الانتخابية فإن إحدى صفات ترامب أنه صريح حد الصدمة، والرجل لا يخفى أفكاره، وخلال عامين كاملين، أو ربما أكثر فقد رفع ترامب شعار: نحن موجودون فى أى مكان بالعالم لمن يدفع لنا، لدرجة أن البعض اعتبر هذا الأمر يحول القوات الأمريكية إلى مرتزقة.
قبل شهور أعلن ترامب أنه سوف ينسحب من سوريا وحينما أعلنت السعودية معارضتها لهذه الخطوة، قال لهم: «إذا عليكم أن تدفعوا مقابل بقائنا فى سوريا»!!!.
وفى أوائل أكتوبر الماضى كان ترامب فى غاية السفور وهو يطلب من السعودية أن تدفع مقابل حمايتها، وقال وقتها تعبيرا صدم كثيرين: «قلت صراحة للملك سلمان إنه لن يظل فى الحكم لأسبوعين من دون دعم الجيش الأمريكى لذلك عليك أن تدفع».
ما فعله ترامب مع السعودية، لم يكن خاصا بها فقط، بل كرره مع كثيرين. هو هدد حلف الأطلنطى بأن عليه أن يتحمل عبئا ماليا أكبر. هو أيضا طالب اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، بأن تدفع أكثر مقابل الحماية العسكرية الأمريكية.
إذا علينا أن نفرق كثيرا بين قوة الخير الأمريكية المتمثلة فى المجتمع الأمريكى، وسياسات إدارة ترامب، التى تتعامل بأن كل شىء ينبغى أن يتحول إلى سلعة، لها ثمن محدد ينبغى أن يتم دفعه.
سيقول البعض أن إدارة ترامب لها مبادئ يمينية، وداعمة لإسرائيل، وضد المهاجرين. نعم هذا صحيح، لكنها وهى تتعامل مع منطقتنا، لا ترى فيها إلا إسرائيل وثروات ضخمة لا يستحقها أصحابها!!!، ونقل ترامب سفارته للقدس العربية المحتلة ودعم الكيان الصهيونى من دون حدود، ويريدنا أن نتقاتل مع إيران على أسس طائفية فقط، بما لا يفيد إلا تل أبيب.
مرة أخرى أمريكا قوة للخير فى العديد من المجالات العلمية والطبية والفنية والتكنولوجية، لكن فيما يتعلق بسياسات ترامب فى منطقتنا فهى موجهة لخدمة إسرائيل أولا ولمن يدفع مقابل الخدمة ثانيا.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي