خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2ــ المرسل: بالتخصص العلمى - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2ــ المرسل: بالتخصص العلمى

نشر فى : الجمعة 13 مارس 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 مارس 2015 - 10:00 ص

ــ1ــ

لا يقوم ولا يفلح أى عمل دون اعتماد على العلم، والعلم ليس مجرد معلومات تحفظ فى الذاكرة أوالأوراق والأرشيف أو فى الشرائح الرقمية (الأقراص /الديسكات / ولا فى شرائح ووثائق الميديا..إلخ) فليس كل ذلك من العلم، بل غاية كل ذلك إيجاد مخزن يحقق «التجهيز والإعداد» لإنتاج «علم» ينتفع به سواء فى الشئون المادية أو الشئون الروحية والمعنوية.. فالحفظ ليس علما.

وأيضا فإن الانتقاء العشوائى لبعض المعلومات حسب (الذوق/الرغبة/ الغرض) وكتابتها أو نشرها وإذاعتها ليس علما، ولكن أقصى ما يحقق هذا الاختيار والنشر أن يلفت النظر ويحرك الفكر ويدعو المهتمين إلى ممارسة واجبهم فى إنتاج العلم النافع.

ــ2ــ

وقد تعمدت إطالة الفقرة السابقة نظرا للخلط الشديد الشائع فى اعتبار حفظ المعلومات كما هى، ونشرها وبثها علما! وكذلك التفريق الفاحش بين العلوم التطبيقية والعلوم النظرية، حيث تصور البعض أن العلوم النظرية ومنها العلوم الدعوية (التفسير/ الفقه/ الحديث / السيرة /..إلخ) يجعل من يحفظها عالما، أو تضيف من ينقلها إلى زمرة العلماء. وهذا خطأ فاحش، فالعلوم النظرية عامة والدعوية خاصة (التفسير/ الفقه/ الحديث / السيرة /..إلخ) ليست محفوظات تجعل حافظها عالما، وإلا كان «الديسك الرقمى» قلعة علمية. فالعلوم الدعوية مثل العلوم التطبيقية سواء بسواء، فلابد من التفكير/ والتركيب والتفكيك/ والإعادة والتجريب/ والاحساس بالاطمئنان المسئول/ والتصور والاقتناع/ والقدرة على الإقناع، ثم بعد ذلك اختيار ماذا يقال؟ وكيف يقال؟ ولمن يقال؟ وأين يقال؟ ومتى يقال؟ وليس هناك فرق بين العلوم المادية التطبيقية من ناحية وبين العلوم النظرية من ناحية أخرى سوى أن الأولى يمكن التفاعل معها بحواس (اللمس/ النظر/ السمع/ الشم/ الذوق) أما العلوم النظرية فيتم التفاعل معها بأدوات عقلية أخرى هى (التفكير /التدبير /التفكيك/ التركيب/ التنقيح/ التحقيق/ البرهان/ الاستنتاج /الترجيح /اليقين) وكل تلك الأدوات والوظائف العقلية هى مقومات وخطوات المنهج العلمى فى «العلوم النظرية».

ــ3ــ

وقد أشار القرآن الكريم إلى كل ذلك وأكثر من حيث بدأ تأسيس المنهج العلمى فى الوصول إلى اليقين من خلال القراءة سواء قراءة الحروف اللغوية أو قراءة الواقع الكونى، فمثلا فى السماء وما يبدو منها، والأرض وما تحويه، حيث قال ((أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ))، كما أمر بالنظر فى الكائنات ((إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ))، وقال ((وَفِى أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ))، كما نعى القرآن على هؤلاء الغافلين الذين لا يحركون عقولهم فيما حولهم فقال ((َكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُون)). فالعلوم الدعوية التى وصفوها باسم «العلوم الشرعية» هى علوم بحثية تجريبية تنتج قواعدها ومبادئها من تراكم خبرات تفكيرية وبحثية متعددة، وليس مجرد استظهار أو حفظ.

وهكذا ينبغى أن نتفق على أن وظائف الدعوة والإعلام الدينى هى وظائف لا يمكن أن تؤدى دورها ولا تحقق أثرها ما لم تستمد مفردات خطابها من خلال منهج علمى بحثى يحقق القاعدة الإلهية القرآنية ((.. إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئا)).

ــ4ــ

وحينما جعلت عنوان المقال (مؤسسة متخصصة علميا) أردت أن أوضح أن شئون العمل الدعوى ليست مجرد جلوس مجموعة من الدعاة فى غرفة مكتبة لإعداد نشرة أو خطبة، وليست الدعوة انطلاق أصوات البعض بما يحسون به أو بما يفكرون فيه أوبما يرغبون تحقيقه حسب ظنهم أن ذلك ما يرونه هو العلم أو هو الدين أو هو الدعوة التى يجب ألا يزاحمها دعوة أخرى.

ــ5ــ

فالعلم قد بين الله مكوناته وأهم عناصره فى بعض الأسماء الحسنى ليدرك الجميع مفهوم العلم فنحن جميعا نؤمن بما فى القرآن الكريم من أسماء الله وصفاته، ومنها (السميع/ البصير/ المحيط / الخبير/ العليم/ الحكيم) فنتعلم منها عدم إمكانية الوصول إلى علم دون إحاطة بأصول الأشياء والقدرة على استحضارها فى الذهن كما هى من خلال السمع والبصر، وذلك يساعدنا فى تراكم المعلومات والخبرات التى تنتج الحكمة والتوفيق.
..يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات