أجراس يوم الكرامة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أجراس يوم الكرامة

نشر فى : السبت 13 فبراير 2016 - 10:35 م | آخر تحديث : السبت 13 فبراير 2016 - 10:35 م
فى ليلة يوم الكرامة الذى أعلنه الأطباء المصريون من نقابتهم حدث ما يلى: صدم أمين شرطة شابا وسيدة على طريق قراقص بمركز دمنهور (محافظة البحيرة) حين كان يقود دراجة نارية (موتوسيكل)بدون لوحات معدنية. المواطنون أمسكوا بأمين الشرطة واتجهوا صوب مستشفى دمنهور لإنقاذ المصابين اللذين كانا فى حالة يرثى لها. فى طريقهم إلى نقطة المستشفى لكتابة محضر بالواقعة تم تهريب أمين الشرطة المستبب فى الحادث بمساعدة زملاء له. أحدهم حاول التحرش بسيدة من أهالى المصابين فنهره الشباب الذين جاءوا مع المصاب، فما كان من أمين الشرطة إلا أن قادهم إلى النقطة بمن فيهم المصاب ومنها نقل الجميع إلى مركز شرطة المدينة. وهناك تم احتجازهم والتعدى عليهم فى وجود الضابط المناوب (غ. ش). وقضوا الليلة هناك انتظارا لعرضهم على النيابة.

هذه خلاصة قصة حدثت مساء يوم الخميس ١١/٢، وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى طوال نهار الجمعة التى احتشد فيه الأطباء فى نقابتهم. ورغم أننى لا أملك وسيلة للتثبت من صحة وقائعها، فإننى أوردتها لصلتها بموضوع احتشاد الأطباء، إذا صحت بطبيعة الحال. وحتى إذا لم تصح فثمة حالات أخرى عديدة مماثلة تؤيد ما ورد فيها. ذلك أننى أزعم أن يوم الكرامة الذى سجله آلاف الأطباء فى نقابتهم، احتجاجا على اعتداء أمناء الشرطة فى حى «المطرية» على زملائهم بالضرب والسحل ثم اعتبار رجال الشرطة ضحايا والأطباء جناة، هذا الحادث يثير قضية مهمة تستحق وقفة واهتماما. فاعتداء الشرطة على الأطباء ما كان ليحدث لولا أنه يجسد موقف الاستباحة الذى تتعامل به مع كرامات عامة المصريين، منذ أطلقت يد الشرطة فى ذلك دون حساب بدعوى مقاومة الإرهاب. ولا ينسى أن قانون الإرهاب أضفى شرعية على تلك الممارسات حين نص فى مادته الثامنة على إعفاء رجال الشرطة من المساءلة الجنائية «إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم أو لحماية أنفسهم من خطر محدق...» ــ إزاء ذلك فإن غضب الأطباء فى حقيقته ليس مقصورا على إهدار كرامة بعض زملائهم ولكنه ينبغى أن يحمل أيضا بحسبانه رفضا لاستباحة كرامة عموم المصريين، التى ذهبت الشرطة بعيدا فى إهدارها. من ثم فإن ما جرى يجب أن يستقبل بحسبانه جرس إنذار ينبه إلى ضرورة وضع حد لمثل تلك التجاوزات التى طالت كثيرين، وكان بعض المحامين من ضحاياها ولكن نقابتهم لم تملك شجاعة إعلان الاحتجاج لأسباب مفهومة.

وإذ يقدر موقف نقابة الأطباء الذى اتسم بالجرأة والنزاهة، فلعلى لا أبالغ إذا قلت إن ذلك الموقف يعد نقطة تحول كسرت جدار صمت النقابات المهنية على الاعتداءات والإهانات التى تعرض لها أعضاؤها. وفى ذات الوقت فإن المشهد يوجه رسائل أخرى يجب أن تستقبل بحسبانها أجراسا تنبه وتوقظ وتحذر، ومن ثم يجب قراءتها بعناية وتدبر. من تلك الرسائل ما يلى:

< أن احتشاد الأطباء رغم أنه تم فى إطار الغيرة المهنية، فإنه أعاد إلى الأذهان لحظات الإجماع النادرة فى التاريخ المصرى المعاصر. ذلك أن الغضب للكرامة جمع الأطباء باختلاف هوياتهم وانتماءاتهم السياسية والدينية والجهوية. ومن المهم أيضا فى هذا السياق ملاحظة أن القوى الوطنية الحية فى مصر تضامنت معهم فى غضبهم. فقد أيدتهم المنظمات الحقوقية المستقلة. وأحزاب المصرى الديمقراطى والتحالف الشعبى والكرامة ومصر القوية. إضافة إلى قائمة طويلة للمثقفين الوطنيين. وهذا الإجماع على إدانة موقف وزارة الداخلية وضرورة الدفاع عن كرامة المصريين، مؤشر ينبغى ألا نغفل دلالته.

< أن الاشتباك الذى أصبحت القوى الوطنية الحية طرفا فيه صوَّب من صورة التجاذب الحاصل فى مصر، الذى يحصره البعض فى صراع السلطة مع الإخوان أو الإرهاب. حيث يظل ذلك جانبا من الصورة وليس كل الصورة، وما جرى يوم الجمعة كان إشارة إلى أن ثمة جانبا آخر أكثر أهمية مسكوتا عليه محوره علاقة السلطة بالمجتمع يتجلى فى انتهاكات حقوق الإنسان والقوانين المقيدة للحريات، والتعول الأمنى فى مختلف الأنشطة الثقافية والجامعية والدعوية.
< إذا وسعنا الدائرة بعض الشىء فسوف نقرأ دلالة ما جرى فى نقابة الأطباء ليس بحسبانه تعبيرا عن اشتباك الأطباء مع الشرطة، لأنه فى حقيقته أحد مظاهر اشتباك الدولة الأمنية مع المجتمع. نلاحظ ذلك فى الهجوم الجارح والبذىء من جانب الإعلام الأمنى على نقابة الأطباء خصوصا النقيب ووكيلة النقابة.

< الملاحظة الأخرى المهمة أن المشهد فى جملته جاء دالا أيضا على موت السياسة وإهدار قيمة القانون. ذلك أن الحادث الذى بدأت به أزمة الأطباء كان يمكن احتواؤه بأسلوب متحضر يقوم على التصالح واحترام القانون، ولكن نزعة التحدى وروح القمع هيمنت على المشهد من بدايته فجرى ما جرى. وتمثلت أبرز علامات التحدى. فى اعتبار الأطباء جناة كما فى إطلاق سراح أمناء الشرطة التسعة الذين اشتركوا فى إهانتهم وسحلهم قبل ٢٤ ساعة من انعقاد الجمعية العمومية للأطباء، فى رسالة استعلاء وإغاظة عنوانها: أعلا ما فى خيلكم اركبوه.

إن أجراس يوم الكرامة عالية الرنين والرسالة مهمة، لكن السؤال الكبير هو: من يسمع أو يقرأ؟
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.